ترجماتشؤون دوليةملفات مميزة

“الإرهاب المحلي”: لماذا لا يتحدث الإعلاميون والسياسيون الغربيون عن هجمات البيض المتطرفة؟

يفكر هؤلاء بطريقة أفضل لاستغلال الأحداث الإرهابية

كيو بوست – ترجمة أنس أبو عريش

كثيرًا ما يُصرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن اللاجئين والمهاجرين يحملون معهم معدلات عالية من الجرائم، وبأن معظمهم من القتلة والإرهابيين، الأمر الذي يقدمه كمبرر لرفضه قبولهم في البلاد.

خلال التصريح الأخير لترامب حول منع مئات المهاجرين من أميركا اللاتينية، كان شاب أبيض، يُدعى سيزار سايوك، يُرسل 14 طردًا ملغومًا إلى عناوين مسؤولين بارزين، من بينهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. يُمكن للطرود الملغومة أن تسبب مقتل كل من يكون في الجوار لحظة فتحه. لاحقًا، تبين أن سايوك هو أحد المتحمسين لسياسات ترامب المتطرفة.

اقرأ أيضًا: ما هو الإرهاب بالتحديد؟ ولماذا يربطه البعض بالإسلام؟

بعد فترة وجيزة، قتل رجل أبيض آخر 11 شخصًا في كنيس يهودي، معظمهم من كبار السن، زاعمًا أنه فعل ذلك لأن اليهود يدعمون الهجرات إلى الولايات المتحدة. لم يُتهم أي من مرتكبي هذه الجرائم في هذين الحادثين -إضافة إلى 307 عمليات إطلاق نار في البلاد منذ بداية العام- بالإرهاب بتاتًا. ورغم اتخاذ السلطات قرارًا بمعاقبة هؤلاء، إلا أن القضية تطرح تساؤلات مهمة من قبيل: لماذا لا يجري وصف هؤلاء بالإرهاب؟ ولو كان هؤلاء من الأجانب، هل سيجري وصفهم بالإرهاب؟ الإجابة تكمن في أن الولايات المتحدة ليس لديها قانون يتعلق بالإرهاب الداخلي.

يجادل داعمو سن هذا القانون بأن قانونًا كهذا من شأنه أن يسهّل عملية تتبع المجرمين المحتملين، الأمر الذي سيؤدي إلى التقليل من أعداد هذه الهجمات.

 

تطابق التعريفات وتغاضي السلطات

تتطابق تعريفات هذه الجرائم، إضافة إلى المجازر الكبرى التي تحدث في الولايات المتحدة، مع تعريفات الإرهاب التي ترتكز على “العنف المسلح ضد الأبرياء، لتحقيق أهداف سياسية، هي قتل الآخر أو نشر الخوف أو انتهاك حقوق الآخرين الأساسية في الحياة”.

وجدت دراسة سابقة أن الجرائم المرتكبة على أسس عرقية، ويُمكن تصنيفها على أنها جرائم إرهابية، بين 2016 و2017، بلغت 201 عملية، قام بها أشخاص بيض في 119 حالة، ومسلمون متطرفون في 62 حالة، ويساريون متطرفون في 19 حالة. ومعنى ذلك أن 68% من الجرائم الإرهابية ارتكبت على يد أمريكيين متطرفين من حملة الأيديولوجيات اليمينية واليسارية المتشددة. يحمل معظم هؤلاء أفكارًا متطرفة، ويؤمنون بنظريات المؤامرة، ومعاداة الأجانب، وغيرها.

اقرأ أيضًا: ما الفرق بين الأصولية، والراديكالية، والتطرف، والإرهاب، والفِكر الجهادي؟

السؤال الذي يعود من جديد: لماذا تتغاضى السلطات الأمريكية عن المهاجمين البيض الذين يشنون عمليات قتل جماعية، فيما يجري التركيز على المسلمين حصرًا؟

لا بد أن الأسباب وراء ذلك تكمن في الجانب المظلم من التاريخ والثقافة الأمريكيتين. من المهم الإشارة إلى مجموعة كلو كلوكس كلان (كي كي كي)، التي اعتقد أفرادها أن بإمكانهم معاقبة الأشخاص وفقًا للونهم العرقي.

من هذه النقطة، جرى تطوير ثقافة كاملة من التحيز العنصري غير المقيد قانونيًا. بشكل أكثر تحديدًا، كانت هذه الأفكار من “المفهوم ومن المُوافق عليه ضمنيًا” من السياسيين والمشرعين. تضمنت نشاطات (كي كي كي) منذ إنشائها عام 1865 مجموعة كبيرة من أحداث التعذيب والكراهية والعنصرية القائمة على العنف. وبحسب مركز دراسات مكافحة التطرف، وُجد في الولايات المتحدة 100 عنصر نشط من جماعات القوميين البيض، و99 من مجموعات النازية الجديدة. واتهم الكثير من أعضاء هذه الجماعات بارتكاب العديد من الجرائم، لكن خطاباتهم العنصرية كانت تُعتبر ضمن حقهم في التعبير الذي يضمنه لهم الدستور.

عادة كان المحرك لقوانين الإرهاب هو الهجمات التي تشنها مجموعات متطرفة إسلامية، مثل هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، وهجمات عام 2003 في مدريد، وهجمات لندن عام 2005. كانت الولايات المتحدة مقتنعة بأن الهجمات الإرهابية هي هجمات من الخارج، أما الهجمات الداخلية فهي هجمات متوارثة عن التوحش الغربي، ولا تنتمي إلى الإرهاب.

اقرأ أيضًا: الإرهاب نقيض نفسه: ما معنى أن تكون إرهابيًا؟

تشابه في الأدوات

في العقلية الأمريكية، عادة ما يجري تعريف الإرهاب الإسلامي بأنه الإرهاب الذي يبدأ من المسجد أو من الإنترنت، ولذلك لا يمكن إطلاق الوصف نفسه على البيض!

ورغم أن طريقة عرض المجرمين البيض للأفكار المتشددة هي ذاتها التي يعرض بها المسلمون المتشددون أفكارهم (أي العنف والتطرف)، إلا أنه جرى عادة التغاضي عن نشاطات الأمريكيين، أو على الأقل التقليل من شأنها، الأمر الذي وصل إلى حد عدم مراقبتهم ولا متابعة أنشطتهم بالطريقة التي تجري ضد المتطرفين المسلمين.

كان التبرير الشائع أن البيض لا ينتمون إلى منظمات سرية ولا يهدفون إلى إبادة النظام، كما أنهم لا يرتكبون جرائم ضد أفراد عائلاتهم الذين يرتكبون أخطاء، لذلك جرى تصوير جرائمهم على أنها مجرد جرائم قتل جماعية. الغريب في الأمر أن البيض كانوا يتسابقون إلى قتل أكبر عدد من الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، أطلق سيتيفان بادوك 1100 رصاصة في 15 دقيقة، على حشد في لاس فيغاس، متسببًا بقتل 58 شخصًا، وإصابة 851 شخصًا، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2017. تفوق هذه الجريمة الكثير من عمليات التطرف الإسلامي في الولايات المتحدة، ومع ذلك لا يُنظر إليها إلا باعتبارها جريمة فردية، وغير إرهابية.

اقرأ أيضًا: مجزرة لاس فيغاس: حقائق مثيرة عن المنفذ وعلاقة إسرائيل به

المشكلة أن بعض السياسيين والإعلاميين لا يرون فائدة من الاعتراف بأن الإرهاب المحلي الداخلي هو تهديد أكثر وضوحًا للمجتمع الأمريكي من كثير من الجماعات الإسلامية المتطرفة.

 

73% من الحوادث على يد البيض

نشرت الحكومة الأمريكية تقريرًا عام 2017، قالت فيه إن مجموع العمليات المتطرفة التي تسببت بالموت لآخرين، بين أحداث سبتمبر/أيلول 2001 وديسمبر/كانون الأول 2016، بلغ 85 حادثًا، كان 62 منها (أي 73% من الهجمات) من متطرفين ينتمون إلى اليمين، بينما 23 حادثًا (أي 27%) جرى ارتكابها على يد مسلمين. وقد وجد تقرير آخر، نُشر بعد شهرين، أن عدد الجرائم التي ارتكبت على يد المتطرفين البيض بين 2008 و2016 كان ضعفي عدد الجرائم التي ارتكبت على يد المسلمين.

ولكن لماذا لا يجري مناقشة هذه الأرقام والإحصائيات في المجال العام؟ لماذا لا يجري التركيز عليها بمقدار التركيز الذي يُوضع حول الهجمات التي يقودها متطرفون إسلاميون؟

اقرأ أيضًا: فوضى السلاح الأمريكية تقتل أطفالًا أكثر من قتلى الجيش الأمريكي!

على عكس ما يقول كثيرون في الولايات المتحدة، لا يُعتبر التركيز على الهجمات التي ينفذها متطرفون بيض أمرًا غير وطني؛ بل إن الرد على هذا التهديد يجب أن يتضمن إحساسًا بالوعي الذاتي ووجهة نظر مستنيرة، يتمثلان في عدم تجاهل نوع واحد من التهديدات الإرهابية لمجرد أن مرتكبيه هم مواطنون أمريكيون عاديون.

 

توظيف سياسي واستغلال

تشير بعض التقديرات إلى أن السياسيين يوظفون المخاوف من العمليات الإسلامية في أمور سياسية، الأمر الذي لا يجدونه في هجمات البيض.

وفي الوقت نفسه، استفادت شركات الإعلام من استغلال هذا الخوف من خلال التحيز للتهديد الذي يجذب المشاهدين، ويبني قاعدة من الأتباع الذين يؤمنون أن الإرهاب “الإسلامي” من أهم المخاطر التي تواجههم. وعندما تحاول أصوات أكثر عقلانية وأقل تطرفًا إبقاء الإرهاب في منظوره الصحيح، يجري تجاهله بشكل كلي.

عادة ما يُركز السياسيون والإعلاميون على ما يُريد الناس سماعه، ولذلك فهم ينخرطون في تعزيز الانقسام الثنائي، بين “نحن” و”هم”، الأمر الذي يزيد من تعميق الفجوة بين الطرفين، ويقود إلى أعمال عنف متبادلة. ولكن خلال عملية الاصطفاف هذه، يجري تجاهل فكرة أن بعضًا من “نحن” يمكن أن يكونوا إرهابيين، أي أنهم يستبعدون كليًا فكرة أن يكون الإرهاب من الداخل. وبهذه الطريقة فقط، يُمكن لهؤلاء أن يحصلوا على التصفيق من الجمهور، أما إذا تحدثوا عن الإرهاب الداخلي، فلا يُمكن أن ينالوا ثقة الجمهور.

اقرأ أيضًا: تقرير ”فرانك تايلور” الغامض كان وراء انطلاق عمليات “الحرب على الإرهاب”

وبدلًا من المساعدة في بناء مجتمع أكثر مرونة وتسامحًا، يساعد السياسيون والإعلاميون في ضمان أن تبالغ الولايات المتحدة والدول الغربية في الرد على الهجمات الإرهابية الخارجية، وأن تتواصل دورة الهستيريا والخوف على أساس التحيز والتعصب، وليس الحقائق.

 

المصدر: إنترناشيونال بوليسي ديجيست + ذا غلوب بوست

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة