الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الإرهاب الإسلاموي يتصاعد في منطقة الساحل.. ولكن ليس في تشاد

كيوبوست- ترجمات
هيلغا ديكو♦
مع تصاعد الإرهاب الإسلاموي في منطقة الساحل على مدى السنوات القليلة الماضية، تشكِّل تشاد استثناء واضحاً بين دول المنطقة. ولشرح أسباب هذا الاستثناء كتبت هيلغا ديكو مقالاً نشره موقع “ذا كونفرزيشن”. تشير ديكو، في مطلع مقالها، إلى بداية ظهور الإرهاب في نيجيريا وشمال مالي عام 2013، على أنها بداية ظهور الجماعات الإسلاموية السلفية التي أدخلت منطقة الساحل في دوامة الإرهاب وأوصلتها اليوم لأن تكون البؤرة العالمية للتطرف العنيف. وترى ديكو أن انتشار الإرهاب في هذه المنطقة يرجع بشكل رئيسي إلى عدة أسباب؛ هي: السخط الشعبي على الأنظمة السياسية، وسوء الحكم، والفساد، والنزعات العرقية، والفقر، والبطالة.
وعلى الرغم من أن تشاد تعد واحدة من أفقر دول العالم، وتستوفي جميع الأسباب الرئيسية التي تشكِّل تربة خصبة للإرهاب؛ فإن مجتمعها لا يزال متماسكاً، ويقتصر تهديد الإرهاب فيها على الهجمات العابرة للحدود. ولتفسير ذلك ترجع ديكو إلى استطلاع للرأي قامت به في خمس مدن تشادية؛ شمل مختلف المجموعات العرقية واللغوية في البلاد، وخلصت منها إلى أن أحد أهم أسباب عدم انتشار الإرهاب الإسلاموي فيها هو رغبة التشاديين في العيش بسلام بعضهم مع بعض، إلى جانب الدرجة العالية من التسامح الديني التي يتمتع بها التشاديون.
اقرأ أيضاً: الإرهاب في غرب إفريقيا
أخذت الكاتبة آراء 1857 شخصاً أجابوا عن 130 سؤالاً. ومن خلال تحليل نتائج هذه البيانات تبين أن المجتمع التشادي مركب من مجموعات متباينة على أُسس عرقية ودينية واقتصادية. ومع أن تشاد واحدة من أقل الدول ديمقراطية في العالم، فقد تبيَّن أن أكثر من نصف من شملهم الاستطلاع يؤيدون الأفكار الديمقراطية، كما أكدوا رغبتهم في العيش بسلام مع المجموعات الأخرى. لكن مَن وصفوا أنفسهم بأنهم سلفيون كانوا أقل ميلاً إلى التعايش الاجتماعي. وفي إجاباتهم على الاستبيان، أكد القادة الدينيون المسلمون والمسيحيون، وقادة الرأي، استعداد أغلبية التشاديين للعيش معاً بسلام، وأن كلتا الديانتَين متمثلتان في كثير من العائلات التشادية.

يشكِّل المسلمون غالبية السكان في تشاد مع أقلية مسيحية كبيرة تشكِّل نخبة مثقفة تتركز في جنوب البلاد، ويلعب الدين دوراً مهماً في الحياة اليومية عند معظم التشاديين من كلا الدينَين الذين يتقيد معظمهم بممارسة شعائرهم الدينية بانتظام. وقد ركزت ديكو في استطلاعها على الأفكار الدينية الأصولية التي يمكن أن تؤدي إلى العنف الديني، وتمكنت من وضع ما أطلقت عليه اسم “مؤشر الأصولية الإسلامية”. وعلى عكس التدين الذي يقوم على الإيمان الديني وممارسة الشعائر؛ فإن قياس الأصولية يرتكز على الفهم الحرفي للنص الديني، وحصرية الدين، وأهميته في الحياة الاجتماعية. ويأخذ قياس الأصولية بعين الاعتبار أيضاً مؤشرات أخرى؛ مثل تطبيق الشريعة الإسلامية. ومن خلال هذه المؤشرات تمكنت الكاتبة من تحديد الأشخاص الأكثر ميلاً نحو الأصولية، والذين ربما يكونون أكثر استعداداً للتوجه نحو الإرهاب الإسلاموي لتحقيق أهدافهم.

أظهر أكثر من ثُلث المسلمين الذين شملهم الاستطلاع ميولاً إسلامية، وجاءت أكثر الآراء المتشددة من الأشخاص الذين التحقوا بمدارس ابتدائية عربية أو دينية ولم يكملوا تعليمهم. بينما كانت نسبة هؤلاء متدنية بين الذين لم يتلقوا أي تعليم على الإطلاق. وكان عدد كبير ممن صُنِّفوا أصوليين ينتمون إلى شريحة التجار وذوي الدخل المرتفع، ومن المرجح أنهم استفادوا من فترة حكم الرئيس الديكتاتوري السابق إدريس ديبي، وعبَّر معظمهم عن مواقف غير ديمقراطية وعن دعمهم بشكل عام للهياكل الاستبدادية في البلاد.
اقرأ أيضاً: صعود الجماعات الجهادية في إفريقيا: إعادة النظر في العلاقة بين الفقر والإرهاب
لقد أظهرت الدراسات في مختلف أنحاء العالم أن السخط الشعبي والإحباط من سوء الإدارة والفساد والفقر كلها عوامل تمهد الطريق للتطرف الإسلامي. ولكن في تشاد، كان المستفيدون من نظام إدريس ديبي هم الأكثر أصولية، ولذلك لم ينقلبوا على الهياكل الفاسدة التي استفادوا منها، وتمسكوا بالسلام مع نظامهم الحاكم. وبعد وفاة ديبي في ظروف غامضة تولى ابنه محمد السلطة في انتهاك لدستور البلاد، وتم تعيينه رئيساً انتقالياً في أكتوبر 2022 بعد جولة مما وصف بأنه “حوار وطني شامل”. وكما كانت الحال مع والده، يجب على محمد ديبي أن يتعامل مع الهجمات المتفرقة التي تشنها جماعة بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد، وكذلك مع الوضع الاقتصادي غير المستقر.
فهل سيسير محمد ديبي على نهج أبيه إدريس في إرضاء مؤيديه الأغنياء الذين يميلون إلى الأفكار الأصولية الإسلاموية، أم أنه سيختار البنى الديمقراطية والتوزيع العادل لموارد البلاد؛ حتى لا يعطي الجماعات الإسلامية الأصولية في الداخل سبباً للتوجه نحو العنف ضد الدولة؟
تقول ديكو إن الإجابة عن هذا السؤال لا تزال غير واضحة، ولا بد من المزيد من المعرفة بشأن هذه الجماعات واتجاهاتها وسلوكها ومدى ميلها إلى التطرف؛ من أجل المساهمة في تعزيز سلام مستدام في منطقة الساحل.
♦كاتبة في مجلة “ذا كونفرزيشن”، مقيمة في لندن.
المصدر: ذا كونفرزيشن