الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الإخوان المسلمون.. من الشرق الأوسط إلى غزو الغرب

كيوبوست- ترجمات
سعاد سابي♦
مَن هم هؤلاء الذين يسعون لاجتياح الغرب؟ جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة إسلامية عابرة للحدود ترجع إليها جذور فكر وأيديولوجيات كل من “القاعدة”، وتنظيم الدولة الإسلامية، وطيف واسع من التنظيمات الإسلاموية المتشددة، والحركات الجهادية الإرهابية الحديثة.
أسس الجماعة حسن البنا في عام 1920 في مصر، ومنذ تأسيسها كان محور عملها مرتكزاً في الشرق الأوسط؛ ولكن في الوقت الحاضر، فإن شبكتها الواسعة جداً قد أطبقت على أوروبا وأمريكا الشمالية. تبعاً لتعليمات حسن البنا، وخليفته سيد قطب (المصري أيضاً)، طبقت الجماعة بصبر عملية طويلة لاختراق النسيج الديني والاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي في دول العالم العربي. اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين في المغرب والمشرق والخليج قوة كافية تدعم تطلعاتها للاستيلاء على السلطة، واضعين نصب أعينهم تأسيس ديكتاتوريات أصولية تكون منصة لانطلاقهم في التوسع عالمياً، ونحو الغرب على وجه الخصوص.
اقرأ أيضاً: جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا
حركات العصيان التي اندلعت في عام 2011 وتسللت إلى التاريخ خطأً باعتبارها “ربيعاً عربياً” كانت نتيجة لمخطط صمم خصيصاً لوصول الجماعة إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا وسوريا، وتؤدي إلى تأثير أحجار الدومينو الذي كان من المفترض أن يعم الشرق الأوسط بأسره. في محاولتهم لتحقيق طموحاتهم بالسيطرة، لم تعمل جماعة الإخوان المسلمين وحدها؛ بل وفَّر لها التحالف الشيطاني الذي نشأ بينها وبين تركيا وقطر الدعم المالي والسياسي والشرعي والتغطية الإعلامية، فلعبت قناة “الجزيرة” دوراً أساسياً في تقديم إطاحتهم بالسلطات على أنها ثورات ديمقراطية؛ خصوصاً عند الغرب. في الواقع كانت عائلة آل ثاني في قطر، ورجب طيب أردوغان في تركيا، يحاولون السيطرة على الشرق الأوسط، واستخدموا لذلك جماعة الإخوان كرأس حربة، هذا هو جوهر الربيع العربي.
اقرأ أيضاً: هل تأخر بيان كبار فقهاء السعودية عن تصنيف الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً؟
هنالك خط جهادي أحمر يربط عدداً من دول المنطقة بالدوحة وإسطنبول (العاصمة الحقيقية لتركيا الأردوغانية العثمانية الجديدة)؛ حيث دعمتا منظمات إرهابية، مثل “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية، والمجموعات المسلحة على اختلاف أنواعها، كما دعمتا الأحزاب السياسية والحركات المنبثقة عن الإخوان المسلمين، واستخدمتاها كلها كبيادق في لعبةٍ كبرى هدفها الوصول إلى عرش سلطان العالم العربي الإسلامي الجديد؛ عرش يتشارك به آل ثاني مع أردوغان، حيث يدير الإخوان هذه الخلافة الجديدة.

فشلت الخطة؛ ولكن طموح الإخوان والدول المارقة التي تدعمهم (تركيا وقطر) ما زال قائماً في الشرق الأوسط وكذلك في الغرب الذي يرفض الاعتراف بطبيعة منظمة الإخوان الحقيقية التي هي أبعد ما تكون عن المعتدلة، كما يدَّعي داعموها في أوروبا والولايات المتحدة، وما زال الغرب يضفي الشرعية على نشاطات الجماعة حتى في المجال التعليمي. كل هذا موجود في ما يُسمى “المشروع”؛ وهو وثيقة من 14 صفحة عن خطة مبرمجة يعود تاريخها إلى عام 1982، وهي دليل على أن مخططات الإخوان المسلمين تشمل الغرب، وليس فقط العالم العربي. وجد “المشروع” بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في سويسرا أثناء تفتيش منزل المصرفي يوسف ندا، وهو من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، ويواجه اتهامات بتمويل تنظيم القاعدة.
اقرأ أيضاً: كيف حشد الإخوان المسلمون إمكاناتهم لدعم حملة الديمقراطي بايدن؟
بقيت هذه الوثيقة طي الكتمان بعد اكتشافها؛ ولكن الصحفي سيلفيان بيسون، سلَّط الضوء على محتوياتها في كتابه المنشور في عام 2005 بعنوان «السيطرة على الغرب: المشروع السري للإخوان المسلمين»، وقد ضمَّنه نتائج جهوده في التقصي الصحفي. والآن، وبعد خمس عشرة سنة من الكشف، أصبحت هذه الوثيقة تثير القلق أكثر من ذي قبل؛ لأنها تتوافق مع ما يجري اليوم في أوروبا، من دون أن يواجه الإخوان المسلمون أية عقبات.
اقرأ أيضاً: تحت مظلة الإخوان.. مركز أبحاث جديد في بريطانيا يثير الجدل
“المشروع” مؤلف من 25 نقطة تمثل قواعد وأسس العمل للمنظمات والميليشيات الموجودة في الدول الغربية والمرتبطة بالإخوان المسلمين، وتدعو إلى تأسيس شبكة من الإخوان المسلمين والمحافظة على مظهر الاعتدال واختراق المنظمات الإسلامية الأخرى؛ بغرض حرفهم نحو هدف “المشروع” وتجنب أي نزاع مباشر مع السلطات في الدول الغربية، وتدعو إلى اعتماد التقية إن دعت الضرورة، وذلك يبرر الكذب وحتى التصرف بالطريقة الغربية حتى لو كانت تنافي العقيدة الدينية من أجل القضية الأهم؛ وهي هزيمة الكفار.
ويتحدث “المشروع” أيضاً عن ضرورة جمع معلومات، وبناء قواعد بيانات، والعمل على التأثير على الوسط الإعلامي، وتأسيس مراكز أبحاث وتفكير وجماعات ضغط، ونشر دراسات جامعية تروج للجماعة، وتنشيط العمل والمبادرات الاجتماعية في المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية، واختراق المنظمات الديمقراطية والأحزاب والمنظمات غير الحكومية والنقابات ليتم تسخيرها لخدمة القضية الإسلامية. ولدى “المشروع” رؤية بعيدة المدى يعمل عليها من خلال عدة أجيال تهدف إلى ضمان أن يصبح المسلمون الموجودون في الغرب حاملين للفكر الجهادي بشكل دائم.

من العوامل الأساسية اللازمة لتحقيق أهداف “المشروع”، تشكيل تحالفات مع القوى السياسية التقدمية في الغرب، وبفضل هذه التحالفات يمكنهم اكتساب الصبغة القانونية، والاستفادة من مواد القوانين التي تخدم مصالحهم، وبالتالي فإن التفكير السائد والاعتبارات اللائقة سياسياً منذ ما يُسمى “النخب الغربية” يدعمان ضمنياً مخطط الإخوان المسلمين لغزو أوروبا. وبفضل الدعم والشرعية التي أضفتها عليهم بعض الأحزاب السياسية والأوساط الثقافية، تمكَّن الإخوان المسلمون من فرض هيمنتهم الفكرية على المجتمعات الإسلامية في الغرب، كما تمكنوا من إيصال بعض أعضاء تنظيمهم إلى الدخول في مؤسسات على المستوى المحلي والوطني.
اقرأ أيضاً: مطالبات برلمانية في ألمانيا للتحقيق في تمويلات جماعة الإخوان المسلمين

تجد القوى التقدمية في أوروبا وشمال أمريكا في قطاع الشباب تحديداً خزاناً تأخذ منه شخصياتٍ مغمورة وتحولها إلى زعامات سياسية، على الرغم من تعاطفهم الواضح مع التطرف. في الواقع، فإن في الإنترنت كثيراً من المواد التي تظهر تعاطفهم مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي وأردوغان، وكذلك مع أهم منظر للإخوان على قيد الحياة الشيخ يوسف القرضاوي، الوجه دائم الظهور على قناة “الجزيرة” والمرتبط مع قطر وتركيا، والداعم للربيع العربي، والذي يعتبر القائد الروحي للإخوان المسلمين حول العالم. إضافة إلى تعاطفهم مع طارق رمضان، الذي يصادف أنه ابن أخ حسن البنا الذي يخضع للمحاكمة في فرنسا بتهمة العنف الجنسي. (طارق رمضان في الواقع حفيد حسن البنا- المترجم).
إن تقدم الأجندات الإسلاموية بتغلغلها في قطاعاتٍ أساسية من المجتمع الغربي ما زال يحدث رغم عدم التزام المنظمات والمقاتلين المرتبطين بالإخوان المسلمين بمبادئ الحرية والتسامح والمساواة بين الرجال والنساء، والتي تتضمنها الدساتير في دول أوروبا وشمال أمريكا. كما أن انفتاحهم الحديث على الدول العلمانية هو انفتاح ظاهري فقط، ولا مجال للسؤال في ما إذا كان انفتاحهم حقيقياً؛ لأن الإخوان يهدفون إلى استغلال الثغرات المتوفرة في الأنظمة الديمقراطية والتعددية لإيجاد مساحة للمناورة لمتابعة العمل على إيجاد بؤر قوة عملاً بتوجيهات “المشروع”.

في الحقيقة، فإنه خلف ستار التقية فإن الإخوان يحافظون على مواقفهم الراديكالية واضحة المعالم والتي تعارض الاندماج الحقيقي، ولا يزال يحملها أئمة نصبوا أنفسهم في شبكة واسعة من المساجد والمصليات والمؤسسات الثقافية التي تشكل جزءاً من تنظيم الإخوان المسلمين في مختلف أنحاء الغرب؛ بما فيه إيطاليا. وهذه الأماكن لا تحظى باعتراف الدول المضيفة لها، وتتم فيها ممارسة الأنشطة الدعوية بتمويلٍ قطري بشكل رئيسي.
♦سياسية وكاتبة إيطالية من أصل مغربي.
المصدر: لوبينيوني ديلي ليبيرتا