الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

الإخوان المسلمون.. انقسام و صراع من أجل البقاء

كيوبوست- ترجمات

تأسست جماعة الإخوان المسلمين من قبل حسن البنا في مصر في 22 مارس 1928. وقد تشكلت في أعقاب إلغاء الجمهورية التركية الجديدة للخلافة الإسلامية، على يد مجموعة من المسلمين الذين كانوا يسعون لاستعادة الخلافة. وتحقيقًا لهذه الغاية، سعَت جماعة الإخوان المسلمين إلى “إعادة أسلمة” المجتمع من القاعدة إلى القمة، ونشر نفوذها بين السكان، والضغط على الدول لتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية، والسعي إلى طرد التدخل الأجنبي من كل الدول ذات الأغلبية المسلمة. تدعو أيديولوجية الإخوان المسلمين إلى اتباع استراتيجية تدريجية، بدءًا من الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، للعمل من أجل إقامة حكومة إسلامية في دولتهم، ثم دولة إسلامية عابرة للحدود، وفي نهاية المطاف السيطرة على العالم. حيث انتشرت أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين وفروعها، في جميع أنحاء العالم، وأصبحت تنشط في أكثر من 85 دولة، دول عربية، ودول إسلامية غير عربية، ودول غير إسلامية.

اقرأ أيضًا: رسائل “حسن البنا”.. بيان مؤسس أم اعتقاد في “دعوة” جديدة؟

أتاح الربيع العربي فرصةً لجماعة الإخوان المسلمين إلى إعادة البروز، بعد فترة فتورٍ دامت لسنواتٍ، حيث اكتسبت الشرعية الشعبية -وفي نهاية المطاف أضحت قوة سياسية معتبرة- كان من نتيجة ذلك رفع الحظر القانوني عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر في عام 2011، حيث فازت بعدئذ في العديد من الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية لعام 2012، التي فاز بها مرشح الإخوان، محمد مرسي. غير أنه بعد مرور عامٍ واحد، وفي أعقاب المظاهرات والاضطرابات الجماهيرية، سقط مرسي ومعه حكومة الإخوان في مصر. وسرعان ما حظرت الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى، وبحلول نهاية عام 2014، حذَا عددٌ من الدول الإقليمية حذوَ مصر في حظر الجماعة.

في أعقاب الربيع العربي، ثار جدلٌ حول كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين. فقد اعتبرت قطر وتركيا -وبعض الدول الغربية؛ مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة- أن السماح للإخوان بالمشاركة في الانتخابات والاحتفاظ بالسلطة، من شأنه أن يوجّه الإسلاميين إلى أنشطة سلمية -ورفض الإخوان من شأنه أن يدفع الإسلامويين إلى أحضان داعش والقاعدة، اللذين يعتبران أن الحكم الإسلامي لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق استعمال القوة والعنف- في حين ارتأت دول الخليج الأخرى، ومصر، أن الإخوان مصدر قلق وخطر كما تشكِّل الجماعة مجالًا مناسبًا لاستقطاب الجهاديين العنيفين.

تظاهرات 30 يونيو أسقطت حكم الإخوان – أرشيف

وبحلول عام 2014، سادت وجهة النظر الثانية في المنطقة ككل، ودفعت حملة القمع ضد جماعة الإخوان المسلمين أعضائها إلى السفر، خاصة إلى تركيا والمملكة المتحدة. كما أدّى تراجع جماعة الإخوان المسلمين -لا سيّما في بلدها الأم (مصر)، وفي منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا- إلى انقساماتٍ داخلية، كما أسهمت النزاعات المستمرة داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى إضعاف الجماعة.

وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى مرحلةٍ من الانهيار الداخلي. ومنذ اختيار إبراهيم منير قائمًا بأعمال المرشد العام للجماعة، بعد أيامٍ من اعتقال أجهزة الأمن المصرية للقائد السابق محمود عزت في أغسطس 2020، أصبحتِ الجماعة تعاني من حالة الارتباك والانقسامات الداخلية. من جهته، حلّ منير، الذي يعيش في لندن، الأمانة العامة وشكّل لجنة لإدارة الجماعة، لكن فصيلًا من الإخوان المسلمين في إسطنبول، بقيادة محمود حسين، احتج على هذه الخطوة. وسرعان ما تفاقمت الأزمة، وأعلن فصيل إسطنبول حسين قائمًا بأعمال المرشد، ثم بدأ فصيل حسين بمحاولة الاستيلاء على الموارد المالية والمهام الإدارية والتنظيمية داخل جماعة الإخوان.

اقرأ أيضًا: صراع العجائز يعمق أزمة التنظيم ويزيد الانشقاقا

وقد ذهب فصيل حسين إلى أبعد من ذلك، حيث دعا شباب الجماعة في مصر وتركيا إلى تجديد بيعتهم لمحمد بديع، الذي لا يزال رسميًا المرشد الأعلى للإخوان، على الرغم من اعتقاله في عام 2013 لتورطه في نشاط إرهابي (أصبح عزت الزعيم الفعلي بعد اعتقال بديع).

في هذا الصدد، يرى أحمد بان، أحد الباحثين في شؤون الجماعات الإسلامية، أن الحل لرأب الصدع في صفوف جماعة الإخوان المسلمين هو صدور قرار من قادة الجماعة المسجونين في مصر: مثل هذا القرار فقط هو الذي يمكن أن يمنح منير أو حسين الشرعية التي يحتاجانها ويعزِز موقفهما. لكن هذا إن دل على شيء فإنه يدل على حالة الانقسام الخطيرة التي يواجهها الإخوان.

إن صدور قرار من قادة الجماعة القابعين في السجون المصرية أمر مستبعد حدوثه. أولًا، تدرك السلطات المصرية تمامًا الدور الذي يمكن أن يلعبه أعضاء الإخوان في سجونها في تقوية الإخوان خارج الأسوار، وترى في ذلك تهديدًا للأمن القومي المصري، لذلك من غير المرجح أن تسمح لهؤلاء المعتقلين بالتواصل مع العالم الخارجي. ثانيًا، أن وجود العديد من القادة الأكثر نفوذًا في جماعة الإخوان المسلمين في السجن يدل على الأزمة التي تعصف بالجماعة. فغياب وجود القيادة معناه وجود ضبابية في الرؤية والتوجه واحتدام الانقسامات.

الانشقاقات فجرت مكتب الإرشاد من الداخل

ثانيًا، الخلاف بين منير وحسين ألحق أضرارًا بالغة بصورة الإخوان وسمعتها. ففي حين اتخذ بعض الأعضاء موقفًا داعمًا لهذا الفصيل أو ذاك، فإن عددًا كبيرًا من الأعضاء قد علّقوا عضويتهم أو أنهوها. وعلى الرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى جماعة الإخوان، فإن الشيء الوحيد الذي كان من المفترض أن تكون الجماعة قادرة عليه هو الإبقاء على الهيكل التنظيمي الهرمي المُحكم، الذي يعاني حالةً من الفوضى والانقسام. وقد أسهم العديد من أولئك الذين غادروا الجماعة في ذلك، بعد أن صُدموا من الاتهامات التي طفَت على السطح ضد كلٍّ من منير وحسين، خاصة فيما يتعلق باستخدامهم غير الأخلاقي الصارخ لأموال الجماعة لأغراضٍ شخصية.

إن حالة الانقسام داخل جماعة الإخوان المسلمين تُشكِّل تحديًا وجوديًا لها. وقد فشلت حتى الآن جميع الجهود الرامية إلى المصالحة، بما في ذلك جهودُ حركة حماس، فرع الجماعة في فلسطين، وجماعة الإخوان في العراق أيضًا. يظل الإخوان في مصر، عمومًا، أقرب إلى فصيل إسطنبول الذي يتزعّمه حسين، وقد أعلنوا في بيانٍ بعنوان “ليسوا منا.. ونحن لسنا منهم”، أن ما يُسمى بلجنة منير المسؤولة عن القيام بأعمال المرشد باطلة، وأن كل من شارك في تشكيلها “اختار لنفسه ترك الجماعة من خلال انتهاك أنظمتها وأدبياتها، ورفض كل محاولات التوحيد”. ولكن حتى العدد القليل من الإخوان القادرين على ممارسة العمل السري في مصر يعانون من التشظي: فقد انفصل بعض أعضاء الإخوان وشكلوا تنظيمات منشقة عنيفة ترفض سلطة بديع ومنير وحسين.

اقرأ أيضًا: “مغارة علي بابا”.. المال والنفوذ يغذيان صراع الإخوان

علاوة على ذلك، فإن حالة التشرذم الداخلي غير المسبوقة التي تعصف بجماعة الإخوان المسلمين قد تفاقمت بسبب الإدراك المتزايد للتهديدات التي تشكّلها الجماعة في الدول الغربية. ففي الماضي، كانت الدول الغربية تميل إلى الاعتقاد بأن أقلية فقط من الإخوان المسلمين تستخدم العنف، عادة، ردًا على القمع الذي تمارسه الأنظمة العربية، وأن الجماعة لديها عدة ملايين من الأتباع في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ما يعني أنه كان على هذه الدول الغربية قبولها بطريقة أو بأخرى. لكن الآن هناك اتجاهًا متناميًا في الدول الغربية، ينظر إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة لا تحظى بشعبيةٍ، وتمثل جزءًا من مشكلة التطرف الإسلاموي، وليست حلًا لها. لذا، شرعت بعض الدول الأوروبية، على رأسها فرنسا والنمسا وحتى ألمانيا، في اتخاذ إجراءاتٍ للحدِّ من توسع الإخوان داخل حدودها، وتقليص مصادر التمويل الخارجية التي أعطت للإخوان نفوذًا كبيرًا.

وختامًا، يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين، المتفككة داخليًا، والمحاصرة من جميع الجهات بدولٍ قوية تعتبرها تهديدًا، تواجه خطرًا قاصمًا لم يسبق أن واجهته في تاريخها الممتد على مدى تسعين عامًا.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة