الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

الأوضاع الاجتماعية في إيران… صراع الأجيال يقسّم المجتمع

إن تعميق الفجوة الاجتماعية واستقطاب المجتمع هو نتيجة للوعي الذاتي لدى طبقة الشباب التي لم تعد مقتنعة بالخطاب الديني الرسمي

كيوبوست- إبراهيم النوفل

يحظى موضوع رأس المال الاجتماعي بأهمية كبيرة في كل المجتمعات والمكونات الحياتية، لما له من أبعاد وانعكاسات على جوانب الحياة الأخرى السياسية والاقتصادية والأمنية كافة، ويؤثر بشكلٍ مباشر على تماسك وقوة البلاد، وتوازن ووزن علاقاتها الخارجية مع المجتمع الدولي.

وقد أظهرت الدراسات الاجتماعية التي أجريت في إيران مؤخراً انخفاضاً كبيراً في رأس المال المجتمعي، حذر منه عدد من الخبراء والنشطاء والمختصين، لما له من تأثير سلبي على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد[1]، وفي الآونة الأخيرة، أجرت وزارة الداخلية الإيرانية دراسة استقصائية حول رأس المال الاجتماعي، كشفت وجود اتجاه تنازلي لرأس المال الاجتماعي في البلاد[2].

اقرأ أيضًا: إيران: احتجاجات أم ثورة؟

تدهور مستمر

تعاني إيران منذ عقود استمرار تأزم الأوضاع الاجتماعية على كل الأصعدة، وتشير التقارير الإيرانية أن الأوضاع تتجه نحو التدهور، وقد حذر من ذلك الكثير من القيادات الإيرانية، ومنهم محسن هاشمي رفسنجاني الذي أكد في تصريحٍ له الأسبوع الماضي أن الأوضاع الاجتماعية في إيران في مرحلة الانهيار، وأضاف: وفقاً لأساتذة الجامعات، فإن الظروف الاجتماعية الحالية للبلاد في مرحلة القطبين: والانهيار والموت الكلي[3].

وفي تقريرٍ لها، أكدت صحيفة “الجمهورية الإسلامية” قبل أيام أن المجتمع الإيراني قد تجاوز الوضع الحرج، وصل مؤشر البؤس (التضخم والبطالة) إلى حد الانفجار، وخط الفقر الرسمي قد وصل إلى 70% من المجتمع[4]، وحذَّر مدير مجموعة القضايا والأزمات الاجتماعية بجمعية علم الاجتماع الإيرانية “أحمد بخارايي” من المسار المتزايد للانهيار الاجتماعي في البلاد، وقال: “المسار التصاعدي وغير المتوقع لجميع أنواع الأضرار الاجتماعية يدخلنا في منحدر الانهيار الاجتماعي، ما يعني أن الانهيار قد حدث وأنه يتزايد باستمرار[5].

فتاة إيرانية في مظاهرة في باريس دعماً لاحتجاجات إيران- فورين بوليسي

مؤشرات اجتماعية

يمكن شرح الوضع الاجتماعي الراهن في إيران من خلال تقديم بعض المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، والتي كانت نتيجة آخر التقارير والدراسات التي قدمتها مصادر إيرانية رسمية، على النحو التالي:

أولاً: الفقر: وفقاً لآخر التقارير، فإن خط الفقر في إيران أصبح 18 مليون تومان[6]، ما يعني أن ثلثي الشعب الإيراني تحت خط الفقر، أي نحو 60 مليون من بين 84 مليون إيراني[7]، ونحو 30% من الشعب يقبعون في فقر مطلق[8].

ثانياً: التضخم: وصل معدل التضخم في عهد إبراهيم رئيسي الرئيس الحالي إلى 50%[9]، وفي بعض المناطق إلى 60%[10]، وبعض السلع ارتفعت بنسبة تزيد على 100%[11].

ثالثاً: الأمية: تُعتبر إيران من أكثر دول العالم انتشاراً للأمية، حيث يوجد فيها نحو 20 مليون نسمة بين أمي مطلق وقليل التعلم، وكشف مؤخراً علي رضا عبدي عن وجود 2 مليون إيراني لم يدرسوا أكثر من الصف الثالث ابتدائي، و2 مليون آخرين لم يذهبوا إلى المدرسة مطلقاً[12].

رابعاً: الحريات: تعاني إيران من انحدار مستمر في مؤشرات الحريات العالمية، وكان ذلك سبباً رئيسياً في فرض عقوبات دولية عليها، وقد شهدت في الآونة الأخيرة قمعاً شديداً من قبل القوات الأمنية للحريات الاجتماعية والمدنية، على خلفية اندلاع الاحتجاجات الشعبية مؤخراً، ووفقاً لاستطلاعات الرأي فإن 92% من الشعب الإيراني يطالبون بالديمقراطية والحرية.

خامساً: الجريمة: تحتل إيران مرتبة عالية من حيث ارتفاع معدلات الجريمة في إيران، وخاصة القتل والسرقة وتعاطي المخدرات وانتشار العصابات.

اقرأ أيضاً: إيران تصّعد حملة القمع في الداخل وتكثّف الدعاية في الخارج

مؤشرات قمع الحريات

1- محاصرة العمل السياسي والصحفي والإعلامي:

تشهد إيران منذ تولي النظام الحالي الحكم عام 1979 حملات قمع بحق النشطاء والسياسيين والصحفيين والإعلاميين ونشطاء التواصل الاجتماعي الذين يخرجون عن الأطر والقيود التي تحددها السلطات، وتعج السجون الإيرانية بمئات المعتقلين من هؤلاء، وقد شهدت إيران أيضاً إيقاف العديد من الصحيف اليومية التي خالفت بقصد أو من دون قصد قوانين السلطات.

مثَّل مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق شرارة الانتفاضة العنيفة ضد النظام الإيراني (وكالات)

2- تقييد الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي:

تحظر السلطات الإيرانية أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي، “توتير” و”فيسبوك”، منذ احتجاجات ما عُرف بالثورة الخضراء عام 2009، وتفرض قيوداً صارمة على مستخدمي الإنترنت، وعادة ما تقوم بإضعافه أو قطعه نهائياً في حالات الاحتجاجات والمظاهرات، وتخشى السلطات الإيرانية أن تلعب الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً في تحريض الاحتجاجات ضد النظام، كما تبدي السلطات تخوفها من اختراق الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية ثقافات وفكر الشباب الإيراني، وتحريضه ضد سياسات النظام[13].

3- إذلال المرأة[14]

وفقاً لطبيعة القوانين والسلوكيات الداخلية، فإن المرأة في إيران تعاني من تهميشٍ واضح في كل الأصعدة، خاصة في ما يتعلق بالمشاركة السياسية والتوظيف والأنشطة المدنية والاجتماعية، وتعتبر الاحتجاجات الأخيرة انتفاضة شاملة وموحدة تمكنت من جمع الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى الدنيا، والطبقات الدنيا، مع الجماعات العرقية الإيرانية والأتراك والفرس والبلوش حول الرسالة المركزية المتمثلة في “المرأة، الحياة، الحرية [15]“.

4- الحجاب الإجباري:

يجب اعتبار الحجاب الإلزامي من أهم أسباب إشعال النار في الاحتجاجات، يليه تواجد دوريات الشرطة “كشت إرشاد” في الشوارع، حيث يعتبر الشعب الإيراني ذلك بأنه نوع من الإذلال والإهانة.

5- إضعاف المؤسسات المدنية:

تعاني إيران من حالة اضمحلال للمؤسسات المدنية لصالح المؤسسات الحكومية والعسكرية والأمنية والدينية، وتخضع مثل هذه المؤسسات لرقابات مشددة من قبل السلطات، وعادة ما تكون مخترقة من قبل أجهزة النظام الأمنية.

اقرأ أيضاً: الثورة في إيران لن تنجح لكن التغيير قادم

6- الإعدام:

تأتي إيران بعد الصين من حيث ارتفاع حالات الإعدام، وخاصة في صفوف السياسيين والنشطاء والمعارضين، ويعتبر ذلك من بين الأسباب الرئيسية لتردي العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي.

العقبة الرئيسية

وتشهد إيران “فجوة كبيرة بين الأجيال”، ويرى المختصون أن هذه الفجوة هي “فجوة تاريخية بين الأجيال” وليست “فجوة عمرية”، بمعنى آخر، هناك فجوة ثقافية وجيلية عميقة بين مجموعات الشباب ومتوسطي العمر وكبار السن الذين تعلقوا بقيم الخمسينيات، وبين فئات الشباب ومتوسطي العمر وكبار السن الذين حددوا أنفسهم في هوية جديدة، والتي تزداد كثافة يوماً بعد يوم، ما يعني أن غالبية الشعب الإيراني لا يريد أن يدخل إلى العالم الجديد بناء على الهويات السابقة التي شكلها النظام الإيراني.

الآن ووفقاً لاستطلاعات الرأي الإيرانية، فإن نحو 92% من الشعب الإيراني يطالبون بديمقراطية، ونحو 70% من الشعب الإيراني يقولون إن الوضع في إيران سيزداد سوءاً، وهذا هو السبب الرئيسي وراء الاحتجاجات المندلعة، وليس كما يسرد النظام ومسؤولوه بأنها مؤامرة خارجية، تهدف من النيل من إيران وحكومتها[16].

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي

وفقاً لبعض الإحصائيات الموثقة، فإن أكثر من 80% من المجتمع الإيراني ولد ونشأ في السنوات التي تلت الثورة، وهذا يعني أن نحو 80% من الشعب الإيراني لديهم خلافات كبيرة في التطلعات ووجهات النظر وأساليب إدارة الدولة[17].

لذا فإن العديد من المحللين يعتقدون أن خارطة الطريق المرسومة لهذا المجتمع من قبل مسؤولي النظام لا تتناسب مطلقاً مع اهتمامات ورغبات واحتياجات هذه الأجيال[18].

والسبب في ذلك يعود إلى افتقار صانعي السياسات وصانعي القرار الذين لديهم وصفات معقدة لهذا الجيل، إلى فهمٍ واضح لمتطلباته المتغيرة.

وحادثة مهسا أميني كشفت وجود كبت لمطالب أجيال ترتقب حدوث أي فرصة للمطالبة بها، وهو ما يمكن تسميته بحالة ترقب اجتماعي لإعلان حالة غضب ضد سياسات المؤسسات الحاكمة، حتى تحولت قصة مهسا إلى “نموذج أصلي” أو نموذج مثالي يخشى الجميع في إيران من تكراره مع أحد أقاربه، وهذا السبب وراء التعاطف الكبير مع مهسا.

إن الأحداث التي أعقبت وفاة مهسا أميني لا تتعلق بالحجاب فحسب، بل تتعلق أيضاً بنمط الحياة وهوية الشباب، يريد الشباب حياة سلمية واقتصاداً منظماً وتواصلاً ديناميكياً ومجتمعاً سلمياً وحرية وأماناً.

تراجع النظام الإيراني مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات.

في هذه الحالة، يعتقد خبراء أنه إذا وصل المجتمع الإيراني إلى القطبية الثنائية، فهذا يكون نتيجة لهذه العيوب الاجتماعية وانعدام الثقة، فمن شعارات المجتمع الإيراني اليوم أنه تجاوز الأصولية والإصلاح، وهذا الشعار يوضح مدى اتساع الفجوة بين الشعب والحكومة.

إن تعميق الفجوة الاجتماعية واستقطاب المجتمع هو نتيجة للوعي الذاتي لدى الطبقات الاجتماعية، ويلاحظ عندما تكون الطبقة المثقفة والواعية بين الشريحتين الغني والمحروم، أزيلت وسقطت تحت خط الفقر، ودُفعت إلى أطراف المدن والمناطق الأشد فقراً، يظهر هذا المجتمع نشاطه بطرق مختلفة، بحيث نواجه اليوم نوعاً من النهضة الفكرية في المجتمع الإيراني، لذلك وصل هذا المجتمع اليوم إلى مكان لا يقبل فيه كلام ووعود أي مسؤول.

 وهذا بدوره أدى إلى انهيار الهيكل الاجتماعي في إيران، وتبع ذلك الانهيار السياسي، وشعر الناس بخيبة أمل من الحكومة، وبحثوا عن ملاجئ أجنبية، وتسببت هذه القضية في كارثة في عامة جوانب الحياة في إيران تنذر بطبيعة الحال باستحالة قدرة المنظومة السياسية الحاكمة حالياً على البقاء فترة طويلة في ظل الاستقطاب المجتمعي والانهيار الاجتماعي، واتساع الفجوة بين الشعب والنظام، مع تزايد حجم قوة الشعب وتراجع القاعدة الشرعية والشعبية للنظام والحكومة.

المراجع:

[1] https://cutt.us/3GlMS

[2] https://cutt.us/vEYCC

[3] https://cutt.us/MXKl8

[4] https://cutt.us/PodnR

[5] https://cutt.us/Yr4UV

[6] https://cutt.us/EnjAY

[7] https://cutt.us/EgKnE

[8]https://cutt.us/vTvq4

[9] https://cutt.us/khGob

[10] https://cutt.us/U4VcP

[11] https://cutt.us/BAV59

[12] https://cutt.us/iKUmh

[13] https://cutt.us/Q5Jij

[14] https://cutt.us/FCdUA

[15] https://cutt.us/gxJUo

[16] https://www.setaresobh.ir/fa/Main/Detail/94242

[17] https://cutt.us/n00kN

[18] https://cutt.us/z6afH

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

إبراهيم المقدادي

باحث في الشأن الإيراني

مقالات ذات صلة