الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
الأهداف الثلاثة المُحبّبة للإرهاب في مدينة “الفحيص” وغيرها
3 أهداف لعملية الفحيص في الأردن

كيو بوست – عنان العجاوي
على الرغم من أن الإرهاب لا يملك خطة أو إمكانيات بناء دولة، إلّا أنه أثبت في بعض الحالات بأن لديه المقدرة على هدمها. وأسهل وسيلة لضرب الدولة بالنسبة للإرهابيين، هي ضرب النقاط الرمزية فيها، سواء بالهجمات الإرهابية المسلّحة، أو عبر حربهم الناعمة التي عادة ما يكون سلاحها الأول الإعلام، وبث الشائعات.
وبسبب نقص الكادر البشري لدى الإرهابيين بسبب التشديدات الأمنية في الدول المختلفة، يستخدم الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم أسلوب التكثيف؛ عمليات أقل وتأثير أكثر، وذلك عبر الضرب في نقاط العمق، بعكس ما كان عليه الإرهاب في مصر مثلًا فترة التسعينيات، عندما كان الاستهداف عشوائيًا ضد المدنيين والعسكريين والأقباط، حيث كانت أعداد العناصر الإرهابية أكبر مما هي عليه اليوم، واستفادوا من خبرات العائدين من أفغانستان في عمليات التجنيد، عبر استخدام الخطاب الديني المتطرف.
اقرأ أيضًا: إلى أين يتجه المشروع “الجهادي” في الأردن بعد تراجعه في المنطقة؟
وأدى اضطرار الإرهاب في الفترة الأخيرة، لتكثيف عملياته النوعية، وعدم اعتماده على كثرتها، إلى تنفيذ عمليات محدودة ولكنها مؤثرة، كأن يقوموا بتنفيذ هجمة يكون لها توابع وتأثيرات إلى أقصى مدى ممكن.
وهو ما ظهر في العملية التي تم إفشالهما مؤخرًا في مدينة الفحيص الأردنية، عندما قام الإرهابيون بتفجير عبوة بدائية الصنع بحافلة للأمن الأردني كانت في طريقها إلى مدينة الفحيص، حيث يقام مهرجان الفحيص الفني.
إذًا، فالعناصر الثلاثة المستهدفة من جراء تلك العملية -لو تم لها النجاح- كانت (الأمن، مهرجان الفحيص، مدينة الفحيص).
الأمن الداخلي
يمثل ضرب عناصر الأمن بالنسبة للعدو النصر الأكبر، معنويًا وإستراتيجيًا، لأن ضرب الأمن وإظهاره بمظهر الضعف، هو الوسيلة الأولى لإفقاد المواطن شعوره بالأمن والحماية. ولذلك، غالبًا ما يلجأ الإرهابيون إلى تصوير عملياتهم المسلحة ضد عناصر الأمن، لينشروا صورة ذهنية لدى الشعب بأن الدولة غير قادرة على حمايتهم من الإرهاب، أو أنهم يركنون إلى نظام ضعيف، وهي رسالة يريد الإرهاب إيصالها، مضمونها قطع الثقة بين الشعب والدولة، مما يُسقط العقد الاجتماعي بين الطرفين.
وهكذا ينظر الشعب إلى الدولة على أنها مقصرّة بواجبات الحماية المناطة بها، وبالتالي يتوقف عن الوفاء بالتزاماته تجاه الدولة، نتيجة شعوره بقلة هيبة الأمن والدولة، وهو ما يسعى إليه الإرهابيون عندما يستهدفون قوة الدولة والقانون.
اقرأ أيضًا: المنطق الإرهابي: كيف يختار الإرهابيون أهدافهم؟
الثقافة والفنون
العنصر الثاني المستهدف من العملية، هو مهرجان الفحيص، بما يمثله من قيمة ثقافية وفنيّة وسياحية، وبالتالي اقتصادية. والسبب وراء ذلك هو أن أي قيمة ثقافية أخرى غير قيم الإرهاب وعقيدته، مرفوضة لدى تلك الجماعات، بسبب عدم اعترافها بالتعددية أولًا، وبسبب اعتبارها الفن -يفتون علانية بحرمته- عامل نقيض لقيمها ثانيًا، إذ أن الفن رسالة للحياة، بينما تقوم أفكار المتشددون على مناهج الموت والحياة ما بعد الموت، ودائمًا ما يستخدمون أفكارًا تتعلق بالحوريات والجنة والنعيم ومراتب المجاهدين في الجنة، كوسيلة لتجنيد العناصر الشابة والمتحمسة.
أما ضرب السياحة، وبالتالي الاقتصاد، فهو وسيلة الإرهاب الدائمة للإضرار بجيب المواطن والدولة معًا، وإعطاء العملية أبعاد إعلامية خارجية، توضع بعدها الدولة على مؤشرات الدول غير الآمنة، فيكون للعملية بعد داخلي متمثل بالإضرار بالاقتصاد والسياحة، ثم تشتغل الماكينة الإعلامية لنقل الحدث الضخم -كتفجير مهرجان- إلى العالم، وتصوير الأردن على أنها دولة يعمها القتل.
التعددية والتسامح في المدينة
أما الهدف المحلي الأهم بالنسبة للمنفذّين والمخططين، مدينة الفحيص. والمستهدف فيها بالذات هو تعدديتها الثقافية والدينية، إذ تزخر المدينة بغالبية من المواطنين المسيحيين، الذين يُعتبرون هدفًا “حلالًا” بالنسبة للجماعات التكفيرية، لافتعال حالة من الشحن الطائفي في المجتمع المتماسك، وما يترتب عليه من ردة فعل تتمثل بزيادة التشدد والتشدد المضاد لدى جميع طوائف المجتمع، مما سيمثل بيئة خصبة للإرهابيين لنشر أفكارهم وتشغيل ماكينة التجنيد والاستقطاب.
وفي هذه الحالة، لا يمكن فصل تصورات الإرهابيين أثناء إعدادهم لعملية الفحيص، عن عملية إرهابية تم إفشالها بعد حادثة الفحيص بيومين، إذ أعلن الأمن المصري عن وفاة إرهابي بعد انفجار ذاتي للعبوة التي كان يحملها، قبل وصوله إلى الكنيسة، ولكن لا أحد يستطيع أن يعلم ماذا كان يدور في ذهنه وهو في طريقه لقتل أناس يتعبدون!