الواجهة الرئيسيةمجتمع
“الأنتيك”.. أصالة وتجارة

كيوبوست
لطالما ارتبطت الأصالة بالحفاظ على الهوية والموروث الشعبي، ومن أشكال المحافظة على تلك الموروثات تجميع المقتنيات الشخصية والأدوات التي تعبر عن مراحل زمنية مختلفة أو مفاصل ذات أهمية أو ما يُعرف بـ”الأنتيك”. وبات الأنتيك لا يعبر فقط عن الاعتزاز بالبُعد الحضاري بل تحول أيضًا إلى احتراف المجال على سبيل الهواية تارة والتجارة تارة أخرى.
ولا يقصد بـ”الأنتيك” القطع الأثرية التي يجدها الباحثون والمنقبون عن الآثار في المقابر أو في المدن الأثرية، وإنما هو مجموع القطع التي استخدمها شعب ما منذ عقود عديدة؛ كاستخدام شخصي للأفراد في بيوتهم أو مكاتبهم، سواء أكانت تلك الاستخدامات الشخصية لشخصيات مهمة أم لعموم الشعب في بلد ما.
وفي لقاء لـ”كيوبوست” مع أحمد عوّاد، صاحب أحد محلات الأنتيك في السوق الشعبية بمدينة عيسى بالبحرين، أشار إلى أن هناك هواةً وتجار أنتيك متخصصين في مجال معين؛ كالتخصص فقط في جمع أجهزة الراديو بكل أحجامه وأشكاله المختلفة، وتجارًا شاملين يجمعون كل المقتنيات القديمة من كؤوس زجاجية وقوارير وعلب الكبريت والآلة الكاتبة وكثير من الأدوات الأخرى. عواد لم يكتفِ بمزاده المفتوح؛ بل أسَّس متحفه الخاص في بيته لجمع النوادر والمقتنيات صغيرة الحجم، وقد عمل في تجارة الأنتيك من نحو 28 سنة.
اقرأ أيضًا: تخريب التماثيل التاريخية بين الشرق والغرب: هل تحرّم الديانات الآثار حقًا؟
محددات التسعير للقطع
في معرض حديثه لـ”كيوبوست”، أشار عواد إلى أن قطع الأنتيك العالمية تُقدر أسعارها حسب سعر السوق من خلال المواقع والتطبيقات الإلكترونية العالمية، وأن التسويق الإلكتروني خفَّض من أسعار كثير من قطع الأنتيك المرتفعة؛ كونها أصبحت أكثر تداولاً.

ومن جانبه، عبَّر صالح الحسن، صاحب “متحف صالح الحسن”، وهو من المتاحف الشخصية التي أصبحت وجهة للسياحة الداخلية والخارجية، لـ”كيوبوست” عن أن القطع لا يحدد سعرها وَفقًا لمعيار عمرها الزمني فقط؛ بل بعامل الندرة، فأحيانًا يكون هناك نوع من المقتنيات يعود إلى تسعين سنة مَضَت مثلًا؛ ولكنَّ هناك عديدًا من القطع، منها ما يجعلها متوفرة، وهذا أمر يسهم في خفض سعرها في السوق، بينما هناك مقتنيات تتوفر منها قطعة أو اثنتان فقط، وقد يكون عمرها أحدث فتعتبر من القطع النادرة.


ومن العوامل الأخرى التي أشار إليها عواد حول تسعير قطع الأنتيك، جودة القطعة وصلاحيتها؛ فهناك من يحرص على شراء أجهزة راديو قديمة، لكنه يشترط أن يكون الراديو يعمل، بينما يبحث آخرون عن هذه الأجهزة للعرض فقط. ومن المؤكد أن السعر يختلف بين الحالتَين. ويُقاس على هذا أيضًا الكاميرات والتليفزيونات. وهناك مقتنيات أخرى كالمرآة والقارورات الزجاجية، يتوقف سعرها على مدى وجود خدوش أو كسور فيها من عدمه. وقد أضاف الحسن أن لعبة الأسعار تلك تجعل من مجال الأنتيك مجالًا مربحًا جدًّا.

قطعة أصلية من كسوة الكعبة مكتوب عليها “يا رحمن يا رحيم”
ما بين التجارة والهواية
لم يبدِ صالح الحسن عند حديثه لـ”كيوبوست” حماسة لبيع مقتنياته من الأنتيك، رغم غنى متحفه بآلاف القطع في مجالات مختلفة ومتنوعة جدًّا؛ فهو يعتبر نفسه هاويًا وليس تاجرًا، مشيرًا إلى أنه يحرص على الشراء أكثر من البيع، وأنه أصبح مقلًّا في الشراء مقارنةً بسابق عهده؛ فمتحفه قد امتلأ ولم يعد هناك متسع للمزيد، ولكنه ما زال لا يتوانى عن شراء الجديد في حال وجد قطعة تثري متحفه وتفيد زائريه. وكان جميلًا أن نجد عددًا من المعروضات في متحف الحسن، قد تم إهداؤها إليه، كونه أصبح وجهة للسياح وضيوف مملكة البحرين.

كذلك الحال مع عواد ورغم أنه امتهن تجارة الأنتيك؛ فإنه لم يترك أي مجال للمفاضلة ولو لدقيقة بين دور التاجر والهاوي، فالهاوي ينتصر دائمًا باحتفاظه بما يرغب فيه من قطع لنفسه مهما عُرض عليه من المال نظير قطعه المفضلة المختارة، وذلك ما حدثنا عنه بقوله: “لا يهمني قدر ما ستجلبه لي قطعة أنتيك تعجبني من ربح، فقط أقرر الاحتفاظ بما أريد وعدم بيعه بغض النظر عن سعره، أما القطع التي لا أرغب فيها أو تتكرر لديَّ، فقد أبيعها بأقل من سعرها في بعض الأحيان؛ لعدم حاجتي إليها”.
واسترسل عواد حول أهم القطع التي يحتفظ بها في متحفه الخاص ولن يبيعها بالقول: “لديَّ أندر قطعة سجائر في العالم؛ وهي من القطع التي أحبها وأعتز بها، عليها شعار دولة البحرين وكُتب عليها (صُنعت خصيصًا للشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين.. تمت صناعة (كروز) واحد فقط منها (10 علب)، كان ذلك عام 1953- 1954م عندما سافر الشيخ سلمان إلى أمريكا، وأنا الوحيد الذي يمتلك هذه العلبة ولا يوجد منها في البحرين ولا خارجها. ولديَّ رسالة من نيهرو إلى جمال عبد الناصر من القطع النادرة جدًّا، وهناك بعض الوثائق”.

اقرأ أيضًا: توت عنخ آمون.. أكثر معرض جذبًا للزوار في تاريخ فرنسا
المشاركات الخارجية
لم تقتصر تجارة عواد وهوايته إلى جانب هواية الحسن، على المستوى المحلي وحسب، دأبهما دأب الآخرين ممن تورطوا في حب “الأنتيك” والدخول إلى عوالم البيع والشراء فيه؛ لذلك كان لافتًا حجم المزادات والمعارض الخليجية والعربية والدولية التي شاركا فيها، رغم اتفاق كليهما على أن المشاركات ذات البُعد الدولي اقتصرت في أغلب الأحيان على الطوابع، بينما يجري الاهتمام على نحو أوسع بالأنتيك على المستوى الخليجي.
اهتمام المجتمع بالأنتيك
رغم أننا أمام نموذجَين فريدَين في البحرين في مجال هواية وتجارة الأنتيك؛ فإنه من الإنصاف الحديث عن عموم المجتمع وما يتمتع به من اهتمام بالمجال، وهو أمر سلَّط عليه عواد الضوء بقوله: “إن أغلب بيوت الخليجيين تجد فيها متحف أنتيك؛ حتى لو كان زاوية صغيرة من البيت، ولو كان في أبسط تجلياته عجوز اختارت زاوية من البيت لتضع فيها (الرحى) و(هاون) الهريس، أو بعض المباخر و(المرشات)؛ لكن هناك متاحف على مستوى عالٍ ومميز في كثير من الدول الخليجية”.
لكنَّ أشكال الاهتمام بالأنتيك لم تقف عند زوايا مخصصة أو متاحف في المنازل وحسب، بل امتدت إلى المحلات التجارية؛ كالمطاعم والمقاهي التي بدأت تأخذ على عاتقها مسؤولية العودة بتصميماتها وديكوراتها إلى الأفكار واللمسات التقليدية أو التراثية، وكان لابد من تطعيمها ببعض مقتنيات الأنتيك؛ ليكتمل الديكور ويبدو واقعيًّا وحقيقيًّا أكثر، وهو ما أشار إليه عواد بأن أصحاب تلك المقاهي والمطاعم “بدؤوا يضيفون قطع الأنتيك داخل محلاتهم؛ كالصور وزجاجات المياه الغازية والمرايا القديمة بالطاووس، ولكنهم عادةً يبحثون عن المقتنيات بالأسعار الرمزية؛ لأنها قد تكون عرضة للكسر، فأصحاب هذه المحلات يبحثون عن القيمة الجمالية للقطعة أكثر من قيمتها المعنوية التي يحرص عليها هاوي الأنتيك، ولذلك هم لا يقتنون القطع باهظة الثمن”.