الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
الأكسجين الطبي ليس ترفاً.. كيف يمكننا توفيره في متناول الجميع؟

كيوبوست- ترجمات
ديفيد فيرين جيمينيز♦
ربما اعتبر الناس ذات يوم أن الأكسجين حق من حقوق الإنسان؛ لكن الوباء قد كشف أن الحصول على الأكسجين -في شكل نقي بغرض الاستخدام الطبي- يعد ترفاً في أغلب البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل.
ولا شك أن الحصول على الأكسجين النقي للعلاج الطبي هو عمل معقد ومكلِّف، وفي كثير من الأحيان خطير للغاية؛ ولعل الحالة الراهنة في الهند تذكِرة قاسية بهذه المسألة، فقد ضربت الموجة الثانية من “كوفيد-19” البلد بقوة، وتجاوز العدد الإجمالي للوفيات 200.000 حالة، وهناك نقص في الأكسجين.
شاهد: فيديوغراف: الهند و”كورونا”
وبسبب حالة الطوارئ الحالية، لجأ المواطنون الهنود إلى السوق السوداء لشراء الأكسجين، أغلى بكثير من سعره المعتاد. وقد حدث هذا جزئياً بسبب الطريقة التي يتم بها إنتاج الأكسجين وتخزينه ونقله في جميع أنحاء العالم؛ ولهذا السبب يعمل علماء مثلي على إيجاد بديل أرخص.
عنق الزجاجة
يتم الحصول على الأكسجين في الغالب من الهواء المسيل؛ حيث يحول المهندسون الهواء الذي نتنفسه إلى سائل باستخدام مجموعة من العمليات التي تعمل على تبريد الغازات حتى تتكثف، وبمجرد أن يتمكنوا من تسييل المزيج، يستخدمون تقنية التقطير لفصل الهواء إلى مكوناته المختلفة؛ ومن بينها الأكسجين.

وتتطلب هذه العملية كمياتٍ هائلة من الطاقة ومنشآت صناعية ضخمة؛ لذا تقتصر على عدد قليل من المناطق في العالم، ومعظمها في شمال الكرة الأرضية. ولا بد من تخزين الأكسجين السائل ونقله تحت ضغط كبير؛ مما يخلق مشكلات لوجستية خطيرة ومخاوف تتعلق بالسلامة، فالأكسجين مادة قابلة للانفجار على نحو خطير.
وهذا يعني أن عنق الزجاجة الأساسي لإنتاج الأكسجين هو على وجه التحديد “الأنابيب”، وتعتمد الولايات المتحدة على الأنابيب الثقيلة لنقل الأكسجين المضغوط. وفي أوروبا، يتم النقل بشكل رئيس من خلال الأكسجين السائل الذي يتم حمله في خزانات كبيرة. أما بالنسبة إلى البلدان منخفضة الدخل، فيتم توزيعه على هيئة أنابيب صغيرة.
اقرأ أيضاً: التحورات والسياسة واللقاحات.. العوامل وراء أزمة كوفيد في الهند
لكنّ سوق أنابيب الأكسجين محتكرة من قِبل عددٍ قليل فقط من الشركات الكيميائية، كما أن استخدام الأنابيب الصغيرة يضيف طبقة أخرى من المخاوف المتعلقة بالسلامة؛ حيث يتطلب التعامل معها بشكل صحيح العديد من الإجراءات الاحترازية والتدريب المناسب، لذلك تفتقر البلدان النامية إلى البنية التحتية اللازمة لإنتاج الأكسجين السائل ونقله بسهولة وبتكلفة زهيدة إلى المستشفيات.
الاستخراج من الهواء الطلق
هناك طريقة أخرى لـ”صنع” الأكسجين؛ وهي استخدام المكثِّفات، وهي أجهزة تعمل على إزالة النيتروجين بشكل انتقائي -وهو الغاز الذي يشكل 78% من الغلاف الجوي- وذلك باستخدام سلسلة من الأغشية والمواد المسامية والمرشحات. وقد بدأ إنتاجها في منتصف السبعينيات، وبتكنولوجيا راسخة للغاية.

وتعمل هذه الأجهزة على تحويل الهواء إلى تيار من الغاز الغني بالأكسجين، والذي يتجاوز عادة 95% (ويتكون الباقي من الأرجون في الغالب). وهذا عادة ما يكون جيداً بما يكفي لأقنعة التنفس، وأجهزة التنفس الصناعي. وتتمثل فائدة المكثِّف في إمكانية إنتاجه كجهاز صغير لاستخدامه في المستشفيات أو دور الرعاية. وتوجد الآن أجهزة تكثيف متاحة تجارياً؛ لكنها مكلفة ويصعب إنتاجها في البلدان النامية.
اقرأ أيضاً: نداء أخير إلى كوكب الأرض.. احترس.. نسبة الأكسجين تنخفض
وهذا هو السبب في أن العلماء مثلي يبحثون عن حلول؛ حيث يدرس فريقي أنواعاً جديدة من المواد التي تخزن الغازات وتفصلها، والتي يوفر بعضها حلولاً يمكن أن تكون ميسورة التكلفة لأجهزة مثل مكثفات الأكسجين. ونحن نقوم بتطوير نوعَين رئيسَين من المواد؛ هما: الزيوليت (وهي بلورات السيليكون والألومنيوم والأكسجين)، والأطر المعدنية العضوية (تُسمى عادة الهياكل الفلزية العضوية)؛ وكلتاهما مواد مسامية للغاية؛ ويمكنك تخيلها كإسفنجات صغيرة بحجم الجزيء.
وعلى غرار الإسفنج، تمتص هذه المواد المسامية سوائل أكثر مما يمكن تخيله بديهياً. وعلى الرغم من أن ملايين المسام داخل الزيوليت والأطر العضوية المعدنية قد تبدو صغيرة؛ فإن مساحة سطحها الإجمالية ضخمة. وفي الواقع، يستطيع جرام واحد من الأطر العضوية المعدنية تحطيم الرقم القياسي بمساحة تزيد على 7000 متر مربع.

ويمكن لكمياتٍ صغيرة من الزيوليت والأطر العضوية المعدنية تخزين كميات هائلة من السوائل، وغالباً ما تكون غازات؛ وقد تم استخدامها في تخزين الغاز وتنقيته واحتجاز الكربون وتجميع المياه. وقد بدأ بعض أعضاء من فريقي، بالشراكة مع شركة “كامبريدج بريسيشن” الهندسية، ومركز المساواة العالمية، في بحث إمكانية استخدام هذه الأدوات لتخزين الأكسجين. وقد طورنا نموذجاً أولياً يعمل، ونأمل أن يكون لدينا نموذج أوَّلي نهائي في غضون شهرَين، وبعد ذلك سنحتاج إلى الحصول على موافقة طبية.
الطريقة
تعتمد هذه الطريقة على مبدأ بسيط للغاية؛ لدينا أسطوانة ألومنيوم مليئة بالمواد المسامية، ونقوم بتدوير تيار من الهواء من خلالها. وهذا ينقي الأكسجين بنسبة تصل إلى 95%؛ والباقي هو الأرجون في الغالب. ويتم احتجاز النيتروجين في الزيوليت بسبب الطريقة التي يتم بها توزيع الشحنة الكهربائية في ذرات النيتروجين؛ مما يعني أنه يتفاعل بقوة أكبر مع المجال الكهربائي للزيوليت.
اقرأ أيضاً: لقاح كوفيد يكشف عن ثغرة في عدالة التوزيع العالمي
أما الأكسجين والأرجون فليسا كذلك؛ وبالتالي يبقى النيتروجين عالقاً داخل ملايين المسام الصغيرة، ثم نفرغها لاحقاً بعد تخزين الأكسجين. وعادة ما نقوم بتسويق المواد المسامية لدينا تجارياً من خلال شركة “إيماتريل”؛ وهي جزء من جامعة كامبريدج.

ومع ذلك، فإن تحقيق أرباح ضخمة من بيع الأكسجين في حال حدوث جائحة يبدو عملاً غير أخلاقي؛ ففي إفريقيا، على سبيل المثال، يعد الأكسجين أغلى بخمس مرات مما هو عليه في أوروبا والولايات المتحدة؛ لذلك تعاون فريقنا وشركة “إيماتريل” مع علماء آخرين في كامبريدج، لإنشاء مبادرة نظام الأكسجين والتنفس الصناعي؛ بهدف تطوير علاجات الأكسجين وتصنيعها بأسعار معقولة.
اقرأ أيضاً: كيف ننقذ العالم من كوفيد طويل الأجل؟
ونأمل أن تمتد مزايا جهاز مُكثِّف الأكسجين رخيص الثمن إلى ما بعد الجائحة؛ حيث تُعد إمدادات الأكسجين أمراً أساسياً في علاج الالتهاب الرئوي في مرحلتَي الطفولة والأمراض الرئوية المزمنة؛ وكلتاهما حالتان تقتلان عدداً من الأشخاص على مستوى العالم يفوق عدد الوفيات الناجمة عن الإيدز أو الملاريا. إذن ينبغي أن يحصل كل مريض على الأكسجين اللازم، ويمكن أن تساعد تكنولوجيا مثل التي لدينا يوماً ما في توفير سهولة الحصول عليه ويصبح في متناول الجميع.
♦محاضر في الهندسة الجزيئية، جامعة كامبريدج.
المصدر: ذا كونفرزيشن