اسرائيلياتشؤون دولية
الأسباب الحقيقية وراء انسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل من اليونسكو
قرار واشنطن ليس الأول من نوعه تجاه المنظمة

كيو بوست –
دخل قرار الولايات المتحدة وإسرائيل بالانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) حيز التنفيذ مع بداية العام الجديد، بعد أن تلقت المنظمة بلاغين رسميين من الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية بشأن انسحابهما من المنظمة اعتبارًا من 31 ديسمبر/كانون الأول 2018، وفقًا للقرارين اللذين اتخذتهما الحكومتان في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، بعد مزاعم حول انحياز المنظمة ومعاداتها لإسرائيل.
اقرأ أيضًا: الخليل: حقائق عن تغلغل المستوطنين في أكبر مدن فلسطين
ورغم إطلاق المنظمة مبادرتين تأتيان استجابة لمخاوف إسرائيل والولايات المتحدة، هما موقع تثقيفي عن الـ”هولوكوست”، وعلى أول أدلة إرشادية تثقيفية للأمم المتحدة حول مكافحة معاداة السامية، إلا أن الحكومتين أصرتا على الانسحاب؛ إذ زعم سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون “أن اليونسكو تسعى لإعادة كتابة التاريخ، وذلك من خلال محاولات لمحو صلة اليهود بالقدس”، مضيفًا أن إسرائيل لن تكون عضوًا في منظمة هدفها العمل ضدها و”تصبح أداة استغلالية يتلاعب بها أعداء إسرائيل” وعبرت المنظمة عن أسفها لهذين القرارين، مؤكدة أن الدول تتحرك بشكل أفضل في كنف اليونسكو للمساهمة في تسوية الخلافات التي تتعلق بمجالات اختصاص المنظمة.
خطوة مسبوقة
قرار الولايات المتحدة -التي شاركت في تأسيس المنظمة عام 1945 بهدف تعزيز السلام والأمن والعدالة وحقوق الإنسان- لم يكن الأول من نوعه تجاه المنظمة، بل سبق ترامب في هذه الخطوة الرئيس السابق رونالد ريغان، إذ انسحبت واشنطن من اليونسكو عام 1984 احتجاجًا على ما زعمته من إدارة سيئة لهذه المنظمة، وتعارض بين أهدافها والسياسة الخارجية الأمريكية، واتهمتها حينها بالفساد والميل الأيديولوجي تجاه الاتحاد السوفياتي سابقًا ضد الغرب.
وبعدها جاء الرئيس السابق جورج بوش الابن إلى السلطة، ليعيد عضوية بلاده في المنظمة الأممية عام 2002، إلا أن هذه العودة لم تدم طويلًا، وأوقفت الولايات المتحدة دعمها المالي للمنظمة أواخر عام 2011 احتجاجًا على منح فلسطين العضوية الكاملة فيها خلال فترة رئاسة باراك أوباما. وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة آنذاك سوزان رايس بأن منح العضوية الكاملة للفلسطينيين “سيضر المنظمة بشدة”، ولا يمكن أن يمثل بديلًا لمحادثات السلام مع إسرائيل.
وكانت فلسطين في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2011، قد أصبحت العضو 195 في اليونسكو، بعد تصويت كاسح للمؤتمر العام، عارضته 14 دولة فقط، ورفع العلم الفلسطيني بعد شهر من ذلك فوق مقر المنظمة الأممية في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمديرة العامة لليونسكو حينها إيرينا بوكوفا.
تحالف ومصالح
في الواقع، ليس من الغريب انحياز إدارة ترامب -كسابقاتها من الإدارات الأمريكية لإسرائيل- باعتبارها حليفتها المدللة حتى لو كانت على باطل، إلا أن الرئيس الأمريكي راعى في هذه الخطوة مصالح بلاده كذلك، إذ إن من أحد الأسباب الرئيسة التي دفعته إلى تقديم البلاغ الرسمي في هذا التوقيت هو أنه منذ توقف إسرائيل والولايات المتحدة عن سداد واجباتهما المالية تجاه المنظمة بعد التصويت على الموافقة على عضوية فلسطين، تفاقمت الواجبات غير المسددة للمنظمة على الولايات المتحدة –التي كانت تساهم بنحو 22% من إجمالي موازنة المنظمة– المقدرة بنحو 600 مليون دولار، بينما قدر ما يتوجب على إسرائيل سداده بنحو 10 ملايين دولار، وهو المبلغ الذي يستوجب دفعه للمنظمة في حال العدول عن القرار، وبهذا تكون واشنطن تنصلت من مسؤولياتها المالية، ومع ذلك حافظت على وجود لها في المنظمة بصفة مراقب، الأمر الذي يسمح لها بعدم دفع أي مساهمات أو مستحقات، رغم أنه لا يحق لها المشاركة أو التصويت في أي انتخابات تجري ضمن الجمعية.
اقرأ أيضًا: كيف تستغل إسرائيل تنظيم “شبيبة التلال” الإرهابي لتحقيق مشاريعها بالضفة؟
أما السبب الآخر الذي دفع واشنطن إلى اتخاذ القرار، فيأتي في ظل سلسلة تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ترتكز على رؤية (أمريكا أولًا)، إذ تتخذ إدارته خطوات تصعيدية أمام كل من لا يتماشى مع سياسته الخارجية أو الداخلية، كما تنسحب من كل اتفاق أو معاهدة لا تخدم مصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، كما حصل مع اليونسكو وعدد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية كمعاهدة باريس للمناخ، واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والاتفاق النووي مع إيران.
أما بالنسبة لتل أبيب، فاعتماد الولايات المتحدة قرار الانسحاب يصب في مصلحتها بالمقام الأول، فرغم أنه تم تمرير 12 نصًا حول الشرق الأوسط باليونسكو، بموافقة الدول العربية الأعضاء بالمنظمة وإسرائيل منذ 2011، إلا أن اليونسكو أنصفت الفلسطينيين في قرارات أخرى، جاء آخرها بتبنيها، في يونيو/حزيران 2018، قرارًا يعتبر أن بلدة القدس القديمة وأسوارها من ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر، بالإضافة إلى اتخاذها قرارًا في أكتوبر/تشرين أول 2017، نص على وضع مدينة الخليل، ومسجد الحرم الإبراهيمي الشريف، على لائحة التراث العالمي.
وكذلك صوت المجلس التنفيذي لليونسكو في العام ذاته على قرار يؤكد قرارات المنظمة السابقة باعتبار إسرائيل محتلة للقدس، ويرفض سيادة إسرائيل عليها، فضلًا عن تبني اليونسكو -خلال اجتماع بالعاصمة الفرنسية باريس في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016- قرارًا نفى وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، واعتبارهما تراثًا إسلاميًا خالصًا، بالإضافة إلى إدراجها في العام نفسه 55 موقعًا تراثيًا في العالم على قائمة المواقع المعرضة للخطر، منها البلدة القديمة في القدس المحتلة وأسوارها. وبهذه القرارات التي خلفت غضبًا واستنكارًا إسرائيليًا، كان السبيل في عدم الاعتراف بها هو الانسحاب من المنظمة ككل، مما يجعلها غير ملزمة لقراراتها أمام المجتمع الدولي، ويمكنها من التصرف دون رادع أو حساب في المواقع الأثرية في فلسطين.
اقرأ أيضًا: إسرائيل مقابل غزة: 70 عامًا من الصراع