الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الأزمة بين الماضي والحاضر.. كيف جوَّع ستالين الملايين خلال المجاعة الأوكرانية؟

كيوبوست- ترجمات
في ذروة المجاعة الأوكرانية في الفترة ما بين 1932- 1933 تحت حكم جوزيف ستالين، كان الجوعى يجوبون الريف في أمسّ الحاجة إلى أي شيء يأكلونه. وفي قرية ستافيتش، شاهد طفل فلاح صغير المتجولين وهم يحفرون في الحدائق الفارغة بأيديهم.
اقرأ أيضاً: أوكرانيا.. سجل صاخب من الاختراق والشرذمة
وذكر أن الكثيرين منهم كانوا هزيلين جداً؛ لدرجة أن أجسادهم بدأت تنتفخ وتتعفن من النقص الشديد في المواد المغذية، حيث أودت المجاعة الأوكرانية -المعروفة باسم “هولودومور”، وهي مزيج من الكلمات الأوكرانية التي تعني “المجاعة” و”الموت”- وفقاً لأحد التقديرات، بحياة 3.9 مليون شخص؛ أي نحو 13٪ من السكان.
وقد قال بعد سنوات عديدة، في قضية أعدتها لجنة تابعة للكونغرس في أواخر الثمانينيات: “كان بإمكانك رؤيتهم يتجولون، يمشون ويمشون فحسب، ثم يسقط أحدهم تلو الآخر. وفي مقبرة خارج مستشفى القرية، حمل الأطباء المنهكون الجثث على نقالات وألقوا بها في حفرة ضخمة”.

جاء ذلك في مقالة نشرها موقع “هيستوري”، الذي أشار إلى أنه خلافاً للمجاعات الأخرى التي شهدها التاريخ والتي كانت ناجمة عن الآفات أو الجفاف، فقد حدثت المجاعة الأوكرانية عندما أراد الديكتاتور السوفييتي ستالين الاستعاضة عن المزارع الصغيرة في أوكرانيا بمجمعات تديرها الدولة ومعاقبة الأوكرانيين ذوي العقلية الاستقلالية الذين شكلوا تهديداً لسلطته الاستبدادية.
اقرأ أيضاً: “10% ديمقراطية أقل”.. كتاب عن النخب والجماهير واتخاذ القرار
وقال أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي التابعة لجامعة تافتس ومؤلف كتاب “المجاعة الكبرى: تاريخ ومستقبل المجاعة” الصادر عام 2018: “كانت المجاعة الأوكرانية حالة واضحة لمجاعة من صنع الإنسان”، ووصفها بأنها “مزيج من المجاعة الناجمة عن سياسات اجتماعية واقتصادية كارثية، كما أنها كانت تستهدف مجموعة سكانية معينة بغرض قمعهم أو عقابهم”.
وفي تلك الأيام، كانت أوكرانيا -وهي دولة على طول البحر الأسود إلى الغرب من روسيا- جزءاً من الاتحاد السوفييتي، الذي كان يحكمه ستالين آنذاك. وفي عام 1929، وكجزء من خطته لخلق اقتصاد شيوعي بالكامل بشكل سريع، فرض ستالين نظام الزراعة الجماعية، الذي استبدلَ بالمزارع المملوكة والمُدارة بشكل فردي المزارعَ الجماعية الكبيرة التي تديرها الدولة.

وقد قاوم صغار المزارعين في أوكرانيا، ومعظمهم من مزارعي الكفاف، التخلي عن أراضيهم وسبل عيشهم. ورداً على ذلك سخر النظام السوفييتي من المقاومين، ووصفهم بأنهم “كولاك”، وهو مصطلح روسي يشير إلى الفلاحين الميسورين ذوي الدخل المرتفع، والذين اعتبروا في الأيديولوجية السوفييتية أعداء للدولة.
اقرأ أيضاً: ماذا لو عادت دول الاتحاد السوفيتي إلى الوحدة مجددًا؟
وقام المسؤولون السوفييت بطرد هؤلاء الفلاحين من مزارعهم بالقوة، ووضعت شرطة ستالين السرية خططاً لترحيل 50 ألف عائلة أوكرانية زراعية إلى سيبيريا، وفقاً لما كتبته المؤرِّخة آن أبلباوم، في كتابها الصادر عام 2017، “المجاعة الحمراء: حرب ستالين على أوكرانيا”، إلا أن سياسة الزراعة الجماعية التي اعتمدتها الحكومة السوفييتية، لم تسِر بشكل جيد. وبحلول خريف عام 1932 -أي تقريباً في الوقت الذي انتحرت فيه زوجة ستالين، ناديجدا سيرجيفنا، التي قيل إنها اعترضت على سياسته الجماعية- أصبح من الواضح أن محصول الحبوب في أوكرانيا أخفق في تحقيق هدف السوفييت بنسبة 60%.

ويشرح ستيفن نوريس، أستاذ التاريخ الروسي في جامعة ميامي بأوهايو: “نشأت مجاعة 1932- 1933 من قرارات لاحقة اتخذتها حكومة ستالين، بعد أن أصبح من الواضح أن خطة عام 1929 لم تسِر كما هو مأمول؛ مما تسبب في أزمة غذائية ومجاعة”.
شاهد: فيديوغراف…كيف عاشت وريثات الاتحاد السوفييتي؟
ويقول نوريس إن هناك وثيقة صدرت في ديسمبر 1932 بعنوان “توريد الحبوب من أوكرانيا وشمال القوقاز والمنطقة الغربية” كانت تتضمن توجيهاً لكوادر الحزب بمصادرة المزيد من الحبوب من المناطق التي لم تفِ بحصصها، كما دعت إلى اعتقال رؤساء المزارع الجماعية الذين قاوموا، وأعضاء الحزب الذين لم يَفُوا بالحصص الجديدة.
وفي غضون ذلك، ووفقاً لأبلباوم، فإن الزعيم السوفييتي استخدم نقص الحبوب كذريعة لفرض مزيد من القمع المكثف ضد أوكرانيا؛ حيث اعتقل عشرات الآلاف من المعلمين والمفكرين الأوكرانيين، وأزال الكتب باللغة الأوكرانية من المدارس والمكتبات.

وكما يشير نوريس، فإن مرسوم عام 1932 “استهدف ما وصفهم بـ(المخربين) الأوكرانيين، وأمر المسؤولين المحليين بالتوقف عن استخدام اللغة الأوكرانية في مراسلاتهم، وقمع السياسات الثقافية الأوكرانية التي تطورت في عشرينيات القرن العشرين”.
اقرأ أيضاً: أوبئة الحروب.. هزمت أثينا وقضت على جيش نابليون
ووفقاً لتقرير لجنة الكونغرس الأمريكي عام 1988، عندما ذهب جامعو المحاصيل التابعين لستالين إلى الريف، استخدموا أعمدة خشبية طويلة مثبَّتةً عليها نقاط معدنية؛ لوخز الأرضيات الترابية لمنازل الفلاحين للكشف عن مخازن الحبوب المخبأة.
ومع تفاقم المجاعة، حاول الكثيرون الفرار بحثاً عن أماكن بها المزيد من الغذاء. وتناثرت جثث بعضهم على جانبَي الطريق، في حين أحبطت الشرطة السرية ونظام جوازات السفر الداخلية للنظام الآخرين.

ويشير تقرير لجنة الكونغرس إلى أن الفلاحين الأوكرانيين لجؤوا إلى أساليب يائسة في محاولة للبقاء على قيد الحياة؛ حيث قتلوا وأكلوا حيوانات أليفة وآدميين، كما أكلوا الزهور والأوراق ولحاء الأشجار والجذور. وكانت إحدى النساء جائعة للغاية لدرجة أنها حين وجدت بعض الفاصوليا المجففة أكلتها على الفور دون طهوها، وتوفيت كما ورد عندما نَمَتْ في معدتها!
اقرأ أيضاً: أكل لحوم البشر: متى يأكل الإنسان لحم أخيه؟
وبحلول صيف 1933، لم يتبقَّ سوى ثُلث الأُسر في بعض المزارع الجماعية، بينما تكدست السجون ومعسكرات العمل، ومع عدم بقاء فلاحين تقريباً لزراعة المحاصيل، أعادَ نظام ستالين توطين الفلاحين الروس من أجزاء أخرى من الاتحاد في أوكرانيا لمواجهة نقص العمالة. وفي مواجهة احتمالية حدوث كارثة غذائية، بدأ نظام ستالين في خريف عام 1933 في تخفيف عمليات جمع المحصول.

وقد اعترفت الحكومة الروسية التي حلت محل الاتحاد السوفييتي بحدوث مجاعة في أوكرانيا؛ لكنها نفت كونها إبادة جماعية، والتي تُعرَّف في المادة 2 من اتفاقية الأمم المتحدة (1948) على أنها “أي من الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية”.
اقرأ أيضاً: حرب روسيا- أوكرانيا ستؤثر على إفريقيا وآسيا
وفي أبريل 2008، أصدر مجلس النواب الروسي قراراً ينص على أنه “لا يوجد دليل تاريخي على أن المجاعة تمَّ تنظيمها على أُسس عرقية“. ومع ذلك، اعترفت 16 دولة على الأقل بالهولودومور. ومؤخراً، أكد مجلس الشيوخ الأمريكي، في قرار صدر عام 2018، النتائج التي توصَّلت إليها لجنة عام 1988 بأن ستالين ارتكب إبادة جماعية.
ورغم حصول أوكرانيا في نهاية المطاف على استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تظل المجاعة أو “الهولودومور” تشكل جزءاً مؤلماً من الهوية المشتركة للأوكرانيين.
المصدر: موقع “هيستوري”