الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
الأزمة الاقتصادية اللبنانية تدفع نحو زيادة الجرائم الاجتماعية
وفق الدراسات الرسمية فإن نسبة الغضب الأعلى حول العالم موجودة في لبنان.. وتتحول المرأة غالباً إلى وسيلة لتفريغ هذا الغضب

كيوبوست
بعد 11 يوماً رقدتها اللبنانية الشابة هناء خضر، في المستشفى متأثرةً بآثار الحرق الذي أصابها بعدما أشعل زوجها النار فيها عقب خلاف بينهما؛ لرفضها إجهاض نفسها في طفلهما الثالث؛ بسبب ضيق اليد وعدم قدرته على الإنفاق على عائلته، لكونه يعمل باليومية ولديه طفلان آخران منها.
رحلت هناء خضر ووري جثمانها الثرى، في وقت طالبت فيه عائلتها بضرورة محاسبة زوجها الذي أشعل النار فيها بعدما تمسكت بعدم إجهاض نفسها بناءً على طلبه، بينما لم يتدخل أي من أفراد عائلته بينهما؛ مما أوصل الضحية إلى المستشفى في حالة خطرة.
وحسب إحصائيات رسمية، فإن الشكاوى التي تتلقاها قوى الأمن الداخلي اللبناني ارتفعت بشأن العنف الأسري؛ 108% بين عامَي 2019 و2020، في وقت تحدثت فيه نتائج لاستطلاعات رأي ودراسات عن تزايد العنف ضد المرأة في لبنان، مع وجود نسبة كبيرة من العنف الأُسري الذي لم يتم الإبلاغ عنه.

مؤشر خطير
ما حدث هو مؤشر خطير على ارتفاع نسبة العنف الأُسري، حسب الخبيرة الاجتماعية بالجامعة اللبنانية د.سحر حجازي، التي تقول لـ”كيوبوست”: إن الجريمة تأتي في وقت رُصد فيه ارتفاع نسبة العنف الأسري، والعنف الذي تعرضت إليه المرأة في الفترة الأخيرة؛ خصوصاً منذ بداية جائحة كورونا.

وأضافت أن الوضع الاقتصادي أثر سلباً على قرارات العائلات اللبنانية بالإنجاب، سواء من حيث الاكتفاء بإنجاب طفل أو طفلَين على الأكثر، أو حتى تأجيل قرار الإنجاب، وربما قرار الزواج نفسه، لافتةً إلى أن هناك شباباً تزوجوا مؤخراً ولم يقرروا الإنجاب؛ بسبب الوضع المالي والصعوبات التي تواجه الأُسر بتربية الأبناء.
وأوضحت أن الصعوبات ليست مقتصرة -فقط- على توفير الأموال؛ ولكنها ممتدة لتوفير السلع الأساسية للأطفال، وحتى العلاج؛ فهناك نقص حاد بالألبان ومعاناة في الحصول عليها، بما يهدد سلامة حتى الأطفال الرضع؛ فهناك نقص بالحليب الخاص بهم، ويُباع بأسعار باهظة للغاية، وسط تفاقم أزمة العملة وانخفاض قيمة الليرة بشكل متزايد يومياً.
تفسر سحر حجازي الجريمة الأخيرة بأنها تعبر عن لحظات عدم اتزان، وعدم استقرار نفسي بالنسبة إلى الجاني الذي يبدو أنه يواجه مشكلات نفسية؛ نتيجة شعوره بعدم القدرة على تلبية الاحتياجات المالية لعائلته، مما شكَّل ضغوطاً نفسية تركت أثراً سلبياً على حياته الاجتماعية.
اقرأ أيضًا: مطاردة “الساحرات”… لماذا تتوحش جرائم العنف في المجتمع المصري؟
تزايد العنف
وفق الدراسات الرسمية، فإن نسبة الغضب الأعلى حول العالم موجودة في لبنان، حسب الكاتب والمحلل السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن غضب اللبنانيين انعكس على جميع مناحي الحياة؛ بسبب عدم قدرتهم على سداد التزاماتهم ومصاريفهم الأساسية، وحتى توفير الخدمات الأساسية لعائلاتهم، سواء في ما يتعلق بالكهرباء أو المياه، وحتى مصاريف المدارس الدراسية المختلفة.

وأضاف أن الضغوط المالية والاقتصادية تدفع نحو الأسوأ في الحياة الاجتماعية؛ وهو الأمر الذي ستكون انعكاساته خطيرة على الأوضاع المجتمعية، فعلى الرغم من عدم وجود ما يمكن أن يبرر الجريمة التي حدثت؛ فإن مثل هذه الجرائم مرشحة للازدياد خلال الفترة المقبلة بسبب استمرار الوضع الاقتصادي السيئ والمعاناة التي يعيشها اللبنانيون من أجل توفير أساسيات الحياة لأُسرهم.
تؤكد سحر حجازي أن شعور الرجال بالعجز عن قدرتهم على توفير الاحتياجات الأساسية لمنازلهم يؤدي إلى سوء حالتهم النفسية، وتتحول المرأة في بعض الحالات لتكون وسيلة تفريغ الغضب لدى الرجل؛ فيقوم بالاعتداء عليها، لافتةً إلى وجود العنف الأسري والزوجي بمختلف أنحاء العالم.

يشير خلدون الشريف إلى أنه في ظل غياب الأساسيات اليومية، فإن المؤسسات الدينية والجمعيات الأهلية لن تستطيع توفير أية معالجات اجتماعية، في ظل غياب الدولة الكامل، وعدم وجود آفاق أو تصور للإصلاح خلال الفترة المقبلة، لافتاً إلى أن غياب رؤية الدولة بشكل كامل بات هو الخطر الأكبر اجتماعياً على جميع اللبنانيين.
اقرأ أيضًا: الاحتيال الذي حطم لبنان
تختتم سحر حجازي حديثها بالتأكيد أن سوء الأوضاع الاقتصادية سيؤدي إلى تأثيرات خطيرة على أوضاع الحياة الاجتماعية للبنانيين؛ وهو ما ظهر بشكل واضح في مغادرة الشباب الأراضي اللبنانية، وتأخر سن الزواج لدى الشباب والفتيات، بجانب تقلص النمو السكاني، مع اتجاه العائلات والأُسر اللبنانية إلى الاكتفاء بطفل أو طفلَين؛ نتيجة الأوضاع التي باتت مفروضة عليهم.