الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
الأزمة الاقتصادية التركية، طبيعية أم مؤامرة؟
فقدت الليرة التركية 20% من قيمتها خلال ثلاثة أسابيع!

كيو بوست –
علّق الإعلام التركي على تدهور الوضع الاقتصادي التركي بأنه “كلما خطب أردوغان بالميكروفون انخفض سعر الليرة”. وهي حقيقة ربما تكون رمزية عن مسؤولية الرجل في انحدار سعر الليرة مقابل الدولار، إذا أخذنا بالنظر إلى سياسات أردوغان الخارجية التي قضت على الانفتاح التركي مع العالم، وسياسته العدائية تجاه الكثير من دول العالم، خصوصًا في الشرق الأوسط، الذي كان منذ 7 سنوات مركز رؤية أردوغان، لإعادة أحلام الإمبراطورية العثمانية.
اقرأ أيضًا: ما الذي يجذب الناس نحو نظريات المؤامرة؟
وأصبحت تركيا شبه جزيرة معزولة عن كبرى الاقتصادات في المنطقة، وخسرت أهم أسواق العالم؛ إذ توترت العلاقات التركية الأوروبية، نتيجة لحرب الميكروفونات التي مارسها الرئيس التركي في السنوات الأخيرة. وكذلك الأمر فقد خسرت تركيا غالبية طرقها التجارية البرية مع دول الجوار، سوريا والعراق، بعدما كانت تلك الدول -قبل غزوها بالإرهاب القادم معظمه من الحدود التركية- تشكّل طريق تركيا إلى العالم العربي، ومعبرًا لقوافلها التصديرية، الأمر الذي قلل من العوائد بالعملة الصعبة (الدولار).
وباستثناء إسرائيل التي تربطها مع تركيا علاقات تجارية، تجاوزت 4 مليارات دولار سنويًا، فقد أغلقت غالبية أسواق الدول العربية أبوابها أمام المنتجات التركية. حتى الشاشات العربية التي كانت تمد تركيا بعوائد تقدّر بمئات الملايين من الدولارات، دخلت هي الأخرى على خط المقاطعة… وأصبحت تركيا بالتالي -بعد انحيازها لجانب قطر في الأزمة الخليجية- دولة تقيم علاقتها مع الآخرين، ليس بناءً على المصلحة المستدامة، بل بناءً على ارتجالات الرئيس، وأهداف حزبه “العدالة والتنمية”، صاحب الرؤى الإخوانية، مع الضرب بعرض الحائط جميع المصالح الداخلية والخارجية للدولة التركية.
مؤامرة أم انحدار طبيعي؟
يعيد خبراء اقتصاديون عجز الليرة لأسباب اقتصادية بحتة، بعد أن تأثرت بالأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية الداخلية، إذ فقدت العملة 20% من قيمتها خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة (انخفضت قيمتها من 4.92 لتصل إلى 3.55 مقابل دولار واحد).
وتجاوز التضخم السنوي في تركيا 10% سنويًا، بحسب البيانات الرسمية التركية، وهو من أسباب تعمق أزمة الليرة، إلّا أن هبوط سعر الليرة له أسباب اقتصادية غاية في الأهمية:
– عجز واضح في الميزان التجاري، الذي أصبح يميل لصالح الاستيراد على حساب التصدير، مما يعطي نتائج سلبية بعيدة المدى على مستقبل الاقتصاد التركي.
– المأزق الذي وقعت فيه الخزينة التركية، مع بدء الشركات بتسديد ديونها الخارجية بالدولار (وصلت في أيار الحالي إلى 10.9 مليار دولار أمريكي).
– انخفاض قيمة النقد الأجنبي بعد قيام المستثمرين الأجانب بسحب مبالغ نقدية إلى خارج تركيا، مما يحد من إمكانية تحصين سعر صرف الليرة.
– أزمة في الديون الخارجية وديون القطاع الخاص، التي وصلت إلى 200 مليار دولار، واجبة السداد خلال عام واحد فقط.
– التراجع الملحوظ في معدلات السياحة، بسبب التوترات الأمنية في تركيا، والتدخل العسكري في عفرين، بمشاركة تنظيمات متشددة تقاتل إلى جانب الجيش التركي، إذ تغيرت في السنوات الأخيرة صورة تركيا الخارجية، من دولة آمنة، إلى دولة تتدخل عسكريًا بالدول المجاورة.
كما أثّر قانون الطوارىء وما رافقه من تضييقات أمنية وقضائية سلبًا على الصورة الديمقراطية لتركيا.
ويوضح كل ذلك أن فقاعة النمو الاقتصادي التركي، كانت بالأساس معتمدة على الديون الخارجية، إذ وصلت نسبة الديون من إجمالي الناتج القومي إلى مستويات أعلى من المعدلات التي كانت عليها قبل وصول “العدالة والتنمية” إلى الحكم. طبّق أردوغان سياسة “التنمية” بالاستدانة، مما أعطى أكله في هذه الفترة الحرجة من تاريخ تركيا المقبلة على انتخابات.
وكثيرًا ما يعزو الإعلام المقرّب من النظام التركي، انحدار سعر صرف الليرة، كعادته، إلى “مؤامرة” خارجية، تقودها دول عدوة لتركيا، على الرغم من أن تسلسل الأحداث الداخلية، ابتداءً من الإعلان عن موعد انتخابات مبكرّة، وضبابية المشهد الداخلي، الذي أثّر على مقدار الثقة بالاقتصاد، وانخفض معه سعر صرف الدولار لأول مرّة إلى 4.04، بعد أن كان 4.10 ليرة.