الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

الأرجنتين تطوي صفحة سوداء في تاريخ علاقتها مع “حزب الله”

كيوبوست

يأتي إعلان الحكومة الأرجنتينية، يوم 18 يوليو 2019، تصنيف “حزب الله” اللبناني كجماعة إرهابية، وتجميد السلطات أصول عناصره الموجودة على الأراضي الأرجنتينية، كضربة حقيقية لنشاط الحزب في منطقة اعتبرت لسنوات ملعبًا خصبًا لنشاطاته الإرهابية. الأرجنتين بذلك هي الدولة اللاتينية الأولى التي تتخذ هذا القرار، وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لقرارات مشابهة تتخذها دول لاتينية أخرى لطالما عانت وجود هذا الحزب وتدخله في مؤسسات الدولة؛ مثل البرازيل.

اعتمد الحزب لسنوات طويلة على وجوده وتغلغله في منطقة أمريكا اللاتينية؛ مستغلًّا الجالية اللبنانية الضخمة هناك، والأعداد الكبيرة من المسلمين السُّنة والشيعة في هذه الدول، خصوصًا الأرجنتين التي يوجد بها أكبر تجمع عددي من المسلمين؛ منهم نسبة لا يُستهان بها من الشيعة.

جاء الإعلان بالتزامن مع الذكرى الخامسة والعشرين لتفجير وقع في عام 1994 في مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية- الأرجنتينية (آميا) في العاصمة بوينس آيرس، وأدى إلى مقتل 85 شخصًا. وألقت السلطات الأرجنتينية بالتهمة على إيران وحزب الله، إلا أن الجهتَين رفضتا الاعتراف بمسؤوليتهما عن الحادث.

 وقد وجَّهت وحدة المعلومات المالية في الأرجنتين؛ وهي الهيئة المكلفة بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، بتجميد الأصول التابعة للحزب وأعضائه بعد يوم من وضع البلاد قائمة جديدة للأشخاص والكيانات المرتبطة بالإرهاب، وبفعل هذا القرار يندرج “حزب الله” تلقائيًّا ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في الأرجنتين.

ويأتي الإعلان بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى البلاد؛ لحضور مراسم إحياء الذكرى الـ25 لضحايا تفجير مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية.

وطبقًا لوكالة “رويترز”، قال مسؤولون أمريكيون وأرجنتينيون: “إن حزب الله يُدير أنشطة إجرامية ضمن ما يُعرف بالمنطقة الحدودية الثلاثية بين كلٍّ من الأرجنتين والبرازيل وباراغواي”.

متابعة القضية

من جهتها، لم تتوقف الأرجنتين عن متابعة القضية وملاحقة أفراد “حزب الله”، ففي نوفمبر 2018 اعتقلت مواطنَين يبلغان من العمر 23 و25 عامًا، عُثر في مسكنهما على كمية من الأسلحة؛ شملت بندقية وبندقية رش وعددًا من المسدسات.. وغيرها، للاشتباه في صلتهما بـ”حزب الله”. حدث الاعتقال قبل قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في العاصمة بوينس آيرس أواخر الشهر ذاته. وذكرت الشرطة حينها أنها وجدت أدلة على السفر إلى الخارج (بالإضافة إلى أوراق هوية باللغة العربية وصورة لراية حزب الله).

وقبل ذلك، في أكتوبر من عام 2006، وجَّه المدعيان العامان الأرجنتينيان، ألبرتو نيسمان ومارسيلو مارتينيز بورغوس، الاتهام رسميًّا إلى حكومة إيران بإعطاء الأوامر إلى ميليشيات حزب الله لتنفيذ تفجير مركز الجالية اليهودية في العاصمة بوينس آيرس.

وكانت الأرجنتين قد شهدت في مارس 1992 تفجيرًا آخر استهدف السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس أيضًا، قُتل فيه 29 مدنيًّا؛ غالبيتهم أرجنتينيون و4 إسرائيليين، من بينهم زوجتا القنصل والسكرتير الأول في السفارة. وتبنَّت الهجوم حينها جماعة أطقت على نفسها “حركة الجهاد الإسلامي اللبنانية” التي يشتبه في تحالفها مع إيران. وتشير تقارير إلى أنها تم حلها لاحقًا؛ لتنضم إلى ميليشيات “حزب الله” اللبناني.

شاهد: فيديوغراف.. مصادر تمويل حزب الله

ولا تعد التدخلات الإيرانية وعمليات حزب الله الإرهابية وليدة الأمس؛ إذ إن طهران و”حزب الله” -ذراعها السياسية في المنطقة- قد نفذا كثيرًا من العمليات الإرهابية المسلحة على مدى السنوات الماضية؛ ففي فبراير عام 2015، عُثر على جثة المدعي العام نيسمان (51 عامًا) داخل شقته في بوينس آيرس، مصابًا بطلق ناري في الرأس، وسط اتهامات وجِّهت، آنذاك، إلى رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر، بالتستر على متورطين في التفجير، ووجهت محكمة أرجنتينية رسميًّا التهمة إلى كيرشنر، بالتدخل لمنع محاكمة مسؤولين إيرانيين في قضية تفجير المركز اليهودي في فبراير 2015.

حزب الله ينتقم من كارلوس منعم

كارلوس منعم وعائلته وابنه الذي اغتاله حزب الله

ويعد تفجير مقر “الجمعية الإسرائيلية- الأرجنتينية” في 18 يوليو 1994 بالعاصمة الأرجنتينية، أكبر عمل إرهابي في تاريخ البلاد. ففي أثناء حكم كارلوس منعم للبلاد، استهدفت إيران عاصمة بلاده بوينس آيرس، بسلسلة تفجيرات طالت مناطق حيوية، كما مات ابنه في حادث تحطُّم طائرة، ولم يتحدث كارلوس حينها عن أن إيران وسواعدها من ميليشيات “حزب الله” هما السبب في قتل ابنه، بحجة “الحفاظ على الأمن القومي”؛ إلا أنه بعد انتهاء فترة حكمه عاد ليتهم “حزب الله” وإيران بقتل ابنه.

واعترف منعم بأن وزير الخارجية الأرجنتيني الأسبق، أكد له نقلًا عن مصادر موثوقة، أن “حزب الله” هو مَن قتل ابنه؛ حيث إن إيران ساندته في حملته الانتخابية الأولى بعد أن وعدها، إذا فاز، بتزويدها بصاروخ طراز “العقرب”؛ لكنه سرعان ما تراجع عن وعده، لتتعرض مروحية ابنه التي كان يقودها إلى عمل تخريبي أسقطها أرضًا عام 1995، ليموت ابنه على الفور.

وتمت تبرئة كارلوس منعم في مارس 2019، في قضية إدانته بعرقلة التحقيق في اعتداء 1994 في بوينس آيرس، على مقر للجالية اليهودية، الذي أوقع 85 قتيلًا و300 جريح، ولم تُكشف حتى الآن ملابسات الهجوم.

وتنضم الأرجنتين بذلك إلى دول وأنظمة سياسية سبقتها في ذلك، كانت آخرها بريطانيا، ومن قبلها كندا وهولندا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وكان الاتحاد الأوروبي قد أدرج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب بموافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد البالغ عددها 28 دولة، وذلك في عام 2013. وتبقى بريطانيا متقدمةً بخطوة عن بقية الدول، ففي حين تحظر “حزب الله” بشكل كامل، فإن بقية دول الاتحاد الأوروبي تحظر الجناح العسكري لـ”حزب الله” فقط كمنظمة إرهابية منذ عام 2013.

اقرأ أيضًا: حزب الله.. ذراع إيران التي تعبث بأمن لبنان!

وحسب مقال للصحفي الأمريكي جوزيف بودر، نشرته مجلة “Fronte Page”، فإن “حزب الله” ونظام طهران يواجهان معاناة اقتصادية كبيرة؛ نتيجة قرارات الحظر وتضييق عدد من الدول عليهما. وحسب المقال، فإنه بتاريخ 6 مارس 2019، بدأ مقاتلو “حزب الله” وعائلاتهم يشكون من توقف الأجور، وهو الأمر الذي يعد حدثًا طارئًا وجديدًا، وثمة تسريبات بأن المقاتلين المتزوجين لا يتلقون سوى نصف رواتبهم، والتي تتراوح عادة بين 600 و1200 دولار في الشهر، بينما يتلقى المقاتلون الآخرون 200 دولار فقط في الشهر.

وعمل “حزب الله” بوتيرة ثابتة خلال العقدَين الأخيرَين؛ لتنويع مصادر دخله، حيث قام بإنشاء اقتصاد موازٍ في لبنان، وهو يشارك في أنشطة اقتصادية ومالية عبر قارات إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، ومعظم أنشطته العابرة للقارات إجرامية؛ إذ تشمل غسيل الأموال وتهريب المخدرات، بالإضافة إلى بعض مشروعات التشييد. ومع فرض العقوبات الأمريكية، في أكتوبر الماضي، يسعى “حزب الله” لخفض النفقات عن طريق توجيه الموالين له، الذين يقبضون رواتبهم، للبحث عن وظائف في بيروقراطية الحكومة اللبنانية.

اقرأ أيضًا: في أزمة لبنان الاقتصادية.. فتش عن حزب الله

استغل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، فرصة إعلان السلطات الأرجنتينية “حزب الله” جماعة إرهابية؛ ليوجه الدعوة إلى الدول الأوروبية من أجل الغرض نفسه، وذلك خلال لقائه عددًا من النواب في البرلمان الفرنسي، مؤكدًا أنه من الضروري أن تحذو الدول الأوروبية حذو الأرجنتين بتصنيف “حزب الله” كجماعة إرهابية، معتبرًا الحزب بمثابة التنظيم الإرهابي الأكبر في الشرق الأوسط والعالم أيضًا.

واستهدف “حزب الله”، منذ سنوات، توسيع دائرة نفوذه في الأرجنتين؛ بسبب موقعها الجغرافي القريب من الولايات المتحدة الأمريكية، ما يسهل له تنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف أمريكية، وذلك في حال نشوب حرب بين طهران وأمريكا.

ويعيش نحو مليون ونصف مليون لبناني على الأراضي الأرجنتينية. وتنشط خلايا “حزب الله” في عدد من دول أمريكا اللاتينية؛ لدعمها في تنفيذ عمليات إرهابية ضد أمريكا، ومنها ما كشفت عنه المعلومات التي أدلى بها رئيس جهاز المخابرات الفنزويلية السابق هوجو كارفاخال، في مارس 2019، عن استضافة نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، معسكرات تدريب عناصر “حزب الله”، فضلًا عن تورطه في تجارة مخدرات مع الحزب. كما أكدت تلك المعلومات ضلوع طارق العيسمي، وزير الصناعة والإنتاج الوطني الفنزويلي، في خطة لتدريب أعضاء “حزب الله” في فنزويلا؛ بهدف توسيع شبكات الاستخبارات في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية.

وفي نوفمبر 2016، طالبت رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان البيروفي بالكشف عن حقيقة تورط أنصار “حزب الله” في التعاون مع بعض الجماعات الشيوعية في أعمال العنف التي وقعت في مقاطعة لا بامبا، التي تعد منطقة تمركز لجمعية شيعية تدعمها ميليشيات “حزب الله” وتسمى “أنكاري إسلام”.

وفي البرازيل، تم الكشف في عام 2012، عن وجود علاقات تحالف بين الحزب وأخطر عصابتَين في البرازيل؛ هما: “القيادة الحمراء” و”القيادة الأولى للعاصمة”، حيث يساعدهما “حزب الله” في الحصول على الأسلحة، مقابل أن تؤمّنا له التنقل في المنطقة الحدودية بين باراغواي والبرازيل والأرجنتين.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة