الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

الأديبة نجاة عبد الصمد: عن تمرّد المرأة لتجد ذاتها

كيوبوست

في الوقت الذي كان العرف بمنطقة السويداء في سوريا يحرم الفتيات من التعليم بعد الصف الخامس الابتدائي؛ نجحت الطبيبة والأديبة السورية “نجاة عبد الصمد”، ليس في إكمال مرحلتها المدرسية فقط؛ إنما تحدّت تقاليد مجتمعها، وسافرت لاستكمال دراستها في طب النسائية والتوليد في روسيا.

ولاستعراض مشوارها المهني والأدبي، إلى جانب تجربتها في اللجوء إلى ألمانيا؛ استضافت القناة الألمانية “دويتشه فيله” الأديبة والطبيبة نجاة عبد الصمد، ضمن برنامج “عندي حكاية“، وتم تصوير الحلقة في أول مكان قصدته عبد الصمد خلال يومها الأول في برلين، أواخر عام 2017م؛ مبنى شُيّد قبل 100 عام، وكان مشفى للأمراض النفسية والإدمان، لكنه أصبح مركزاً للقاء الإنساني والثقافي بين سكان المنطقة، والوافدين الجدد من اللاجئين.

مغادرة الوطن

خلال فترة قصيرة من وصولها إلى ألمانيا؛ نجحت عبد الصمد في الحصول على ترخيص للعمل باختصاصها في الطب النسائي والتوليد، كما تعمل جاهدة؛ لتوعية النساء المهاجرات، إضافة لكونها أديبة؛ في رصيدها خمس روايات.

وعن تجربة الهجرة من الوطن، أرجعت عبد الصمد الدور للوعي، والعقل، والبرمجة الذاتية، والنظر للجوء على أنه أمر واقع. ورأت أنها حظيت ببداية جديدة، وبوعي ومخزون وهمة حاضرة، آخذة بعين الاعتبار ما تبقى لتفعله في المستقبل، فهي برغم ارتباطها بالماضي، ترى الحياة أمامها، وتتطلّع فقط للأمام.

نجاة عبد الصمد خلال استضافتها في برنامج “عندي حكاية”

وعبّرت عبد الصمد عن اشتياقها لهواء السويداء، كإحساسٍ يُعاش، لكن لا يمكن وصفه، وعندما حاولت وصف هواء السويداء قالت: “وكأن رئتيَّ لا تتفتحان على الأوكسجين، إنما على الحياة”. كما عبرت عن اشتياقها لمكتبتها في منزلها في سوريا، والتي سمَّتها “الأيقونة”، مشيرة إلى أن الكتاب يعينها عند أي مفترق، أو معضلة، أو خطوة.

بذور المنزل والطفولة

خاضت عبد الصمد معركة في سبيل استكمال دراستها، مؤمنة بأن من سبقنها من النساء في منطقتها، تمكنّ من إرساء ممكنات جديدة للمرأة، وعليه، آمنت بأنه بإمكانها أن ترسي إمكانية جديدة؛ لأنها صاحبة قضية.

اقرأ أيضاً: نصٌّ مكتوب للنساء.. وقد ينفع الجميع!

وكانت بداية حب عبد الصمد للدراسة والتعلق بالكتاب، منذ الطفولة ومن المنزل؛ فعندما كان يسافر والدها إلى الشام أو بيروت كان يشتري لها ولإخوتها قصصاً، وكانت والدتها تقرأ لهم من السير الشعبية كرابعة العدوية، والزير سالم وغيرهما، أما جدتها فكانت تحكي لهم الحكايات، ومنها ورثت عبد الصمد أمرين؛ رواية الحكاية، ومهنة النسائية والتوليد، فجدتها كانت “داية”؛ الأمر الذي لم يكن يعني شيئاً لعبد الصمد، لكنها عندما كبرت وأخذتها المصائر باتجاه اختصاصها، وجدت أن “شيئاً في مكان خفي بقي متربصاً حتى جاء وقته”!

وفي المدرسة، بعد إنهائها الصف الخامس الابتدائي، الذي كان الصف الأخير للفتيات عادة في السويداء؛ تمكّنت هي وأختها نتيجة لتفوقهما -وبدعم من معلميهما- من إقناع والدها، الذي كان رجلاً متديناً ضمن علاقة خاصة تربطه بالله، من إكمال الدراسة. لكن والدها لم يكن قادراً على إرسالها للجامعة في الشام؛ لأن القرار لم يكن بيده، إنما بيد الهيئة الدينية في السويداء، التي تمنع سفر المرأة بلا محرم، لذلك ضمنت عبد الصمد الحصول على موافقة من شيخ كبير هناك؛ لتتمكن من الالتحاق بالجامعة في الشام.

بعد أن تمكنت عبد الصمد من كسر القاعدة، والالتحاق بجامعة شاميّة، حصلت على منحة دراسية؛ لاستكمال دارستها بالطب في روسيا، وحينها لم تلقَ أيَّ دعم، حتى من معلميها، لكنها قبلت المنحة وسافرت، إلا أن سفر فتاة من السويداء إلى روسيا في عام 1985م، كان -بحسب وصفها- أشبه بأن تقرر فتاة اليوم مساكنة شاب، أو أن تتزوج شخصاً من غير طائفتها.

اقرأ أيضًا: في يومهن العالمي.. لم تنفصل مطالب النساء عن قيم السلام والعدالة والمساواة

وأضافت أنه لو أقدم والدها على قتلها حينها؛ لكان الأمر مبرراً! وأوضحت عبد الصمد أنّ والدها كان غاضباً لكنه صبر، وعلمت، بعد أن فهمت ألمه، أنه أقرب الناس إليها، بعد أن اعتقدت أنه عدو؛ فعند عودة ابنته الطبيبة من الغربة؛ رتّب لأجلها استقبالاً، كان بمثابة إشهار عن عودة ابنته الطبيبة، وأعربت عن شكرها له، مؤكدة أنها لم تكن لتغير موقفها من استكمال دراستها في الخارج.

أدب المكان والإنسان

لم يكن طموح عبد الصمد دراسة الطب، فقد كانت الكتابة، والأدب العربي الأقرب إليها، وخلال دراستها وعملها في الطب لم تكتب شيئاً، إلّا أنَّ دوياً صاخباً ودائماً بقي في رأسها؛ لحد عودتها للكتابة، وكانت البداية من خلال كتابة المذكرات.

في حين أصدرت عبد الصمد روايتها الأولى “بلاد المنافي” عام 2010م، وكان موضوعها قريباً من حكايتها الشخصية، لذلك تحدثت عن الاغتراب، واختيارها للموضوع جاء نتيجة اشتهار سوريا بتصدير عمالة حملة الشهادات بفترة التسعينيات، فذكرت أنها عندما كانت في الجامعة كان زملاؤها الشبان الجميلون والأذكياء والمتفوقون يريدون التوجه إلى ليبيا، أو الخليج؛ للعمل.

وتذكرت أنه في طفولتها كانت نساء الحي يتجمعن في منزل عائلتها؛ لأنه يحتوي على تليفون؛ منتظرات مكالمة من أزواجهن الوافدين إلى لبنان، أو الأردن، أو ليبيا.

غلاف رواية “بلاد المنافي”

وبيّنت عبد الصمد أنها عند العمل على رواية؛ فإنها تضع خطة زمنية في ذهنها، لكن الرواية هي التي تخبرها متى تنهيها، وذلك بعد أن تكون قد قرأت كثيراً، وكتبت عدة مسودات، وأجرت عدة تعديلات ومراجعات، حينها يستوفي الكتاب كل شيء، وتستطيع أن تنهيه بأمانة، وتعيش حزنها الدائم بعد كل كتاب تكتبه؛ لأنها تعيش بعده في خواء كبير.

أما خلال الكتابة، فهي تعيش متعة الكتابة، وتستمتع بالشخصيات التي تشعر بوجودها معها في البيت، وبعد انتهائها من الرواية؛ تعيش وداع الشخصيات، وتعود لحياتها الطبيعية، وتحضّر لكتابٍ تالٍ.

اقرأ أيضاً: أفكارُ ما بين الأدب والطب..

وعن روايتها التي تعمل عليها حالياً، ذكرت عبد الصمد أنها رواية جديدة، تجاوزت فيها نمطها القديم، وبيئتها في السويداء، واعتمدت قضية تشمل الناس بأماكن عديدة من العالم، وأدخلت فيها الطب بشكلٍ أساسي، قائلة: “شعرت أن هناك شيئاً أريد أن أقوله من خلال مهنتي… وعن طريق الأدب يمكن قوله لشريحة كبيرة”، وأضافت أنها من خلال الرواية تقدم معلومات طبية؛ لكن المقصد منها الأدب، موضحة أن الدور الأساسي في روايتها الحالية للإنسان، وليس للمكان.

كما تطرقت عبد الصمد لروايتها “لا ماء يرويها” التي فازت بجائزة “كتارا” للأدب، مشيرة إلى أن تلك الرواية لها مجموعة ظروف، فبعد أن كتبت روايتها “بلاد المنافي” حدثت الثورة، والتحولات في سوريا، ما شكَّل حدثاً كتابياً سبق الروايات التاليات التي لم تكن مقررات، “غورنيكات سورية” (2013م)، “في حنان الحرب” (2015م).

وفي عام 2016م اتضح لها أن المسألة السورية ستطول؛ وحينها اختلف شيء بدخلها، والتفتت إلى ما يشغل ضميرها، فوجدت حكايات المدرسة، والنساء في العيادة اللواتي لا يأتين للعلاج فقط؛ إنما للفضفضة حول ما لا يستطعن قوله لأي شخص آخر؛ بمن في ذلك أزواجهن، فطبيعة مهنة طب النسائية؛ تتطرق لأكثر المواضيع خصوصية بحياة النساء.

غلاف رواية “لا ماء يرويها”

وعند التفاتها لضميرها؛ أدركت أن الحياة فيها ظلم كبير، وذكرت أنها استطاعت الخروج من الشرنقة وتوصيل صوتها، في الوقت الذي لا تحظى فيه نساء بتلك الفرصة، علماً بأن فيهن من الذكاء، والحكمة، والمسؤولية، والإمكانات، والقدرات؛ ما يخولهن من تكوين مجتمع مختلف تماماً، متسائلة: “كيف سيكون هناك أمل إذا كانت المرأة غير متعلمة؟ من أين نأمل بأي تغير منهن؟!” مشيرة إلى أن الناس استنكروا ما جاء في رواية “لا ماء يرويها”؛ لكنها تعتقد أن هذا ما نحن عليه، وهذا ألم النساء!

أنهت عبد الصمد الحوار؛ بحديثها حول طريقتها في معالجة نفسها، مؤكدة أنها عندما تضيق بها الدنيا؛ تلجأ للقراءة؛ لأنها تعيدها للتوازن، إضافة للعمل؛ لأنه قيمة عالية في وجه الفراغ والركود، وأخيراً تتعافى بسماع صوت أحد أحبتها في سوريا.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة