الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةدراساتشؤون دوليةشؤون عربيةمجتمعمقالاتملفات مميزة

الأديان ومعنى الحياة

د. عبد الرحمن بن عبد الله الشقير 

في مقالة بعنوان “أحدث الديانات الكبرى في العالم.. اللادينية” للكاتب غابي بولارد، ونشرتها “ناشيونال جيوغرافيك” (2016)، ، وترجمها “كيوبوست” (2019)، يوضح الكاتب، بطريقة تبدو كأنها مستندة إلى إحصاءات، أن الإلحاد أو اللادينية ستحتل المرتبة الثانية من بين أديان العالم، بعد المسيحية، على الأقل في أمريكا وأوروبا، وهذا على عكس الواقع في إفريقيا السوداء التي يتنامى فيها الدين بشكل سريع، كما يعتقد الكاتب، ويعزو سبب ذلك إلى الأمن المالي والهواتف الذكية.

اقرأ أيضًا: ترجمات: أحدث الديانات الكبرى في العالم.. اللادينية

ومن الواضح أن الكاتب بنى مقالته على موقف مسبق، وقدَّم طرحًا متماسكًا، ولكنه عند التدقيق مستند إلى إحصاءات من الصحف لا إلى إحصاءات من مراكز علمية. كما أنه لا يوجد أي إحصاءات دقيقة ولا حتى تقريبية ترصد الدين أو الإلحاد، وإنما فقط ملاحظات شخصية عن وجود تنامٍ لظاهرة الإلحاد، وهي ملاحظات قد تكون واضحة في وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية؛ نظرًا لأن الملاحدة يمثلون هوية مغيبة في المجتمعات الدينية، ولم تبرز الظواهر والهويات المغيبة إلا مع وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية، التي أتاحت لأصحاب تلك الهويات البروز والتأثير. في حين أن ظاهرة الإلحاد والملحدين لا يخلو منها مجتمع أو زمن، فكل مَن يخرج عن الدين السائد يُصنف بأنه لا ديني وملحد؛ لذلك نتوصل إلى أن توجه الكاتب مبني على انطباع شخصي.

اقرأ أيضًا: الدين والمجتمعات الغربية

للتقنية والهواتف الذكية -وهي من المسائل التي أثارتها المقالة- تأثير كبير على هذه الظاهرة، ولكن يصعب حسم اتجاهات تأثيرها إلا من خلال الملاحظة العامة؛ إذ يمكن للهواتف الذكية وتطبيقات التواصل أن تعيد إنتاج التديُّن، كما يمكن أن تعيد إنتاج الإلحاد؛ لأنها منصة لتدفُّق المعلومات وتبسيطها، ويمكن تسمية ذلك بمصطلح “التدين الافتراضي”، فهي تستخدم من قِبَل فئات واسعة من المتعلمين وغير المتعلمين، ومن المسنين أو ذوي الثقافة الشفاهية ممن لم يُتح لهم الاطلاع الديني من خلال الكتب؛ ليسمعوا ويشاهدوا النشر الديني بالصوت والصورة وجميع اللغات، فضلًا عن نشاط الدعوة إلى الدخول في الأديان، بوصفها رأس المال الديني لدى فئات اجتماعية جديدة. كما أن الدين في آسيا وإفريقيا لا يزال ظاهرة مجتمعية، وليس فردية كما هي الحال في الغرب؛ ومن ثَمَّ فإن نتائج هذه المقالة غير صالحة للتعميم.

اقرأ أيضًا:  سيبقى التفكير الديني مناعةً من الخرافة ومادية العلم

لم يناقش الكاتب أهمية معنى الحياة أو الوجود التي تمنحها الأديان لأتباعها؛ لأن معنى الحياة مفهوم محوري في حياة الإنسان الديني واللاديني؛ لارتباطه بشبكة علاقاته الاجتماعية وبالقيم والأخلاق ومعاني الخير والشر والعدل، وتمتلك الأديان مخزونًا شاملًا يحدد وعي الإنسان بالعالم المحيط به، وتزوده بمعانٍ تفسر له تناقضات الحياة وتخفف عنه ما يتعرض له من مآسٍ وصعوبات، مع أمل تعويض أو انفراج في مستقبل الأيام.

يبدو أن الكاتب تعرَّض لمسألة معقدة بطريقة بسيطة، وتبدو واضحة ويمكن قياسها، وذلك في وقت يناقش فيه العلماء والمفكرون قضايا كبرى؛ مثل: هل تشكل الأديان أيديولوجيا وصراعًا حضاريًّا؟

إذن، الدين مكون أساسي من مكونات العمران البشري، فالإنسان في جميع العصور وجميع الحضارات والمجتمعات القديمة والحديثة كان يبحث عن الإله المقدس. فالدين له حضوره ووظيفته. والذي يظهر أن الذي يختفي من الأديان أو يعاد تشكيله هو ظواهر الطقوس والشعائر المقدسة، والإلحاد نفسه هو ظاهرة دينية.


 ♦ أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود بالرياض

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة