الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

الأحواز.. هوية عربية عمرها خمسة آلاف سنة

المؤرخ المختص بالقضية الأحوازية عادل السويدي استعرض المعاناة التي عاشها سكان منطقة الأحواز إثر الغزو الإيراني منذ 100 عام

كيوبوست

ليس استناداً إلى خبرته كسياسي ومؤرخ مختص في القضية الأحوازية فحسب، إنما من وحي تجربته الشخصية كأحوازي تعرَّض وعائلته إلى القمع من قِبل المخابرات الإيرانية، ظهر مسؤول المكتب السياسي لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، والمؤرخ المختص بالقضية الأحوازية عادل السويدي، في حلقة من برنامج “ساعة خليجية” عبر راديو “مونت كارلو”، واستعرض المعاناة التي عاشها سكان منطقة الأحواز إثر الغزو الإيراني منذ 100 عام.

وبدأ السويدي حديثه عن أقدم حضارة نشأت في منطقة الأحواز؛ حضارة عيلام، وصولاً إلى الإسلام في الأحواز، معتقداً أنه بعد أربعة قرون من وصول الإسلام إلى الأحواز وتحررها من القبضة الفارسية، ازدهرت فيها الحياة الاقتصادية والفكرية؛ فقد ظهر مؤلفون ومفكرون ولغويون، مثل “ابن أبو هلال العسكري” و”سيبويه” وغيرهما.

اقرأ أيضاً: الأحواز… وجود عربي أصيل ومقاومة عمرها مئة عام

لعنات متلاقحة

واعتبر السويدي أن منابع معاناة الأحواز متعددة عبر التاريخ؛ أولها لعنة الجغرافيا، نتيجة لقربها من جبال النار وكمنطقة سهلية قريبة من المياه العذبة، فكانت الأحواز عرضة للزحف السكاني. كما رأى أن الأحوازيين كانوا أول ضحايا الاستشراق؛ خصوصاً مع ظهور النفط فيها كأول منطقة يُكتشف فيها النفط في الشرق الأوسط.

تَلَت ذلك معاهدة “سايكس- بيكو” التي قسَّمَتِ المنطقة، وخصخصت ثرواتها، لافتاً إلى أن الأحواز مرت بعدة مفاهيم سياسية خلال الـ500 سنة الأخيرة؛ كالولاية والممالك، كما أن الوحدة السياسية التي حكمت المنطقة خلال العصر الحديث كانت الدولة المشعشية ثم الدولة الكعبية حتى الغزو العسكري الإيراني- البريطاني.

وأعاد السويدي السببَ وراء ضم الأحواز بعد احتلالها إلى إيران، إلى الصراع الذي احتدم بين الدول الكبرى خلال ذلك الوقت، فبرز السؤال الاستراتيجي الكبير: “كيف نؤبد الحضارة الغربية؟”، وكان الجواب، وفقاً للسويدي، بأنه لا بد من تفريق المشرق العربي عن مغربه وإنشاء كيان غربي؛ الكيان الصهيوني، الأمر الذي دفع الدول المتصارعة للاتفاق في ما بينها على تقسيم المنطقة التي تتوزع فيها الثروات، وفصل السواحل عن الدواخل في الخليج العربي على ضفتَيه؛ ما يضمن السيطرة على النفط، وضمان عدم تشكُّل مجتمعات تتطور لاحقاً.

الأحوازيون كانوا أول ضحايا الاستشراق خصوصاً مع ظهور النفط فيها كأول منطقة يُكتشف فيها النفط في الشرق الأوسط- Getty Images

وأضاف السويدي أن الأحواز كانت أولى ضحايا التقسيم الاستراتيجي، ضمن إطار الشرق الأوسط الكبير الذي بنته عقلية “سايكس- بيكو”، علماً بأن الأحواز كان لديها اعتراف من عصبة الأمم المتحدة، وفي بداية تكوين جيش، معتبراً أن كل الآراء حول كون الأحواز جزءاً من الامتداد الطبيعي للحضارة الفارسية؛ ادعاءات كاذبة وتزوير، وفقاً لما أثبته متخصصون وكتَّاب.

وأكد السويدي أنه لا يوجد ما يثبت أن لإيران حضارة، إنما شكَّل الفرس إمبراطورية عسكرية فقط، حتى إنه لا يوجد مكوِّن للغة عند الفرس؛ بل هي لغة مشتقة من اللغة الآرامية التي كانت متداولة في المنطقة، مشيراً إلى أن 70% من اللغة الفارسية مستمدة من العربية. وبالمقابل، شهدت المنطقة ظهور حضارة عيلام في الأحواز وعاصمتها سوس.

اقرأ أيضاً: تظاهرات الأحواز تزعج النظام في إيران.. فكيف سيتعامل معها؟

هوية عربية

ومن خلال معالم الإنسان في الأحواز، أكد السويدي أن الهوية في الأحواز تمتد لـ5000 سنة، وذلك يُستدل من خلال الزي واللغة والدين، لافتاً إلى أن السكان العرب الأصليين لا يزالون يشكلون إلى اليوم، ورغم التهجير والقمع، الأغلبية العظمى في المنطقة.

وتابع حديثه حول الهوية العربية التي تأثرت بالغزوات الفارسية التاريخية، مؤكداً أن الفرس منذ البداية استهدفوا الإنسان العربي في المنطقة وحرموه من التدريس بلغته الأم، وعملوا على تهجيره واستهدافه، وتغيير أسماء معالم الأحواز التي كانت تُعرف بعربستان.

ورأى السويدي أن المرحلية التي سارت فيها عملية التفريس، آذت الهوية العربية واللغة العربية في الأحواز؛ لكن بالمقابل أسهمت القبائل العربية الموجودة والقريبة من العراق في الحفاظ على اللغة، معيداً السبب في ذلك إلى أنه حينما يتعرض شعب ما إلى غزو ثقافي يلجأ إلى مخزونه وهويته ويتقوقع فيها. وذكر السويدي أن الأحوازيين يتحدثون “العربية” في البيوت وفي الشارع؛ لكنهم محرومون من استخدامها في الدوائر الرسمية.

اقرأ أيضًا: هل تنعش الانتفاضة الإيرانية القضية الأحوازية من جديد؟

واعتبر أن سكان جنوب الأحواز وأولئك القريبين من الضفة الشرقية للخليج العربي، تأثروا بسياسة التفريس أكثر من غيرهم؛ لأن تعدادهم أقل، بينما كانوا يهربون إلى دول الخليج العربي بعد ملاحقتهم من قِبل المخابرات الإيرانية.

الهجرة إلى الدول العربية

وانتقل السويدي إلى الحديث عن هجرة سكان الأحواز إلى دول الخليج والعراق، بسبب التنكيل الذي تعرضوا إليه من قِبل الدولة الإيرانية بعد الثورات التي أشعلوها، معتبراً أن الدول العربية استقبلت الأحوازيين بعد الغزو الإيراني على مضض، باستثناء أبناء أسرة الكعبي الحاكمة والذين رُحب بهم في الإمارات والكويت وغيرهما من الدول، وحصلوا على جنسيات عربية، منوهاً بأن وصول الأحوازيين إلى العراق كان أسهل جغرافياً.

ولفت السويدي إلى أن العراق كان بمثابة الأرض الاستراتيجية للمقاومة الأحوازية، على الرغم من الضغط الإيراني- البريطاني على العراق المتمثل بـ16 اتفاقية فُرضت على العراق؛ كان أخطرها اتفاقية الجزائر عام 1975م، لأنها أدت إلى التنازل عن شط العرب والأراضي العربية في الضفة الشرقية وبعض المناطق العراقية؛ ما قاد إلى تفاقم الأمور وتفريس تلك المناطق، علماً بأن التفريس، وفقاً للسويدي، وصل إلى العراق، معتقداً أنه كان على العراق تأجيل توقيع اتفاقية الجزائر؛ لأن فترة الـ1975م دلت على أن إيران تمر بأزمة داخلية، وبعدها بأربع سنوات سقط الشاه محمد رضا بهلوي.

خريطة الأحواز- أرشيف

كما رأى أن اتفاقية الجزائر هي الأب الشرعي للحرب العراقية- الإيرانية عام 1980م، بعد مجيء “روح الله الخميني”، الذي واجهه الأحوازيون من الداخل، وانكشف زيفه، حسب وصف السويدي، عند قيامه بمجزرة “المحمرة- وعبادان” في الأحواز، التي راح ضحيتها 817 شخصاً خلال 3 أيام، ولم يسلط عليها الضوء، وكانت بمثابة ناقوس خطر دقه الأحوازيون.

تجربة شخصية

كرَّس السويدي حياته لخدمة قضية الأحواز، فقد عانى بشكل شخصي القمعَ الإيراني حاله حال غيره من الأحوازيين؛ ففي عمر الـ18 خسر والده الذي كان معارضاً لسلطات الاحتلال واغتيل على يد المخابرات الإيرانية.

وبعد اغتيال الوالد، غادرت أسرة السويدي الأحواز، ثم إنهم اضطروا إلى العودة، وبدأت معاناة المراقبة اليومية. كما واجه السويدي تضييقات في ما يتعلق باستكماله دراسته الجامعية فور عودته، إلا أنه تمكن أخيراً من دراسة الحقوق باللغة الفارسية، في حين مُنع من المزاولة؛ لأنه لم يدرس المذهب الشيعي! وبعد انسداد الطرق، هاجر ورفاقه إلى هولندا، وهناك عايشوا ظروفاً خطرة؛ خصوصاً أن السويدي مريض بالسكري.

اقرأ أيضًا: عرب “الأحواز” يعانون اضطهاد النظام “الفارسي” وإهماله

كما تحدث السويدي عن مأساة الأحوازيين التي تقشعر لها الأبدان، حسب وصفه، فقد خسر أيضاً أقارب له؛ منهم ابنة ابن عمه التي سلكت طرق هجرة غير شرعية للحاق بزوجها في هولندا، فماتت من برد الجليد وعادت جثة إلى الأحواز. كما تعرَّض أفراد من عائلته إلى الاعتقال والأَسر؛ ففي أحداث نيسان عام 2005م اعتُقل أخوه الأصغر، ثم اعتُقل أخ آخر له في السجون الإيرانية التي وصفها السويدي بأنها سيئة الصيت، وهناك تعرض إلى إهمال طبي كحال معظم أسرى شعبه في سجون إيران.

وفي سبيل دعم القضية الأحوازية، طالب السويدي بإدخال القضية الأحوازية في مناهج تدريس الدول العربية؛ لتشكيل وعي استباقي ولتنشئة أجيال على دراية بالقضية الأحوازية، مؤكداً ضرورة التآزر العميق مع القضية الأحوازية لتشكيل مناعة لردع إيران عن جرائمها وتمددها.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة