الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

الأب جاك مراد لـ”كيوبوست”: مئة عام مضت على بدء التهجير القسري لمسيحيي الشرق

كيوبوست – خاص

يعيش مسيحيو الشرق أوضاعًا صعبة خلال العقد الأخير، وقد طالت عديدًا منهم عمليات التهجير القسري؛ بسبب أعمال العنف التي استهدفت عديدًا من المناطق، خصوصًا في سوريا والعراق.

الأب جاك مراد، رئيس دير مار موسى الحبشي في مدينة النبك السورية، كان أحد الشاهدين على هذه المأساة؛ فقد عاش هو شخصيًّا تجربة صعبة عندما احتجز كرهينة في سجون تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015، وتم احتجازه في مدينة الرقة؛ حيث بقي رهينةً لعدة أشهر غداة سيطرة عناصر التنظيم على مدينة تدمر الأثرية قبل أن يتسنى له الهروب، وكتب كتابًا عن سيرته الذاتية تحت عنوان “راهب في الأسر”.

اقرأ أيضًا: نقص أعداد المسيحيين في قطاع غزة.. تمييز ديني ومعاناة تحت الاحتلال

موقع “كيوبوست” أجرى حوارًا خاصًّا مع الراهب السوري عن واقع مسيحيي الشرق بالتزامن مع الاحتفال بالأعياد المجيدة..

كيف تُقَيِّم وضع مسيحيي الشرق اليوم؛ خصوصًا في العراق وسوريا بعد موجة العنف التي ضربت هذه المنطقة؟

يعود وجود مسيحيي الشرق الأوسط في هذه الأرض إلى بدايات تاريخ المسيحية، قبل نحو ألفَي عام. في المئة عام الأخيرة، تعرض المسيحيون هنا بشكل خاص إلى التهجير؛ صحيح أن الفترات التاريخية السابقة قد شهدت هجرات مسيحية لأسباب عدة، لكنها لم تكن يومًا بهذا الكم وبهذه الطريقة المباشرة.

بدأت حملة التهجير وتفريغ المنطقة من الوجود المسيحي مع الدولة العثمانية التي أقدمت على إبادة مسيحيي تركيا، من مئة سنة تقريبًا؛ خصوصًا إبادة الأرمن، لكنَّ المسيحيين هناك لم يكونوا فقط أرمن، كان يوجد سريان وكلدان وآشوريون، ومختلف المسيحيين، واليوم نشاهد حملة أخرى لتهجير المسيحين بشكل مباشر، مع تفريغ سوريا والعراق والأراضي المحتلة من المسيحيين.. يبدو جليًّا أن كل الضغوط التي تُمارس حاليًّا سياسيًّا واقتصاديًّا تستهدف المسيحيين بشكل خاص؛ لأنها جماعة لا يمكن أن تعيش خارج بحر حرية الفكر والمعتقد.

دير مار موسى الحبشي في مدينة النبك السورية- وزارة السياحة السورية

هناك دعوات دولية لعدم تهجير مسيحيي الشرق والحفاظ على الإرث المسيحي هناك، هل تلقى تلك الدعوات صدًى يُذكر؟

العدد الأكبر من مسيحيي الشرق الأوسط بات اليوم موجودًا في دول أوروبا والقارتَين الأمريكية والأسترالية، والبقية الباقية أو القلة القليلة تعيش في الشرق الأوسط؛ ولو كان هؤلاء قادرين على الحصول على تأشيرات لتلك الدول التي تتمتع بالأمان والاستقرار، لرحلوا منذ زمن بعيد؛ لكن مَن أُجبر على البقاء هم الفقراء غير القادرين على الحصول على فرصة للهجرة، وهذا لا ينفي وجود قسم قليل منهم لديه إيمان وقناعة فردية بأن رب العالمين يريد منهم البقاء في هذه الأرض.

البابا فرانسيس مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في زيارته للإمارات – المصدر: ذا ناشيونال

خطابات ومواقف الكنيسة الشرقية أيضًا لا تساعد المسيحيين على البقاء؛ لأن الصراع الذي بات يعيشه المسيحي هنا اليوم هو صراع حول الهوية والمستقبل، وليست الأسباب اقتصادية أو اجتماعية وإنما أسباب تتعلق بالانتماء، أصبحت هناك شكوك حول الهوية والانتماء؛ لأننا بصراحة لا نشعر بالانتماء إلى هذه الأرض، ما دامت هناك قوميات أخرى مدعومة دوليًّا تطالب بحقها في هذه الأرض وكأنها إرث تاريخي لها وحدها، مع أن هذا الأمر غير صحيح، مع احترامي لكل تلك القوميات وحقها في التعايش على هذه الأرض.

اقرأ أيضًا: التصدي لخطاب الكراهية في إسبانيا.. الذاكرة والثقافة والجذور

ماذا عن الكنائس والأديرة التي تدمرت بسبب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق؟ كيف يتم التعامل من أجل إعادة ترميمها وعودتها إلى سابق عهدها؟

أريد أن أصحح هذه المعلومة، فتدمير الأماكن الأثرية ودور العبادة المسيحية لم يكن فقط على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، بل أيضًا على أيدي قوى أخرى تتصارع على الأرض. حتى أكون صريحًا أنا أُدين كل الأطراف التي تتصارع على هذه الأرض؛ لأنها كلها قد أساءت إلى هذه الأماكن وعمدت إلى تدميرها كما دمرت جوامع وأماكن إسلامية. ثانيًا هناك كنائس في سوريا والعراق قد رممت بفضل المساعدات الدولية؛ ولكن هذا بالتأكيد لا يساعد ولا يغري باقي المسيحيين بالعودة إلى الشرق، لذلك لابد أن تكون هناك آليات أخرى من قِبَل الكنيسة ومن قِبَل الدول نفسها؛ لإقناع الناس بالعودة إلى أرضهم ومناطقهم.

غلاف كتابه “راهب في الأسر”

هذا العام كانت هناك زيارة لافتة لبابا الفاتيكان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، كيف أسهمت هذه الزيارة في تعزيز الحوار المسيحي المسلم في الشرق الأوسط؟

دعوة دولة الإمارات لقداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، ومفتي الأزهر الشيخ أحمد الطيب، لعقد هذه المبادرة وإعلان وثيقة الأخوة الإنسانية، هي مبادرة فريدة من نوعها وتأتي في وقت يحتاج فيه مسيحيو ومسلمو الشرق إلى هكذا مبادرة؛ لأنه وفي خضم الصراع الدائر الذي وظِّف فيه الدين كحجة وكواجهة لهذا الصراع، تأتي مبادرة دولة الإمارات لعقد هذا اللقاء مشكورةً؛ لأنها تظهر للعالم قناعة مفادها أنه لابد من مواجهة العنف بالحوار، ولابد من مواجهة الحقد وخطاب الكراهية بمبادرات على أعلى المستويات، تبرز التوافق وتظهر الأخوة؛ لذلك أعجبني كثيرًا تسمية هذا الإعلان بـ”الأخوة الإنسانية”، لأن رب العالمين خلقنا إخوة في هذا الوجود، ولابد أن نتعايش على أُسس التناغم والتفاهم والحوار، فنحن من كل الأديان أمام الله سواسية، نحن نؤمن بأن رب العالمين هو إله الجميع وخالق الجميع ويريد خلاص الجميع.

اقرأ أيضًا: تناقص أعداد المسيحيين في قطاع غزة: تمييز ديني ومعاناة تحت الاحتلال

ما الذي نحتاج إليه اليوم في هذه المنطقة من أجل عودة التعايش السلمي بين كل المذاهب والطوائف؟

على المستوى السياسي، نحن بحاجة إلى مبادرات تقوم عليها جهات شريفة، ليس لديها أطماع أو مصالح في المنطقة؛ جهات تسعى للمصالحة بين جميع الأطراف على أساس العدل وتخفيف كل آلام الناس التي ظُلمت وتألَّمت وخسرت كل شيء، وبأساليب نزيهة؛ لا تستمد شرعيتها من أصحاب القوة والمصالح.

كما أدعو الدول العربية إلى المسارعة في تقديم تلك المبادرات ودعمها؛ صحيح أننا نحصل على الدعم من دول غربية، لكن الأَولى هو مساعدة الناس في تلك المناطق؛ لا سيما سوريا والعراق؛ خصوصًا دول الخليج القادرة على تقديم الدعم المادي لمثل تلك المبادرات الرامية إلى التخفيف من آلام الناس وتعويضهم عن الخسائر لحقت بهم؛ ليضمنوا العيش بكرامة، وحتى لا يضطر هؤلاء إلى الهجرة وخسارة كل القيم التي تربوا عليها.

مسيحيو الشرق يعيشون أوضاعًا صعبة- وكالات

كلمة أخيرة توجهها إلى مسيحيي الشرق بمناسبة الأعياد المجيدة.

نحن نحتفل اليوم بعيد ميلاد السيد المسيح عيسى ابن مريم، هذا الرسول الذي جاء سلامًا وتعزية للبشرية، جاء حتى ينتشلنا من حالة القهر والشعور بالنقص، جاء حتى يخبرنا بأن رب العالمين قريب ويهتم بخلقه.

أوجه رسالةً إلى المهجرين؛ لا سيما السوريين الذي يعيشون في ظروف صعبة داخل المخيمات وتحت أنواء جوية قاسية.. أريد أن أقول لهم إن يسوع ولد في مغارة ولم يكن يملك شيئًا، وكأنه كان يعبر عن تضامنه معهم في هذه اللحظة، يسوع تغرَّب حتى يجعل من أرضنا وطنًا له، داعيًا أن نعيش جميعًا في أخوة وسلام وأن يحترم بعضنا بعضًا على أُسس العدل والقانون والكرامة الإنسانية.

أرجو أن تكون شجرة الميلاد التي نزينها انعكاسًا لزينة قلوبنا؛ بالمصالحة والرغبة الحقيقية في التعايش بسلام مع كل الأشخاص؛ لا سيما مَن اختلف معنا في معتقده أو توجهه السياسي أو الفكري أو الثقافي.. أتمنى أن نستقبل عامًا جديدًا مع قرارات جديدة تزرع الأمل في قلوب الجميع من أي مذهب أو طائفة أو دين.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة