الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

اغتيال الكلمة.. فرج فودة يتنبأ بمستقبل المنطقة

 كيوبوست

قلبه قاوم الرحيل؛ فعلى مدى ثلاث محاولات إنقاذ أجراها الطبيب مدحت خفاجي، للمفكر المصري فرج فودة، ظل قلبه ينبض، على الرغم من أن دماءه كانت تتدفق كالماء من كل جزء من جسمه، وهو مسجى على أحد أسرة مستشفى “الميرغني”، وبطنه مفتوح، إثر إصابته بـ14 رصاصة غادرة، أطلقها اثنان من الجماعة الإسلامية، اغتالاه ببندقية آلية، وفقاً لما جاء في الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة “العربية”، بعنوان “اغتيال الكلمة.. فرج فودة”.

وبعد المحاولة الثالثة والأخيرة، لاقى فودة مصيره، بعد سلسلة تهديدات تلقاها؛ لأنه انخرط بالميدان الفكري والسياسي، معبراً عن رفضه الدولة الدينية، ومحذراً من الجماعات المتطرفة، وفضَحَ ادعاءاتها عبر مقالات ومقابلات ومؤلفات، بينما كان الحدث الذي دفع بخصومه الإرهابيين لأخذ قرار تصفيته، هو مناظرة شارك بها على هامش معرض القاهرة للكتاب.

اقرأ أيضاً: فرج فودة.. كفرته جبهة علماء الأزهر والشعراوي والغزالي وانتصر فكره بعد موته

المناظرة القاتلة

وصل جمال صلاح الدين، صديق فودة، إلى مكان المناظرة في معرض القاهرة للكتاب، التي عُقدت بتاريخ 8 يناير 1992م، بعنوان: “مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية”. وفي مقابلة أُجريت معه خلال الفيلم، ذكر أن الحشود التي كانت بالمكان لم يرَ لها نظيراً في أي لقاء؛ فنتيجة لكثرة الناس كانت شوارع بأكملها مغلقة.

في خضم الزحمة، عثر صلاح الدين على فودة وسلَّم عليه، كانت يده دافئة ويد صلاح الدين أكثر برودة، في إشارة إلى أن الأول كان مطمئناً. بدأت المناظرة، التي ضمت فريقَين؛ الأول المنادي بالدولة المدنية، ويضم فرج فودة ومحمد خلف الله، أحد أعضاء حزب التجمع، والفريق الثاني يتشكَّل من دعاة الدولة الدينية والخلافة؛ الشيخ محمد الغزالي، ومرشد الإخوان المسلمين مأمون الهضيبي، والكاتب محمد عمارة.

 وخلال المناظرة، طرح فودة أفكاره التي ارتكزت على خيار الدولة المدنية، مفنداً ادعاءات الفريق المقابل، عبر إثبات عدم جدوى الخلافة والدولة الدينية، استناداً إلى التاريخ الذي يثبت فشل التجارب القائمة على أساس الدولة الدينية…

وبهذا السياق ذكر عالم المصريات وسيم السيسي، الذي كانت تجمعه صداقة مع الراحل، وظهر في مقابلة ضمن الفيلم، أن فرج فودة نبَّه، خلال المناظرة، أن كل دولة دينية كانت نهايتها الدمار، والحل الوحيد هو الدولة المدنية، مواجهاً الغزالي باعتراف سابق له يفيد أن 99% من تاريخ الحكم الديني لم ينجح.

أعماله: تنبأ بالمستقبل

لم تكن مناظرة معرض الكتاب هي السبب الوحيد في مقتل فودة؛ فقد انتشر فكره بأسلوبه الساخر ولغته السهلة التي مكنته من الوصول إلى رجل الشارع، عبر مؤلفاته التي كانت موجودة على الأرصفة والمكتبات، إلى جانب مقالاته على ظهر صفحات مجلة “أكتوبر” وصحيفتَي “الأهالي” و”الأحرار”.

اقرأ أيضاً: رحيل نوال السعداوي.. رائدة الدفاع عن حقوق المرأة

واستعرض الفيلم تلك المؤلفات؛ مثل كتاب “قبل السقوط”، الذي لاقى ترحيباً ثقافياً وتفهماً؛ لكنه هوجم من قِبل ما يُسمى بالعلماء والجماعات الدينية والتنظيمات الإرهابية، لأنه لا يخدم مصالحهم، وفقاً لصلاح الدين. وفي الكتاب دعا إلى تصحيح بعض المفاهيم السياسية التي يستخدمها رجال الدين والسياسة، ونقد تجربة الدولة الدينية في السودان.

غلاف كتاب “قبل السقوط”

أما في كتابه “الإرهاب”، يبرز فودة منهج العنف الذي تتبناه الجماعات المتطرفة، ويبرهن على ابتعاد فكرها عن الحوار السلمي. وفي “الحقيقة الغائبة” يتناول رؤاه الفكرية المضادة لجماعة الإسلام السياسي، ويعيد تفسير بعض المغالطات التي رُوجت عن الفكر الإسلامي.

وفي كتابه “نكون أو لا نكون” أهدى فودة الكتاب إلى زملاء ابنه أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده، تصديقاً لما سمعوه من آبائهم عنه. وعلى خلفية كتابه “النذير” دخل فودة في خلاف حاد مع مؤسسة الأزهر؛ فقد صدر أمر بمصادرته، بعد أن وجه نقداً إلى شيخ الأزهر، آنذاك، جاد الحق علي جاد، بعد اتهامه للمدافعين عن الدولة المدنية بالخارجين عن الإسلام؛ الأمر الذي اعتبره فودة خروجاً عن دور الأزهر.

رأى صلاح الدين أنه بعد ثلاثين عاماً، اتضح أن الرجل كان على حق، ويشترك آخرون مع صلاح الدين في رؤيته؛ فوفقاً لما جاء في الفيلم، فقد تجاوزت أفكاره زمنه، وفي كتابه “الإرهاب” خلص إلى أن صناعة الإرهاب ترتكز على الشائعات، والأخبار المغلوطة، معتبراً أن مواجهتها يجب أن تتوازى مع مواجهة الطلقات، محذراً من انهيار الدول ونشر الفتن والانقسامات، وهذا ما حدث بالفعل في السنوات العشر الأخيرة، كما تنبأ بسقوط نظام صدام حسين، ووقوع العراق بيد الميليشيات.

إهداء كتاب “نكون أو لا نكون”

التكفير والاغتيال

في الثالث من يونيو 1992م، أصدرت جبهة علماء الأزهر بياناً، نشرته جريدة “النور” الإسلامية، يفيد تكفير فودة، وصدرت فتوى بتكفيره وقتله من قِبل مفتي الجماعة الإسلامية، عمر عبدالرحمن.

لم يكن ذلك التحريض هو الوحيد؛ فقد وصلت فودة تهديدات متكررة، لدرجة أن ابنته سمر وصفت حياتهم في المنزل، عبر مقابلة صوتية خلال الفيلم، بأنها كانت مختلفة وكلها احتياطات أمنية وتهديدات بالقتل ومخاوف، علماً بأن العداء لفودة لم يكن من قِبل الجماعات الأصولية فقط، إنما من جهة الدولة أيضاً، والتي لم تكن مرحبة به، حسب صلاح الدين.

لكن التهديدات تحققت؛ ففي الثامن من يونيو 1992م، اغتيل فودة على يد عضوَين من الجماعة الإسلامية، كانا يستقلان دراجة، وأطلقا النار عليه أمام جمعية التنوير المصري في شارع “أسماء فهمي”؛ ما أدى إلى مقتله، وإصابة ابنه وصديق كان برفقته وعدد من المارة بجروح.

صور من اغتيال فرج فودة- أرشيف

بكاه صديقه صلاح الدين كما لم يبكِ أحداً، بينما شعرت أخته، راوية فودة، بصدمة منعتها من البكاء، متسائلةً: هل من الممكن أن تثير الكلمة أو التعبير جنون تلك الجماعات إلى هذا الحد؟ وذكرت أنها قابلت عادل إمام، الذي كان صديقاً لفودة، ملقيةً عليه اللوم؛ لأنها وجدت أنهم تركوه وحيداً دون مساعدة، علماً بأن إمام قدم فيلم “الإرهابي” متأثراً بكتاب “الإرهاب”.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في المجتمعالحياة السياسية اليومية.. والعمل الاجتماعي.. والإسلاموية في “مصر مبارك

مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر عام 2012م، أصدر الرئيس الأسبق محمد مرسي، قرارًا بالإفراج عن مجموعة مساجين؛ كان بينهم “أحمد أبو العلا عبد ربه” أحد قتلة فودة، والذي وفَّر السلاح للمنفذين، وفي 2017 لقي مصرعه في سوريا، التي كان قد توجه إليها كقائد لأحد التنظيمات الإرهابية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة