الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربية

اشتباكات شبوة.. هل حانت نهاية الإخوان في اليمن؟

كشفت المواجهات الأخيرة عن شعور عميق لدى الإخوان باقتراب نهايتهم.. إذ شعروا أن نفوذهم وسلطتهم في طريقهما للتقلص

كيوبوست

تكشف الاشتباكات الأخيرة التي وقعت في محافظة شبوة عن حجم الخلاف الكبير بين طرفَين مؤيدَين للحكومة الشرعية، وصعوبة الالتقاء حول هدف مشترك واحد بينهما،  أو التخلي عما تعتبره الأطراف المختلفة “نضالاً” من أجل تحقيق أهدافها وتطلعات جماهيرها.  

وعلى الرغم من تلك الحقيقة الجوهرية الواضحة؛ فإن هناك حقيقة أخرى يجب تأكيدها أيضاً قبل كل شيء؛ وهي خطورة أن يتعدى الحزب السياسي دوره وحجمه الحزبي؛ ليصل إلى دور يهدد أمن واستقرار البلد بشكل دموي مهول، وهو ما يتجلى بوضوح في تصرفات حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن.

منشأة بلحاف الغازية.. محافظة شبوة- TOTAL

اندلعت الاشتباكات الأخيرة في محافظة شبوة بين قوات دفاع شبوة والنخبة من جهة، والقوات الخاصة من جهة أخرى. يوالي كلا الطرفين الحكومة المعترف بها دولياً؛ لكن الأخيرة محسوبة على حزب الإصلاح، بينما تمتلك قوات دفاع شبوة والنخبة الشبوانية تاريخاً من حُسن التعاون مع التحالف العربي بقيادة السعودية، لذلك فهي غالباً ما تُتهم بالولاء لـ”الإمارات” التي أخذت على عاتقها جهود تدريب ودعم هذه القوات عند تكوينها لمحاربة الحوثي و”القاعدة” ضمن خطة التحالف والحكومة الشرعية، وذلك بسبب تفكك الجيش وعدم قدرته على خوض حروب غير تقليدية مع المتمردين والجماعات الإرهابية.

اقرأ أيضاً: إخوان اليمن نحو مزيدٍ من التصعيد في عدن

وُجدت الاتفاقيات والتفاهمات الأحدث في اليمن، مثل اتفاق الرياض وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لجمع الأطراف المتنافرة في الأزمة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين. كان ذلك خطوة مهمة وعظيمة لفحص النيَّات، والتي تعد الاشتباكات الأخيرة أحد أهم اختباراتها.

التوقيع على اتفاق الرياض – أرشيف

لا شك أن الأحزاب السياسية تعد جزءاً أساسياً من الحكم وإدارة احتياجات ومطالب المواطنين في كثير من البلدان؛ ولكن هذا ليس هو الحال دائماً، إذ يعلمنا تاريخ الأحزاب أنها قد تنحرف أحياناً عن الديمقراطية، أو تصبح فاسدة، أو تدخل في صراعات مع مجموعات أخرى، مما يهدد استقرار الدولة وأمنها؛ الأمر الذي يستدعي تدخل الدولة بحزم شديد.

شرارة الصراع

سيطر الإخوان المسلمون لبعض الوقت على محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، من خلال محافظ موال لحزب الإصلاح. سعى المحافظ لإقصاء الأطراف الأخرى في الإدارات العامة والأمنية والعسكرية، وأوجد له نفوذاً كبيراً من خلال أولئك الموالين. لكن ذلك لم يستمر طويلاً؛ إذ تم تغيير المحافظ، بن عديو، بعد تعالي الأصوات الشعبية والقبيلة التي اشتكت التهميش والانفلات الأمني والفساد.

محافظ شبوة السابق بن عديو- أرشيف

وعلى الرغم من أنه قد استُبدل بالمحافظ آخر مستقل حزبياً؛ فإن الموالين للحزب والمحافظ السابق بقوا في السلطة، ومن بينهم القوات الخاصة، والتي يُزعم أن قائدها، عبدربه لعكب، كان أحد عناصر تنظيم القاعدة الذي استعانت به القوات العسكرية الموالية لحزب الإصلاح في معارك ضد الحوثيين، حسب بعض المصادر.

سعى المحافظ الجديد، عوض بن الوزير، إلى تنظيم الملف الأمني والعسكري في المحافظة عملاً باتفاق الرياض والتدابير الأخرى الرامية لتوحيد القوى وتقليل الاحتكاك بينها؛ لكن تلك الإجراءات قُوبلت بتمرد القوات الخاصة واندلاع الاشتباكات بينها وبين القوات التي لا تزال موالية للسلطة المحلية والحكومة الشرعية.

محافظ شبوة المعين حديثاً عوض الوزير وسط الحشود- أرشيف

كشفت المواجهات عن شعور عميق لدى الإخوان باقتراب نهايتهم؛ إذ شعروا أن نفوذهم وسلطتهم بدآ يتقلصان، وقد تزامن ذلك مع ظهور وانتشار أخبار وتقارير تفيد توجه الحكومة عموماً لتقليص نفوذ الإخوان المسلمين في اليمن، من خلال الاستبدال بالمحافظين ومديري العموم وغيرهم من المسؤولين الموالين للإخوان، آخرين من أحزاب أو أطراف أخرى.

اقرأ أيضاً: وثائقي عن حرب اليمن يقلب الحقائق ويلعب على التناقضات!!

أدت تلك التصورات لدى الإخوان والخلافات على الأرض إلى زيادة التوتر سريعاً، وزيادة حدة الصراع الذي وصل إلى تبادل كثيف لإطلاق النيران ومداهمات وأوامر توقيف عن العمل بحق بعض من قادة القوات الخاصة؛ ومن أبرزهم عبدربه لعكب.

الإعلام والأحداث تكشف النيَّات

صوَّر إعلام الإخوان الأحداث في البداية على أنها صراع بين القوات “المدعومة إماراتياً” والقوات “الحكومية”، وذلك عندما رفض قائد القوات الخاصة الأوامر الصادرة عن السلطة المحلية واندلاع المواجهات؛ لكن عندما قرر مجلس القيادة الرئاسي لاحقاً تأييد أوامر السلطة المحلية وتأكيد إقالة لعكب، تغيرت معه سريعاً لهجة الإعلام، وبات إعلام الإخوان يصف مجلس الرئاسة بأنه “فاقد للشرعية” حسب ما ورد على لسان توكل كرمان مثلاً، ووصف مساندة التحالف العربي لقمع المتمردين على الأوامر بأنه “جريمة حرب مكتملة الأركان وتعدٍّ على السيادة” حسب تصريح عن عديو كمثال آخر.

تظهر تلك التصريحات، ومن قبلها التمرد على أوامر السلطة المحلية وقيادة المجلس الرئاسي الذي يعد أعلى سلطة في البلاد، أن الإخوان المسلمين يبذلون محاولات مستميتة للحفاظ على ما أمكن من نفوذ وسلطة، حتى وإن تطلب ذلك الانقلاب على الحكومة والعمل ضدها؛ بما في ذلك السلاح وقوة الجيش الذي يوالي جزء منه حزب الإصلاح.

ليس مجرد حزب سياسي

لا يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح حزباً سياسياً فحسب، ولم ينشأ أساساً -في الواقع- كحزب سياسي، بل هو تجمع لعدد كبير من المصالح القبلية والشخصية والعسكرية، وهو بالتالي شريك فاعل في الجيش والأمن والقطاع العام والحكومة.

عبدالله بن حسين الأحمر مؤسس حزب الإصلاح في اليمن- أرشيف

خلال العقود القليلة الماضية، نما الحزب حتى أصبح قوياً بما يكفي للسيطرة على الحكومة، وليس مجرد أداء دور حزبي يتمثل في مراقبة وفحص سياسات وسُلطة الحكومة. سلبت تلك السيطرة فعلياً سُلطة الشعب، التي باتت في يد المتنفذين وقادة الحزب، ولم يعد لفكرة “الديمقراطية” المزعومة أي وجود. وبطبيعة الحال، زادت الحرب والصراع الخرقَ اتساعاً.

تسببت سيطرة حزب الإصلاح؛ خصوصاً بعد تراجع قوة حزب المؤتمر الحاكم، في الفساد وإساءة استخدام السلطة. وأصبح الحزب تهديداً للدولة مع تزايد شدة الاستقطاب. كما أصبحت الأحزاب والأطراف الفاعلة الأخرى غير قادرة على العمل مع الحزب؛ مما أدى إلى الجمود والخلل الوظيفي.

أدى كل ذلك إلى حراك شعبي قوي في العديد من المحافظات ضد الحزب؛ إذ بات الكثير من الجماهير يعتقد أن الحزب يشكل تهديداً لاستقرار الدولة المنهارة أصلاً، وسعى كثير من المجتمعات إلى المطالبة بالحد من سلطة الإخوان المسلمين أو حتى القضاء على الحزب تماماً، وتُعد محافظة شبوة أحد أوضح الأمثلة على ذلك الحراك، والذي تبين من خلال العديد من البيانات القبلية والاحتجاجات وغيرها من أشكال المطالبات الشعبية.

هل حانت النهاية؟

غالباً ما يتم الحديث عن فوائد الأحزاب السياسية؛ لكن الحديث عن المساوئ مهم أيضاً؛ وليس أدل على ذلك مما يجري في اليمن. فكما أثبتت التجارب في الكثير من بلدان العالم، يمكن أن تنخرط الأحزاب أحياناً في صراعات على السلطة، مما قد يؤدي إلى الانقسام والتنافر.

اقرأ أيضاً: هل توشك قنوات الإخوان في اليمن على الزوال؟

علاوة على ذلك، يمكن أن تمثل الأحزاب اهتمامات ومصالح خاصة أو مصالح مجموعات الضغط؛ مما يعني أن المواطن العادي قد لا يكون له دائماً رأي في كيفية إدارة بلده. يصبح الأمر أكثر سوءاً عندما يكون الحزب مرتبطاً بتنظيم عالمي ذي توجهات متطرفة كما هي الحال مع حزب الإصلاح في اليمن.

في مثل تلك الحالات، يصبح تدخل الدولة بشكل حازم مهماً للحفاظ على وجودها واستقرارها، ويمكن أن تشمل الإجراءات التي يمكن اتخاذها الحظر أو الرقابة أو الإقصاء. قد تتصرف بعض الدول أحياناً خارج إطار القانون كما حدث سابقاً في اليمن لأعضاء الحزب الاشتراكي بعد الوحدة مثلاً، والذي تم بمساهمة وتأييد أيضاً من حزب الإصلاح نتيجة تهديدات متصورة. فهل يخشى الحزب الآن انقلاب الزمن عليه، ويسعى لاستباق نهاية مؤسفة؟ هذا ما يظنه بعض المراقبين على الأقل.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة