الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية

استشراف المصالحة بين ضفتي الخليج… الفرص والتحديات

كيوبوست- إبراهيم المقدادي

بلا شك، في حال التزمت إيران بتعهداتها ببنود اتفاق المصالحة مع المملكة العربية السعودية، وصدقت في نواياها المعلنة، فإن تغييراتٍ إيجابية ستطرأ على المنطقة بأكملها ضمن محددات ومتغيرات تفرضها الحالة الأمنية والسياسية الجديدة على كافة المجالات وخاصة الأمنية والاقتصادية، وسيكون لهذه الاتفاقية، التي قوبلت بردود فعل دولية واسعة، آثار ونتائج إقليمية ودولية ومعاني استراتيجية كبيرة.

ولكن يبقى استشراف مستقبل هذه الاتفاقية مرهون بمدى التزام وجدية الدولة العميقة في إيران، (والمقصود هنا بيت المرشد والمؤسسات الدينية ومؤسسة الحرس الثوري وذراعها الخارجية فيلق القدس) بتعهدات الحكومة الإيرانية، والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إزاء هذه الاتفاقية، وخاصة أنه حتى الآن لم يصدر أي بيان أو تعليق من هذه المؤسسات حول هذا الاتفاق، إضافة إلى قدرة الصين على ضمان هذا الاتفاق.

اقرأ أيضًا: عودة العلاقات السعودية الإيرانية

مرونة في حلحلة الأزمات الإقليمية

رغم تأخر إحياء العلاقات الإيرانية السعودية بسبب وجود شك وانعدام ثقة بين الجانبين؛ لكنها ستكون بشرى سارة للبلدين والمنطقة، لأن خفض التوتر بين إيران والسعودية ستظهر آثاره الإيجابية من سوريا ولبنان إلى اليمن، وقضايا إقليمية أخرى، ويمهد الطريق أمام معالجة سلمية وسريعة لهذه الأزمات ونقلها إلى نقطة الانفراجة، ما سيزيد من الاستقرار الإقليمي.

في الخطوة الأولى، وعلى الصعيد السياسي، على البلدين أن يقررا عزمهما على حل الأزمة في اليمن، وإظهار نتائج الانفتاح الجديد في أقرب وقت ممكن بإنهاء الحرب في اليمن، وتشكيل حكومة وطنية مركزية فيه، فالتطورات المستقبلية في اليمن مؤشر مهم وحاسم لمستقبل العلاقات السياسية بين إيران والسعودية، إذا حدثت تطورات إيجابية وتطلعية في اليمن، فيمكن أن نأمل في تعميق وتوسيع الجولة الجديدة من العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، يجب أن يظهر هذا النهج التفاعلي أيضاً في الأزمات الإقليمية الأخرى في العراق وسوريا ولبنان.

إن إحياء العلاقات الإيرانية البحرينية، وكذلك توسيع العلاقات السياسية مع الإمارات العربية المتحدة مهمان أيضاً في هذا السياق، على الصعيد الإقليمي، لا ينبغي التغاضي عن تأثير هذا الحدث على العلاقات بين إيران وإسرائيل، بطبيعة الحال، فإن هذا الحدث يلقي بظلاله على علاقات إسرائيل بدول المنطقة، ويقلِّل في الوقت نفسه من قدرة إسرائيل على المناورة ضد إيران، ويمكن أن يكون هذا في صالح إيران.

لقاء مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد مع نظيره الإيراني علي شمخاني

تحجيم الأيديولوجية الإيرانية

هذا الاتفاق من شأنه أن يسهم في تغيير نهج الحكومة الإيرانية من منظورٍ أيديولوجي إلى منظورٍ موجه نحو التنمية، ودفعها إلى التعامل مع دول المنطقة من منطلق دولة طبيعية لا ثورة تسعى إلى اختراق الأنظمة والشعوب، بمعنى أنه يمكن أن يكون إحياء العلاقات الإيرانية السعودية خطوة إيجابية، ونقطة انطلاق لتغيير نهج إيران في السياسة الخارجية لتبني استراتيجية تنموية في علاقاتها الخارجية.

منافع اقتصادية

في إشارةٍ إلى الاتفاقية السياسية والأمنية بين إيران والمملكة العربية السعودية، قال رئيس معهد دراسات الطاقة الدولية محمد صادق جوكار: يبدو أن الخطوة الثانية من هذه الاتفاقية يجب أن تتخذها المؤسسات الاقتصادية والبنية التحتية والاجتماعية في البلاد لزيادة التعاون الاقتصادي الفعال، مؤكداً ضرورة توسيع الاتفاق الأمني ​​والسياسي بين إيران والسعودية ليشمل مجالي الاقتصاد والطاقة.

الميزة التالية للاتفاق بين البلدين هي خلق منظور ملائم لحل سلمي وتعاوني لتحديات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، ففي حال تراجع التوتر السياسي بين إيران والسعودية، فإن ذلك سيفسح الطريق لخلق شبكات إقليمية متقاربة في الشرق الأوسط، وإمكانية الوصول إلى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وتسهيل عمليات التبادل التجاري الإقليمي والعالمي، الأمر الذي سيخلق جواً استثمارياً أكثر تفاؤلاً بالنسبة للشركات العالمية.

جاء الاتفاق بعد مفاوضات ماراثونية ممتدة

تقليص الأنشطة الإرهابية في المنطقة

إن التزام إيران بهذه الاتفاقية، ووقف دعمها للجماعات والميليشيات المتطرفة والإرهابية في المنطقة، من شأنه أن يحد من أنشطة هذه الجماعات، وتهديدها لأمن واستقرار الإقليم، وطرق الملاحة البحرية والتجارية الهامة لاستمرار عملية التبادل التجاري بين الشرق والغرب.

مشروعات مستقبلة

1- أظهرت المبادرة الجديدة إمكانية الانتقال من اتفاقٍ ثنائي إلى اتفاق متعدد الأطراف، أي أنه من الممكن تحسين علاقات إيران مع بعض الدول مثل مصر والأردن، وبالإضافة إلى خفض التصعيد بين طهران والرياض، تُقترح أيضاً فكرة عقد اجتماع إقليمي بحضور ممثلين عن دولٍ عربية أخرى في الخليج العربي، والتي إذا نضجت ثمارها ستصبح نقطة تحول مهمة في سياسة الشرق الأوسط.

2- أوضح هذا الاتفاق وجهة نظر الصين الجديدة بشأن قضية غرب آسيا، حيث تحتاج بكين إلى الاستقرار والأمن في المنطقة لتجاوز المرحلة الحالية، وأكد الجانب الصيني خلال زيارته للسعودية، وأثناء زيارة الوفد الصيني إلى إيران، وأثناء زيارة رئيسي لبكين، على إنشاء آلية أمنية لتدفق الطاقة التي يمكن أن تمر عبر مضيق هرمز.

3- إن ولادة نظام أمني جديد في المنطقة على أساس قواعد الجوار، وبضمانات صينية، ومباركة روسية، يفتح الطريق أمام عقد صفقات اقتصادية وإقامة تعاونات تجارية ضخمة بين دول المنطقة والاقتصاديات العالمية الكبرى، من خلال منح امتيازات متبادلة ستقود على الأرجح إلى تأسيس منظمات وكيانات جديدة تعزز من مكانة الإقليم عالمياً.

4- يعتقد بعض الخبراء السياسيين أن الاتفاق بين السعودية وإيران قد تم في وقتٍ تتزايد فيه الحركات لعودة أمريكا إلى طاولة المفاوضات النووية وإحياء الاتفاق النووي، وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد أظهرت أن مصالح حلفائها العرب يجب تأمينها في اتفاق محتمل مع إيران، فإن الاتفاقية مع السعودية يمكن أن تفتح العقدة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة إلى حد ما.

5 – أظهر هذا الاتفاق رغبة المنطقة في الاستقرار والاتفاق في جو مسؤول، حيث تريد دول المنطقة أن تحل المشكلات الإقليمية من فلسطين إلى لبنان، ومن سوريا إلى اليمن، من خلال “التفاهم البيني الإقليمي”، وأن تسد الطريق أمام تدخل القوى التي تنظر في الخلافات بين دول المنطقة على أنها ضرورة استراتيجية لمصالحها، وبهذا الأمر يمكن للقوى الآسيوية أن تغير المنطق الذي يحكم النظام الدولي، وتعمل على إرضاء الأطراف المختلفة، وهذه هي المعادلة المربحة للجانبين التي يتجنبها الغرب.

اقرأ أيضًا: أسئلة حول الاتفاق السعودي- الإيراني

مدى قدرة الحكومة الإيرانية على ضبط أنشطة الحرس الثوري

رغم اندماج غالبية الرأي العام والإعلام المحلي الإيراني في رؤية واحدة تبلورت في قالب التفاؤل والإشادة فور الإعلان عن الاتفاق، مع وجود تباين وفروقات طفيفة في الرؤى، فإن اللافت الأهم كان عدم اكتراث وقلة اهتمام الحرس الثوري، وجبهة الصمود، والتيار الأكثر تشددا في إيران تجاه هذه الاتفاقية، فلم يصدر عن أي قيادة من هذه المؤسسات تصريح أو ترحيب، كما كان تناول وسائل إعلامها للموضوع متواضعاً جداً لدرجة عدم الاهتمام، ولم يصدر حتى الآن أيضاً أي تعليق من قبل بيت المرشد أو رجال الدين النافذين.

ونظراً لهيمنة ونفوذ الحرس الثوري داخل وخارج إيران، باعتباره سلطة لا سلطة عليها، ويضم مؤسسات موازية لمؤسسات الحكومة، فإن أمر التزامه بهذا الاتفاق يبقى في غموضٍ وشك، ويعتبر أكبر تحد وعائق أمام نجاح هذه المصالحة، لا سيما وأن له تاريخاً حافلاً في تجاوز التعهدات الحكومية والإصرار على أنشطته التخريبية في المنطقة.

الصحف الإيرانية تحتفي بالاتفاق مع السعودية

السجل التاريخي للمنافسة والتوترات

بالنظر إلى تاريخ التوترات المتكررة بين إيران والمملكة العربية السعودية، على الرغم من استعادة العلاقات بشكلٍ كامل، فإن هشاشة العلاقات بين البلدين ستكون عالية جداً؛ لذلك، فمن أجل تحقيق الاستقرار والثقة في العلاقات بين البلدين، من الضروري أن تمنع طهران والرياض انهيار العلاقات مرة أخرى من خلال إدارة التوترات، وفهم الحساسيات الخاصة الناتجة عن التجربة التاريخية في العلاقات بين البلدين.

فمثل هذا الاتفاق ربما لا يكون نهاية المنافسة المتجذرة بين البلدين، وفتح السفارات لن يقضي بالضرورة على التوترات كافة، لكنه على الأقل سيقلِّل من مستواها فقط، فلا تزال المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى في الخليج تُعتبر حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة، ولديها استثمارات متبادلة كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن منافسة إيران مع جيرانها العرب في الخليج العربي متجذرة في الأولويات الجيوسياسية للنظام الإيراني، الذي يرتبط جزء منه بالفكر الأيديولوجي، وأبعاد سياسة إيران الخارجية، وجزء منها مستقل عن النظام الحاكم.

معارضة بعض الأطراف الإقليمية والعالمية

رغم أن هذا الاتفاق سيصب في مصلحة الطرفين والمنطقة عامة، فإنه يجب تثبيته وكبح جماح أي تحديات قد تواجهه، وخاصة أنه لن يلقى رواقا من قبل بعض الأطراف الإقليمية والعالمية وخاصة إسرائيل، وكتبت بعض الدوائر السياسية والإعلامية الغربية أن هذا حدث له عواقب وخيمة على الغرب، وإشارة إلى دخول العالم حقبة جديدة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

إبراهيم المقدادي

باحث في الشأن الإيراني

مقالات ذات صلة