الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

اختراع الآلة الكاتبة.. قفزة في نشر المعرفة

كيوبوست

ربما لو عُرضت على أفراد من الأجيال الجديدة لن يتعرفوا عليها؛ إنها الآلة الكاتبة التي مرت بعدة محاولات من قِبل مخترعين لتظهر أخيراً إلى العلن في ثمانينيات القرن التاسع عشر، والتي شكَّلت ثورة معرفية عندما جعلت الكتابة أوضح وأسرع وأدق، وأَثْرت في إنتاج كتَّاب عالميين؛ على رأسهم المؤلف الأمريكي إرنيست همنغواي، الذي عُرف عنه اعتماده عليها لينتج لنا رواياته الخالدة، كـ”العجوز والبحر” و”وداعاً للسلاح” و”لمَن تقرع الأجراس”.. وغيرها.

واحتفاء بالكتابة عبر الآلة بشكل عام، جرى الاحتفال في الثامن من يناير عام 2011م لأول مرة، باليوم العالمي للكتابة عبر الآلة في ماليزيا، ليصبح الاحتفال بذلك اليوم سنوياً؛ بهدف تعزيز السرعة والدقة والكفاءة في الاتصال الكتابي بين الجمهور.

ويسرد التقرير التالي تاريخاً موجزاً لاختراع الآلة الكتابة؛ لأن الكتابة عبر الآلة بدأت فعلياً مع اختراع الآلة الكاتبة؛ جهاز ميكانيكي يعمل يدوياً عبر الضغط على أزرار الآلة، والتي تكون (الأزرار) مرتبطة بأحرف ثلاثية الأبعاد ومحبَّرة ومركبة على مقابض معدنية رفيعة ومتراصة داخل الآلة، بينما تطبع الأحرف على ورقة يتم إدخالها مسبقاً ببكرة الآلة بمجرد الضغط على الأزرار.

مقابض الحروف داخل الآلة الكاتبة- flickr

جهود مخترعين

كغيرها من الاختراعات، لم ترَ الآلة الكاتبة النور بفضل جهد عالم واحد فقط، فعلى الرغم من أن أول آلة كاتبة عملية اخترعت عام 1876م وجرى تسويقها بالفعل عام 1873م، كانت تلك التي صممها المخترع الأمريكي كريستوفر شولز؛ فإن الفكرة نُفذت من قبل على يد المهندس البريطاني هنري ميل، الذي منحته الملكة آن، ملكة إنجلترا، في 7 يناير 1714م، براءة اختراع؛ لابتكاره أول آلة كاتبة في التاريخ، لم يبقَ منها شيء، لا التصميم ولا أي وصف.

اقرأ أيضاً: لماذا حرّم السلاطين العثمانيون استخدام الآلة الطابعة؟

تَلَت آلة ميل أول آلة كاتبة صُنعت في الولايات المتحدة، ونسبت إلى المستكشف والسياسي الأمريكي ويليام أوستن بيرت، الذي طوَّر آلته الكاتبة عام 1828م، ووقع الرئيس أندرو جاكسون على براءة اختراعه في نفس العام؛ لكنها اتسمت بالبدائية وأطلق عليها حينها “الطباغرافيا”، وكما آلة ميل لم يبقَ أثر من آلة بيرت، فالنموذج الوحيد لها دُمر في حريق مكتب براءات الاختراع في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 1836م.

كريستوفر شولز- studies weekly

كما عرض عدة أشخاص نسخهم من الآلات الكاتبة؛ من بينهم رجل الدين البرازيلي فرانسيسكو جاو دي أزيفادو، الذي صنع آلته الكاتبة من الخشب، بينما اعتمد على السكاكين كمقابض للحروف، وفي عام 1870م ابتكر القس الدنماركي راسموس مالينغ هانسن، آلة كاتبة على شكل نصف كرة تحمل أزرار الأحرف، وأسفلها تثبت الورقة، لكنَّ أياً من تلك الاختراعات لم يتمكن من شق طريقه إلى السوق.

الآلة الكاتبة إلى السوق

تميزت آلة شولز بأنها كانت عملية بالقدر الكافي الذي مكنها من النزول إلى السوق، فقد تم إنتاج أول نموذج تجاري لها عام 1873م، لصالح شركة ريمنغتون، ولأن الشركة في ذلك الوقت كانت تصنع آلات خياطة، نتج تصميم مهجَّن للآلة الكاتبة التي كانت مثبتة على حامل ماكينة خياطة، ومزودة بدواسة قدم.

نموذج أول آلة كاتبة- Early office museum

وكان من أوائل من اقتنى الآلة الكاتبة وأعجب بها، الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين، وهو أول مؤلِّف يقدِّم مادة مطبوعة على الآلة الكاتبة لناشر.

بعد فترة قصيرة من إنتاج الآلة الكاتبة الشبيهة بآلة الخياطة، تمت إزالة دواسة القدم واستبدال جزء مُركَّب على الآلة نفسها بها، ثم فقدت شكل آلة الخياطة تماماً عندما ظهر إصدار جديد يوضع على سطح المكتب، بحجم أصغر قليلاً؛ لكنه ليس أخف كثيراً.

اقرأ أيضاً: التلفاز.. الجهاز الذي تنافس على ابتكاره عديد من العلماء

بعد آلة شولز، تم تقديم وتسويق العديد من الآلات الكاتبة، ومع ذلك لم تطرأ تطويرات عديدة عليها باستثناء بعض التحسينات؛ أهمها إنتاج آلة كاتبة تضم خاصية الأحرف الصغيرة إلى جانب الأحرف الكبيرة، ضمن طراز ريمنغتون 2 عام 1878م.

كرات الآلة الكاتبة الكهربائية- Early office museum

الآلة الكاتبة الكهربائية

بقيت جميع الآلات الكاتبة حتى عام 1910م متشابهة إلى حد كبير، حتى ظهور فكرة تحويلها إلى آلة كهربائية، وبناء عليه ظهرت عدة نماذج كهربائية، كان أبرزها تلك التي قدمتها شركة “IBM Selectric” في عام 1961م، علماً بأن المخترع الأمريكي توماس أديسون، حاول صنع آلة كاتبة كهربائية مع ظهور اختراع شولز ونجح بالفعل؛ لكن جهازه كان مكلفاً جداً ويحتاج إلى جهود كبيرة.

أما نسخة “IBM Selectric” الكهربائية، فقد تميزت بأنها تخلت عن مقابض الحروف، التي كانت غالباً ما تتشابك وتتعطل بفعل سرعة الكتابة، وجرى استبدال كرات معدنية تحمل الأحرف بها، تدور وتميل إلكترونياً حسب ضربات الكاتب على أزرار الحروف، الأمر الذي زاد من كفاءة وسرعة الكتابة، كما تميزت الآلة الكاتبة الكهربائية بإمكانية إزالة الكرات واستبدال أخرى بها لتغيير الخطوط.

استُخدمت الآلات الكاتبة على نطاق واسع خلال الخمسينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت أجهزة الكمبيوتر في الانتشار ضمن نطاق الاستخدام الشخصي، واعتبرت خليفة للآلات الكاتبة، التي تلاشى استخدامها تدريجياً بمرور الزمن في ظل تطور الحواسيب، مع ذلك ظلت الآلة الكاتبة لعدة قرون مضت عنصراً حيوياً في عملية التواصل الكتابي، وأسهمت في نشر المعرفة الإنسانية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة