الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

احتجاجات فرنسا تتوسع… مخاوف من “العنف المفرط” ودعوات إلى حل وسط

جيهان جادو لـ"كيوبوست": جزء من التصعيد في التظاهر هو انعكاس لحالة العناد بين المنظمات العمالية وبعض القوى السياسية من جهة؛ والحكومة من جهة أخرى، ترتيباً للانتخابات الرئاسية المقبلة

كيوبوست

 امتدتِ الاحتجاجاتُ في فرنسا إلى عددٍ كبير من المدن التي انضم سكانها إلى المتظاهرين، تلبيةً لدعوة ممثلي النقابات الوطنية، بهدف الضغط على الحكومة، لسحب القانون الجديد الذي أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دخوله حيز التنفيذ قبل نهاية العام الجاري.

يأتي ذلك بعد أيام من توسع الاحتجاجات في العاصمة الفرنسية، باريس، على خلفية رفض المشروع الحكومي بتمديد سن التقاعد عامين، ليكون 65 عاماً بدلاً من 63 عاماً.

اقرأ أيضاً: فرنسا في قبضة الغضب

وتصاعدت حدة التظاهرات ووصلت لمناطق هادئة بشكلٍ كبير على غرار مدينة مونتارجيس الواقعة في شمال وسط فرنسا والتي رفع سكانها شعارات مناهضة للقانون بأكبر تظاهرات منذ 17 عاماً. وتساءل المحتجون: “هل يتحتم علينا الموت في مواقع عملنا؟”.

 يتزامن ذلك مع انطلاق سلسلة واسعة من المشاورات، تقودها رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن، تمتد على مدى ثلاثة أسابيع، مع نواب الأحزاب السياسية، ومسؤولين محليين وشركاء اجتماعيين “إذا أرادوا ذلك”.

اقرأ أيضاً: فاينانشيال تايمز تتساءل: هل فرنسا في طريقها إلى الجمهورية السادسة؟

وبحسب إعلان وزارة الداخلية الفرنسية فإن تظاهرات الثلاثاء الماضي شهدت مشاركة 740 ألف متظاهر في 240 مسيرة بمختلف أنحاء البلاد، منهم 93 ألف متظاهر في العاصمة باريس فقط، فيما قدر الاتحاد العام للعمال أعداد المتظاهرين في العاصمة وحدها بنحو 450 ألف متظاهر. وسجلت الداخلية عدداً قياسياً للمشاركين في الاحتجاجات يوم 7 مارس قدرته بـ 1.3 مليون متظاهر.

شهدت التظاهرات اشتباكاتٍ بين الشرطة والمحتجين

 

مخاوف من “العنف المفرط”

شهدت التظاهرات اشتباكاتٍ بين محتجين والشرطة الفرنسية التي أوقفت المئاتِ بسبب الاشتباكات التي خلفت مئات المصابين، بحسب تقديراتٍ رسمية، وسط اتهامات للشرطة الفرنسية باستخدام العنف، وهو ما دفع منظماتٍ حقوقية للإعراب عن قلقها من “الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين”.

ونشر موقع إذاعة مونت كارلو الفرنسية تحليلاً مستفيضاً حول التحركات الشعبية التي تزايدت اعتباراً من 23 مارس الماضي، مؤكداً أن السلطة التنفيذية باتت منعزلة وضعيفة، وأن البرلمان مشتت والبلد مضطرب، وسط إصرار الطرفين على مواقفهما المتناقضة، باستثناء القائد النقابي المعتدل لوران بورجيه الذي دعا إلى “استراحة وحوار قبل إكمال نقاش الإصلاح”.

تواصلت التظاهرات المناهضة للقانون الجديد بشكلٍ يومي- وكالات

عناد مستمر

تقول السياسية الفرنسية جيهان جادو، في حديثها إلى “كيوبوست” إن جزءاً من التصعيد في التظاهر هو انعكاس لحالة العناد بين المنظمات العمالية، وبعض القوى السياسية من جهة؛ والحكومة من جهة أخرى، ترتيباً للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وتضيف بأن الأمر في غاية الصعوبة مع تصعيد التظاهرات يوماً بعد الآخر، خاصة وأن هذه التحركات الخطيرة تؤثِّر بشكلٍ سلبي على الاقتصاد الفرنسي، وتؤدي لخسائر مادية كبيرة كل يوم.

وتشير جادو إلى أن الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية تناولت القانون، وعرضت الأزمة بحيادية، لكن في نفس الوقت؛ هناك صحف معارضة لسياسة ماكرون ترغب في تصعيد الأمر وإظهار أن تمرير القانون هو ضد الديمقراطية الفرنسية التي تتمثل في احترام رغبة المواطنين، بعد تمرير القانون بموجب استخدام المادة 49 من الدستور التي تسمح بإقرار القوانين دون العرض على البرلمان.

رغم الانتقادات يُنظر إلى القانون الجديد على أنه لا يزال الأفضل مقارنة بدولٍ أوروبية أخرى

مقارنة أوروبية

 تطرقت دويتشه فيله إلى مقارنة نظام التقاعد الفرنسي بنظيره في عددٍ من الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا التي تخطط لرفع سن التقاعد إلى الـ67 بحلول 2031، بموجب القرار الذي اتخذ عام 2006.

وتشير إلى أن التعديلات على نظام التقاعد تجعل العمال الفرنسيين بحاجة إلى العمل 43 عاماً قبل الحصول على المعاش، بعدما كان التقاعد وفق القانون الحالي يتطلب 41 عاماً ونصف العام فقط. لكنها تلفت إلى أن النظام الفرنسي يتضمن دفع معاشٍ تقاعدي كامل بعد بلوغ 67 عاماً، من دون النظر لسنوات العمل، وهو أمر يستمر العمل به في التعديلات الجديدة.

ويقول أولريش بيكر، من معهد ماكس بلانك للقانون الاجتماعي والسياسة الاجتماعية، إن التعديلات الفرنسية المقترحة جاءت من أجل تصحيح العلاقة بين المساهمات والمزايا، خاصةً في ظلِّ انخفاض معدلات المواليد، وبالتالي تراجع أعداد الأيدي العاملة التي تقوم بسداد مستحقات التقاعد، وهو الأمر الذي يؤثِّر على الإيرادات، إلى جانب سداد المعاشات لمدة أطول بعد التقاعد، مع زيادة متوسط الأعمار في فرنسا.

اقرأ أيضاً: فرنسا.. ديمقراطية معطلة وأمة منقسمة

من جهتها، قالت شبكة سي إن إن الأمريكية إن التعديلات المقترحة على قانون التقاعد الفرنسي التي يتظاهر المحتجون ضدها تُبقي نظام التقاعد دون المستوى المعتاد في أوروبا، والعديد من الاقتصادات المتقدمة التي تطبق استحقاقات التقاعد الكاملة عند عمر الـ65 عاماً، مع الاتجاه بشكلٍ متزايد ليكون المعاش التقاعدي عند سن الـ67 عاماً.

وذكرت الشبكة الأمريكية، أن معاشات الدولة في فرنسا أكثر سخاء من أي مكان آخر، وهو ما يجعل الدولة حريصة على استمرار نظام تمويل المعاشات التي باتت تشكِّل مصدر قلقٍ للعديد من الاقتصادات المتقدمة، مع توقع عجز كبير في السنوات المقبلة.

حل وسط؟

جيهان جادو

تشير جيهان جادو في هذا الصدد، إلى أن تمسك الرئيس بإقرار القانون يرجع لجانبٍ اقتصادي مرتبط بمحاولة تأجيل المستحقات المالية التي ستدفعها الدولة لأصحاب المعاشات حتى تستقر الأوضاع الاقتصادية في فرنسا، وهو أمر لا يلقى قبولاً لدى المتظاهرين الذين يتخوفون من أن تمديد سن التقاعد سيعني تكبدهم عامين إضافيين من العمل.

وتختم جادو حديثها لـ”كيوبوست” بالتأكيد على أن الحل الوحيد لإنهاء الأزمة يتمثل في إجراء حوارٍ وطني بين الفيدرالية العمالية ومنظمات العمل والحكومة الفرنسية، للوصول إلى حلٍّ وسط ينهي حالة الاحتقان الموجودة في الشارع، وهو نفس ما دعت إليه مونت كارلو في مقالها التحليلي عن الأزمة مؤكدة أنه لا مناص من الحوار، وفتح فصل جديد اجتماعياً وسياسياً حتى لا تضعف الديمقراطية والبلاد.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة