الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
إيطاليا.. فيروس كورونا وتجربة الاستمتاع بالخوف

كيوبوست
سارة برزوسكيفيتش
من الكتب إلى مسلسلات “نتفليكس”، يتزايد استهلاك منتجات الوسائط الإعلامية التي تركِّز على الأوبئة والسيناريوهات الكارثية في جميع أنحاء العالم. وينتشر حاليًّا بين الجماهير نوعٌ من المتعة الغريبة من جراء متابعة انتشار هذا الفيروس، وتتفاعل في هذا الصدد وتتداخل سمات العالم المعاصر الذي نحياه، والذي يتقوقع الفرد فيه على نفسه؛ ما يجعله فريسةً سهلة للذُعر والحيرة من انتشار الفيروس.
شاهد: فيديوغراف.. إصابات “كورونا” تتراجع والهلع العالمي مستمر
منذ انتشار فيروس كورونا في أواخر شهر يناير 2020، زادت مبيعات الكتب التي تتعامل مع الأوبئة بشكل كبير. وربما تكون إيطاليا المثال الأكثر وضوحًا؛ حيث تحتل البلاد المرتبة الثالثة على مستوى العالم في عدد الإصابات (655 حالة حتى 28 فبراير)، وتشهد مزيجًا ضخمًا من المخاوف المشروعة التي تصل إلى حالة هستيريا وذُعر عام. وفي غضون أيام قليلة، زادت مبيعات كتاب “الطاعون” الصادر في عام 1974، من تأليف ألبير كامو، بين الإيطاليين بنسبة ثلاثة أضعاف، كما ارتفعت مبيعات كتاب “العمى” لخوسيه ساراماجو، الصادر عام 1995، بنسبة 180%.
سيرة الخوف
يحكي كتاب “الطاعون” قصة وباء اجتاح مدينة وهران الجزائرية الفرنسية. وعلى الأرجح تعود هذه القصة إلى وباء الكوليرا الذي أودى بحياة عديد من سكان وهران عام 1849 بعد الاستعمار الفرنسي، بينما كُتبت الرواية في أربعينيات القرن الماضي. أما كتاب “العمى” الذي كتبه ساراماجو، والفائز بجائزة نوبل البرتغالية عام 1998، فهو قصة وباء جماعي غير معروف يُصيب كل شخص تقريبًا في مدينة لم تتم تسميتها، إلى جانب الانهيار الكارثي الذي تَلَّى ذلك. حيث يتداعى النظام الاجتماعي بسرعة وتحاول الحكومة احتواء العدوى والحفاظ على النظام من خلال تدابير صارمة على نحو متزايد.
اقرأ أيضًا: الحرب البيولوجية منذ عصر اليونان حتى “كورونا”
واليوم، تُسهم وسائل الاتصالات والصناعات الترفيهية في تعقيد موجة الذُّعر. فقد أصدرت شركة “نتفليكس” سلسلة وثائقية تحت عنوان “الجائحة” في أثناء التفشِّي الحالي لفيروس كورونا المعروف رسميًّا باسم “كوفيد -19”. وتظهر هذه السلسلة عمل “الأبطال على الخطوط الأمامية للمعركة ضد الإنفلونزا”، ويمكن للجمهور أن يتعلم وأيضًا أن يشعر بالخوف من تفشِّي المرض في العالم.
ذُعر صُنِع في إيطاليا

أدَّت تدابير الحجر الصحي والمخاوف بشأن الطفرة المفاجئة لفيروس كورونا إلى قيام المتسوقين في شمال إيطاليا باقتحام متاجر السوبر ماركت بطريقة فوضوية؛ بغرض تخزين المواد الغذائية لمستقبل غامض مزعوم. وتتداول عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر أرفُفًا فارغة في محلات السوبر ماركت، بينما أغلقت السلطات عشرات البلدات، وأغلقت المدارس، وفرضت على الحانات أن تغلق أبوابها في الساعة 6 مساءً.
في هذه الأثناء، لا توجد كمامات في أي مكان ويمكن أن تصل تكلفة زجاجة التعقيم اليدوية إلى 50 يورو. كما كان من النتائج الهستيرية الأخرى للذعر المرتبط بالفيروس عدد من الهجمات ضد الآسيويين التي وقعت في البلاد؛ حيث تم نقل رجل فلبيني إلى المستشفى بعد أن هاجمته عناصر خارجة على القانون، لكونه “صينيًّا مصابًا” في بلدة صغيرة في فينيتو شمال إيطاليا.
اقرأ أيضًا: كراهية الأجانب أم “رهاب الفيروسات”؟
وفي الواقع، كانت آليات “كبش الفداء” دائمًا سمة متكررة في تاريخ الذُّعر والأوبئة العامة؛ فالأفراد الضعاف نفسيًّا يتوقون إلى عدو يلقون اللوم عليه في انتشار المجهول. وليس من قبيل المصادفة أن تُسمى الإنفلونزا “الطبيعية”، التي تقتل كل عام عددًا أكبر بكثير من الإيطاليين مقارنةً بما يفعله فيروس كورونا، بالمرض الموسمي؛ لأنها ببساطة مألوفة ودورية ومطمئنة. لكن فيروس كورونا، على العكس من ذلك، يُعد غريبًا ويُنظر إليه على أنه مستورد من الشرق الأقصى؛ ما يجعل عامة الناس يُدمِجون بوعي ودون وعي رهاب “كورونا” وكره الأجانب في مزيج خطير.
لماذا نستمتع بالخوف؟
يشير مفهوم الخوف إلى العاطفة أو الشعور الناجم عن تهديد محتمل بالخطر، ويتسبب في حدوث تغيير فسيولوجي يؤدي إلى استجابة سلوكية؛ إما القتال وإما الهروب وإما الانقطاع عن الحركة. إنها العاطفة البدائية (حب البقاء) التي لعبت دورًا حاسمًا في الحفاظ على أسلافنا على قيد الحياة. ويؤدي الخوف إلى تفاعلات بيو-كيميائية وعاطفية على حد سواء، وفي حين تعتبر الأولى كونية وطبيعية، تظل الأخيرة فردية للغاية. وبالنظر إلى السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يستمتع الناس بالخوف عبر الكتب والأفلام ومحتويات الوسائط الاجتماعية؟ نجد أن هناك عددًا من الأسباب التي تحل هذا التناقض الواضح.
اقرأ أيضًا: سباق مع الزمن لتطوير مصل مضاد لوباء الصين الجديد
أولها، أن أدمغتنا تعرف متى نواجه خوفًا “آمنًا” ونشعر بالرعب في سياق آمن؛ مثل قراءة كتاب مخيف أو مشاهدة فيلم رعب أو زيارة منزل “مسكون”. وكثير منا بالتالي يستمتع بتجربة الرعب الخاضع للسيطرة. وثانيها، أنه عندما يخاف البشر، يندفع الأدرينالين لديهم ويطلقون الأندورفين والدوبامين. ويمكن وصف هذا التفاعل الكيميائي الحيوي بأنه شعور بالنشوة يشبه ذلك الناتج عن تعاطي الأفيون، وإلى جانب ذلك فإن السياق الآمن يمنحنا الإثارة والراحة في نفس الوقت.
شاهد: فيديوغراف.. سرقة غريبة بسبب مخاوف تفشِّي “كورونا”
أما السبب الثالث الذي يسري على ملايين الأشخاص حول العالم، فهو الرغبة في اختبار حدود شخص ما. إن القدرة على تحمل موقف مرهق للغاية تؤدي إلى شعور بالرضا يعزز الثقة بالنفس. ينطبق ذلك مثلًا على أولئك الذين يمارسون الرياضات العنيفة والخطرة. لكن بجانب هذه التفسيرات العلمية، هناك سببان رئيسان آخران يفسران سبب ذُعر الناس الآن من فيروس كورونا.

السبب الأول للخوف يتعلق بغرائزنا الطبيعية والسمة الفطرية للإنسان باعتباره اجتماعيًّا، ويتفاعل البشر مع غيرهم من البشر الآخرين لتأسيس المجتمعات. وفي عالمنا رغم تقوقع الفرد على ذاته؛ فإن تواصله الاجتماعي لا ينقطع، بل يتم عبر وسائل التواصل ومن ثَمَّ ينتقل تهديد الفيروس إليه عبر مكون التواصل الاجتماعي الذي لا يمكن تجنبه.
اقرأ أيضًا: اطمئنوا.. ليست هناك علاقة مباشرة بين فيروس كورونا والإيدز
ثانيًا، الشعور بالرعب هو جزء من الدراما الجماعية المهمة التي يعززها الفيض المعلوماتي الذي يصيب المرء بالحيرة والذي يُطلق عليه “إنفوديميك”؛ أي التدفق الفوضوي للمعلومات حول الوباء. فالوباء المعلوماتي الذي يوفِّر كميات مفرطة من المعرفة السطحية في ما يتعلق بمشكلة إلى حد جعل رأي شخص ما بشأن المشكلة نفسها يصبح صعبًا، ومن ثَمَّ ينساق الأفراد وراء الهستيريا الجماعية.
وتعمل السلطات الصحية على إبقاء “عدد التكاثر الأساسي” لفيروس (كوفيد -19) منخفضًا قدر الإمكان. وفي هذا الاتجاه، تم فرض ضوابط أكثر صرامةً وتدابير احتواء في جميع أنحاء العالم. وعدد التكاثر الأساسي هو العدد المتوقع للحالات التي تتولَّد مباشرةً بواسطة حالة واحدة.
اقرأ أيضًا: شركة أمريكية تبدأ في تجريب لقاح جديد لعلاج فيروس كورونا
وإذا كان هذا العدد أكثر من 1، فإن كل إصابة موجودة تسبب أكثر من إصابة واحدة جديدة، ومن هنا يأتي تفشِّي الوباء. ويبلغ عدد التكاثر الأساسي لفيروس كورونا الجديد نحو 2.5%؛ ما يجعله قادرًا على توليد وباء بالفعل. ولعل هذا العامل، وليس شدة الفتك المتعلقة بالفيروس، هو ما يبرر اتخاذ تدابير صحية أكثر صرامةً. وعلى المدى القصير، نأمل أن ينتشر هذا النوع من المعلومات في جميع أنحاء العالم؛ ما يجعل تجربة الخوف مجرد نشاط ترفيهي يتم الاستمتاع به من خلال الكتب والعروض فقط.