الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
إيريك زمور يكتب: أردوغان أم انتقام السلطان من أوروبا القديمة
الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي يكتب في صحيفة "لوفيغارو" عن سياسات أردوغان التي أوصلته إلى تصدر المشهد في ليبيا مقابل تراجع دور خصومه

كيوبوست- ترجمات
السلطان ينتقم، إنه ينتقم من بوتين وميركل وماكرون، ومن الجنرالات الذين أرادوا الإطاحة به؛ هو ينتقم أيضاً من عمدة إسطنبول الذي يلعب دور الخصم الليبرالي. لقد كان أردوغان يسير على حبل مشدود لعدة سنوات؛ فقد أغلقت محاولاته الرامية إلى أسلمة بلاده قسرياً الأبوابَ نهائياً مع الاتحاد الأوروبي. كما حوله دعمه لـ”داعش” إلى عدو للأنظمة العربية السُّنية. وأدَّى تدخل بوتين في سوريا إلى طرده منها. بينما جعله شراء الأسلحة من روسيا بمثابة الخروف الأسود لحلف الناتو. لقد حوَّله انتقامه من الأكراد أيضاً إلى هدفٍ لمنظمات حقوق الإنسان القوية في باريس وبرلين وبروكسل.
كنا نعتقد أنه في تراجع؛ لكنه قلب المشهد بعد شنه غارات عسكرية في ليبيا وإجباره المشير حفتر، الذي كان يسيطر على شرق البلاد، وكان يأمل في السيطرة على غربها، على التراجع. لقد نجح في الانتقام من بوتين، الذي دعم حفتر عبر مرتزقة مجموعة فاغنر، كما أثار الفزع لدى الجار المصري الذي يهدد بالتدخل.
اقرأ أيضاً: ماكرون وأردوغان.. أربع قضايا سممت علاقاتهما
عزَّز أردوغان من قوة الميليشيات الإسلامية والقبائل البدوية، وبقايا “داعش” المنفيين ولكنّ المسلحين في طرابلس أو مصراتة. لقد أعطى حياة جديدة لحلمه العثماني الذي طارده إلى الأبد؛ حلم تحده من الشمال حقول النفط التي اكتشفت مؤخراً قبالة سواحل قبرص. وها هو ينقلب على حلف شمال الأطلسي الذي لا يحرك ساكناً بينما تهدد البحرية التركية الفرنسيين (حليفها) في الحلف، لتمنح ماكرون فرصة إثبات ما فضحه سابقاً: “موت دماغي للناتو”.
ولكن الأسوأ لم يأتِ بعد، فمن يسيطر على ليبيا يسيطر على البحر الأبيض المتوسط. وكل مَن يسيطر على البحر الأبيض المتوسط سيمسك بطريق الأفارقة وأولئك القادمين من شمال إفريقيا الراغبين في الهجرة إلى أوروبا، ومَن سيمسك بطريق المهاجرين سيمسك بالقادة الأوروبيين بين يديه.

ليبيا تلخص الصفقة الجيو استراتيجية الجديدة لهذا العالم؛ فأردوغان عازم على استخدام هذا السلاح الفتاك.. إن تدخل فرنسا-ساركوزي في عام 2011 لتصفية القذافي الذي هدد بذبح معارضيه سيبقى بلا شك بمثابة “التدخل الإنساني” الأخير في حقبة تدخلات إنسانية قادت إلى كوارث انطلقت أوائل التسعينيات. صحيح أن القذافي كان طاغية، لكنه سيطر على ملفات الهجرة والإرهاب. يلعب المشير حفتر نفس الدور؛ ولذلك فهو يحظى بدعم وتعاطف من الفرنسيين، والإيطاليين، والأوروبيين.
اقرأ أيضاً: الاختراق التركي المقلق في ليبيا
يمثل نجاح أردوغان عودة حقبة “الواقعية السياسية” التي كانت تسود في القرن التاسع عشر؛ حيث يعد استخدام الأسلحة أحد طرق ممارسة السياسة. كما أنه يشير إلى تراجع كبير في دور فرنسا؛ بسبب حماقات البعض، أو باختصار فرنسا التي لم تفهم بعد أن عالم الغد لن يشبه عالم الأمس؛ بل عالم ما قبل الأمس.
المصدر: لوفيغارو