الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
إيران وحماس… ترجيح المصالح وتحطيم المبادئ
تعتبر علاقات إيران مع الفصائل الفلسطينية وخاصة حماس في غاية الأهمية رغم وجود اختلافات أيديولوجية بين الطرفين

كيوبوست- إبراهيم المقدادي
منذ أواسط الثمانينيات، كانت إيران على يقين من استحالة “احتواء” حركة فتح، عبر السيطرة على قرارها السياسي، ما جعلها تشعر بالحرمان من الانخراط في القضية الفلسطينية، وكان ذلك دافعاً لاقتراح تيارٍ سياسي بديل عن هذا الاستعصاء، وأن يكون أداة إيران في القضية الفلسطينية.
تبلور العلاقة
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، كانت حركة حماس تعمل، عبر التصعيد، من تعزيز فرصها لأن تكون التيار السياسي البديل عن منظمة التحرير، خاصة وأنها محل إجماع سوري – إيراني، حيث كانت الرعاية موزعة بين الطرفين، فالإيرانيون تولوا التمويل المالي والعسكري، بينما تحمل النظام السوري مسألة الرعاية اللوجستية والسياسية للحركة، خصوصاً في الأوساط الإقليمية العربية، وفي عام 1990 تبلورت العلاقة بين إيران وحماس خلال مؤتمر أقامته طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية، فيما تطورت العلاقة بينهما أكثر عندما استضافت طهران مكتباً للحركة في العام التالي.
اقرأ أيضًا: نظرة إلى الوراء.. علاقات حماس وإيران عبر التاريخ
فيما كانت حماس تقدم للنظام الإيراني خدمة سياسية مباشرة، وذلك في ثلاثة اتجاهات:
الأول: أعادت حركة حماس تأسيس الهوية الجوهرية للقضية الفلسطينية، من كونها صراعاً عربياً أو فلسطينياً مع إسرائيل، ليغدو صراعاً دينياً إسلامياً مع اليهود، وهو ما يخدم خطاب النظام الإيراني “الديني”، الذي يدعي بأنه يقود الممانعة التي تدافع عن الإسلام والمسلمين في مواجهة إسرائيل.
ثانياً: إن حركة حماس أداة لرفض أية تسوية ممكنة في المسألة الفلسطينية، تسوية قد تخفِّف من حالة المواجهات العسكرية المفتوحة، وبذا تخفض مستوى التوتر والتصعيد الخطابي السياسي والديني، وهو ما قد يغلق الطريق أمام ذرائع النظام الإيراني من ركوب صهوة الأسلمة والعاطفة الدينية لتحقيق أهدافه التوسعية في المنطقة.
ثالثاً: إن حماس كانت تشكِّل على الدوام الأداة الإيرانية في المسألة الفلسطينية، المواجهة لحركة فتح، التي كانت على الدوام على علاقات متينة مع الكيانات والأنظمة السياسية الإقليمية الرافضة لسياسات النظام الإيراني، لذا فإن سيطرة إيران على قرار حماس سيكون بمثابة ورقة ضغط تلعبها إيران في علاقاتها مع الدول العربية.

صعود وهبوط العلاقات
رغم أن حماس ما كانت تتناول مسألة رأيها بالأنظمة السياسية العربية، لعلاقة الحركة المتينة من طرف مع النظامين السوري والإيراني، ولحاجتها التامة لمصر على الدوام، ولعدم رغبتها بقطع شعرة معاوية مع دول الخليج العربي، غير أن ذلك لم يكن إلا لظرفٍ خاص بالتموضع اللوجستي للحركة، فخلال سنوات الثورة المصرية، وما تلتها من أحداث، بات واضحاً المنهج والمنطق الذي يُمكن لحماس أن تتصرف بناء عليه، في حال قُدرتها على التصرف مع الأنظمة السياسية الإقليمية.
وصلت العلاقة بين إيران وحركة حماس إلى قمة حيويتها بين عامي 2006-2007، فحينما جرَت الانتخابات الفلسطينية، وفازت حماس بنسبة تجاوزت كل التوقعات، كانت إيران أكثر الأنظمة التي دعمت الحكومة الفلسطينية، حيث كانت تسعى إلى تكريس هيمنة وقيادة حماس للحكومة، والمؤسسات السياسية والإدارية الفلسطينية، كان ذلك يحدث بالتعارض والتباين مع مجمل الخيارات السياسية للدول العربية الراعية للقضية الفلسطينية.
اقرأ أيضًا: الميليشيات الإيرانية: تهديد مستمر لاستقرار وأمن الدول
وامتد الدعم الإيراني لحركة حماس أثناء فترة المواجهة بين الحركة ومنظمة التحرير، والتي انتهت باستيلاء حركة حماس بالقوة على كل قِطاع غزة وإدارته، سياسياً وإدارياً، فذلك النهج من قِبل حماس كان مرفوضاً من قِبل جميع الأنظمة العربية، وما كان للحركة قدرة على الاستمرار بالسيطرة وإدارة القِطاع، لولا الدعم الإيراني الواضح في كافة المجالات، خصوصا المتعلق بالدعم المالي.
مع سعي حركة الإخوان المسلمين المصرية للالتحاق بالثورة المصرية، ومن ثم زيادة نفوذهم في المرحلة الفاصلة بين سقوط مبارك، وإجراء الانتخابات الرئاسية، التي أوصلت الإخوان لسدة الرئاسة في صيف عام 2012، رتبت حركة حماس كل خطابها ليكون مطابقاً لصعود الحركة الإخوانية في المنطقة، كان ذلك مطابقاً بشكلٍ جوهري لخيارات إيران في الربيع العربي، حيث كان وصول الحركة الإخوانية في كل من مصر وتونس من أعلى طموحات إيران.
لكن الحركة ما لبثت أن عادت إلى مستوى القلق، لأن علاقاتها الجديدة النامية مع النظام الإخواني في مصر طوال حكم الإخوان، كانت تتطلّب منها أن تحدد موقفها من الثورة السورية، بالتضاد مع حليف إيران الأول في المنطقة النظام السوري، وهو ما فعلته حركة حماس، وحدث أول افتراق في الخيار الاستراتيجي بين إيران وحركة حماس.

بقي هذا البرود في العلاقات حتى سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وجدت حماس نفسها، والتي فقدت داعمها الرئيسي في مصر، وبسبب العلاقات المتوترة مع الحكومة الإيرانية في السنوات الأخيرة، في حالةٍ يرثى لها، فسارعت إلى تجديد العلاقات مع إيران التي انزعجت من التحالف الوثيق لجماعة الإخوان المسلمين، مع فرعها الفلسطيني حركة حماس، بعد أن سحبت الأخيرة من محور الممانعة، وأدخلتها إلى المحور الإخواني.
العلاقة بين الإعلان والنفي
تعترف إيران بحركة حماس، وتدعمها علنا بالروحانية والسلاح، ووجه اتهاماتٌ لإيران بلعب دور في التدريب العسكري لمقاتلي حماس للسيطرة على قطاع غزة، فضلاً على الدعم المالي لهذه الجماعة، في حين نفى وزير الخارجية الأسبق منوشهر متكي هذه الاتهامات في مقابلةٍ صحفية في قطر، وزعم أن إيران لا تقدم سوى “الدعم الروحي” لحركة حماس، وقال إن حكومة بلاده لا تنحاز إلى جماعة فلسطينية، وتدعو إلى وحدة هذه الجماعات[i].
وعلى الرغم من نفي الحكومة الإيرانية، أكد مسؤول في حماس في محادثةٍ مع “التايمز” اللندنية قيام الحرس الثوري الإيراني بتدريب مقاتلي حماس في إيران، وقال إنه تم إرسال 300 من عنصر من حماس إلى إيران للمشاركة في دوراتٍ تدريبية سرية، مؤكداً أنه تم إرسال سبع مجموعات إلى إيران لمدة ستة أشهر، وأضاف: “إيران كانت أمنا، وقدمت لنا معلوماتٍ وعتاداً عسكرياً ودعما مالياً”[ii].
وكان محمود الزهار، القيادي البارز في حركة حماس قد صرح في مقابلةٍ مع قناة العالم، أنه طلب في لقاء عام 2006 مع قاسم سليماني في طهران مساعداتٍ مالية لموظفي الحركة، فاستجاب قاسم على الفور، وقدم 22 مليون دولار كمساعدات للحركة[iii].

وفي مقطع فيديو نُشر في يونيو 2019 على حساب قاسم سليماني على “تويتر”، قال زياد نخالة إن قاسم سليماني سافر إلى عدة دول لإرسال أسلحة إلى غزة، وأدار بنفسه عملية معقدة لإرسال أسلحةٍ إلى غزة[i].
كما أكد نخالة في مقابلةٍ مع شبكة العالم، أن قاسم سليماني استخدم جميع منشآت الجمهورية الإسلامية الإيرانية لإيصال أسلحة إلى غزة، وتطرق إلى موضوع تدريب القوات الموجودة في غزة على استخدام صواريخ بعيدة المدى، وقال إن هذا هو سبب وجود آلاف الصواريخ، وقذائف الهاون، وورش تصنيع قذائف “الآر بي جي” في قطاع غزة، والتي تعمل على مدار الساعة.
طبيعة العلاقات والمصالح المتبادلة
تُعتبر علاقات إيران مع الفصائل الفلسطينية -وخاصة حماس- في غاية الأهمية، ورغم وجود اختلافات أيديولوجية بين الطرفين، فإن ذلك لم يمنع إيران من تقديم الدعم الشامل لحماس في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسية والعسكرية.
وجدت إيران في الحركة مدخلاً مهما في تبني طرف من القضية الفلسطينية، في مقابل ذلك وجدت الحركة في إيران داعماً سياسياً وعسكرياً، في ظل حالة العزلة التي فرضها عليها المجتمع الدولي، وتدرك إيران جيدًا أن لا قيمة لدورها في القضية الفلسطينية دون أن يكون دورها مبنياً على علاقة وثيقة مع حركة حماس، وهذه الحاجة الإيرانية هي ما حولت بدورها العلاقة بين إيران والحركة، من كونها إملائية إلى علاقة تشاركية، خشية أن تبتعد الحركة عنها، فالحركة بالنهاية لديها مرجعيتها الفقهية والدينية في تنفيذ واجباتها، دون أن تكون مضطرة لطاعة أوامر الولي الفقيه في إيران، على ذات النحو الذي تفعله الجماعات والحركات الشيعية المسلحة.
اقرأ أيضًا: تراجع نفوذ الميليشيات العربية المدعومة من إيران بعد مقتل سليماني
إن حركة حماس بنظر إيران هي تنظيم سني إخواني مسلح، لا يستطيع تبني الثورية الخمينية بأي شكلٍ من الأشكال، سواء على مستوى الخطاب أو المنهج، إلا أنه يظل قريباً منها من حيث الأسلوب والعمل المسلح، ورغم ذلك تبنت الحركة شعاراً يشبه شعار حزب الله اللبناني، واتهمت بالترويج للمذهب الشيعي في القطاع، إلا أن حركة حماس تمكنت من احتوائها فيما بعد[ii].
ترى إيران في حركة حماس وسيلة لتعزيز هيمنتها ونفوذها في المنطقة، وتبرير سياساتها التوسعية بذريعة “دعم المستضعفين ضد الاحتلال”، وهي تحتاج إلى حليفٍ سني يزيد من قدرتها على العمل في محيطها العربي والإسلامي، ويكسر صبغة التعصب الطائفي في سياساتها الإقليمية.
البعد الأمني والعسكري أيضاً يأتي في أولوية نظرة طهران لدعم حماس، حيث إن خلق خط دفاع متقدم مع الاحتلال يعفي إيران من خوض حروبٍ مباشرة مع إسرائيل والدول الغربية، وحتى العربية.
وفي المقابل تسعى حماس من خلال توثيق هذه العلاقة إلى تشكيل جبهة عمل سياسي وعسكري لإضعاف هيمنة إسرائيل، ونفوذها الإقليمي، ولتعزيز الشرعية السياسية للحركة، ومشروعها المقاوم، وتوفير الدعم المالي والعسكري، كالتدريب والسلاح وتقنيات التصنيع العسكري.
المراجع:
[i] https://cutt.us/Rya33
[ii] https://cutt.us/sjsWq
[i] https://cutt.us/iptai
[ii] https://cutt.us/itU3G
[iii] https://cutt.us/UnoHm