الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

إيران وبايدن والقنبلة.. لماذا تُسرع إيران برامجها النووي الآن؟

أبدت إيران أول رد فعلي لها على فوز جو بايدن في الانتخابات.. حيث أعلنت عن خطط لتسريع برنامجها النووي بشكل كبير في تصرف من المتوقع أن يقود إلى أزمة نووية.. ولكن لا يزال هنالك مخرج

كيوبوست- ترجمات

أبدت إيران أول رد فعلي لها على فوز جو بايدن في الانتخابات؛ حيث أعلنت عن خطط واسعة لتسريع برنامجها النووي. فقد أقر البرلمان ووافق مجلس صيانة الدستور، غير المنتخب، على تشريع يأمر الحكومة بتكثيف أنشطتها النووية خلال الأشهر المقبلة. والهدف النهائي لإيران هو إقناع بايدن بالعودة إلى اتفاقية 2015 النووية فوراً ومن دون شروط مسبقة أو أية مراجعات لها. ومن المرجح أن إيران تفكر في افتعال أزمة حول برنامجها النووي؛ باعتبار ذلك هو الوسيلة الأنجع لفرض رغبتها هذه؛ ما يضعها على مسار تصادمي مع الإدارة الأمريكية القادمة.

ومنذ ما قبل انتخاب بايدن، عملت إدارة ترامب وإسرائيل على الحد من قدرته على العودة إلى الاتفاقية التي عُرفت باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة- JCPOA). وكان بايدن قد تعهد بالعودة إلى الاتفاقية، في حال التزمت إيران بذلك أيضاً. (وقد تكرر هذا الموقف مرتين خلال الأسبوع الماضي).

اقرأ أيضاً: خبراء: العقوبات الجديدة تزيد القيود على إيران

وكانت إدارة ترامب قد فرضت سيلاً من العقوبات التي استهدفت منها بناء “جدار من العقوبات” لمحاصرة بايدن. كما أن إسرائيل استغلت الضوء الأخضر من واشنطن لتقويض قدرات إيران النووية، وإفشال أي اختراقات دبلوماسية قد تحصل. ومؤخراً، قيل إن عملاء إسرائيليين اغتالوا محسن فخري زادة، المهندس الرئيسي لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني السابق.

جدار العقوبات يمنع العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني- “كريسنت إنترناشيونال”

ومن المرجح أن اغتيال فخري زادة قد سرَّع من تمريرِ القانون النووي الإيراني؛ ولكن من المهم عدم المبالغة في تقدير تأثير هذا الاغتيال، فقد جرى اقتراح القانون قبل حادثة الاغتيال بوقتٍ طويل؛ ما يدل على أن مجلس صيانة الدستور والبرلمان كانا يستعدان لتمريره على كل حال، ولكنهما بالتأكيد استغلا الفرصة لتسريع الأمر واستعراض عضلاتهما رداً على مقتل فخري زادة.

اقرأ أيضاً: محسن فخري زادة.. تداعيات اغتيال الرجل الأول في المشروع النووي الإيراني

ويكلف القانون منظمة الطاقة الذرية الإيرانية -التي تدير برنامج البلاد النووي- باتخاذ عدد من الخطوات التي من شأنها توسيع برنامجها النووي. ومع أن القانون يفتقر إلى التفاصيل؛ فإن الرسالة منه واضحة: في حال تطبيق هذه الخطوات، فإنها ستقلص من التزام البلاد بالاتفاق النووي، وستزيد من القلق من تعزيز طهران قدرتها على صنع القنبلة النووية.

أولاً، من المقرر أن تنتج منظمة الطاقة الذرية الإيرانية اليورانيوم المخصب بنسبة 20% مع بقاء ما لا يقل عن 120 كيلوغراماً من هذا اليورانيوم المخصب في البلاد. وإيران لم تخصِّب على هذا المستوى الذي يقارب مستوى الأسلحة منذ ما قبل الاتفاق النووي.

اغتيال حسين فخري زادة لن يكون له تأثير كبير على برنامج إيران النووي- “ذا نيويوركر”

ثانياً: طُلب من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن تزيد إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى ما لا يقل عن 500 كيلوغرام شهرياً، وأن تحتفظ بتلك الكمية في البلاد. وهذه تعتبر زيادة كبيرة بالنظر إلى أن إيران تنتج حالياً أقل من 150 كيلوغراماً شهرياً. ومن المقرر أن تبدأ المنظمة بالعمل على هذين الطلبَين فوراً، مع أن العوائق الفنية قد تفرض جدولاً زمنياً مختلفاً عليها.

اقرأ أيضاً: خيارات المواجهة الإسرائيلية للنشاط النووي الإيراني

ثالثاً: من المفترض أن تبدأ منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتركيب 1000 جهاز طرد مركزي متطور من طراز “IR-2m”، وأن تستخدم هذه الأجهزة التخصيب. كما يفترض أيضاً أن تقوم بأبحاث لتطوير 164 جهازاً من أجهزة الطرد المركزية المتطورة من طراز “IR-6″، وسيبدأ العمل بكلا الإجرائين خلال ثلاثة أشهر من الموافقة على القانون.

خطوتان إضافيتان تثيران مخاوف محددة بشأن هذه الزيادات؛ فمنظمة الطاقة الذرية مكلفة بتشغيل مصنع إنتاج معدن اليورانيوم خلال خمسة أشهر، وهذه خطوة قد تشير إلى القرار بالعودة إلى العمل المتعلق بالأسلحة النووية. ويقضي القانون بتصميم مفاعل إضافي بقدرة 40 ميغاواط، مع العلم أن مفاعل إيران الحالي، المعروف باسم “مفاعل آراك لأبحاث الماء الثقيل”، كان محط اهتمام كبير في الاتفاق النووي؛ بسبب قدرته المحتملة على إنتاج البلوتونيوم بالنوعية المستخدمة في إنتاج الأسلحة.

كما أن التشريع الجديد يضرب المراقبة الدولية لبرنامج إيران النووي في الصميم.

إيران تكشف النقاب عن تطوير مفاعل أراك في مواجهة الضغوط الأمريكية- “رويترز”

يطلب من الحكومة وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يتجاوز ما هو منصوص عليه في اتفاقية الضمانات الشاملة؛ وهذا ما يشمل وقف تطبيق البروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات الشاملة وإجراءات المراقبة والتحقق التي وردت في الاتفاق النووي، والتي تمنح المفتشين الدوليين المزيد من الاطلاع على كامل البرنامج النووي الإيراني. وهذه الخطوة سوف تطبق خلال شهرَين من دخول القانون حيز التنفيذ، إذا لم تسمح الدول المتبقية في الاتفاق النووي بعودة العلاقات المصرفية مع إيران، وبمواصلة مبيعاتها النفطية من جديد.

الدول الموقعة على الاتفاقية النووية الإيرانية عام 2015- وكالات

من الصعب تجميل صورة هذا القانون؛ فهو دليل مفصل من أجل الوصول إلى افتعال أزمة نووية مشابهة لتلك التي كانت قائمة قبيل التوقيع على الاتفاق النووي، عندما كانت المخاوف من هجوم إسرائيلي حاضرة بقوة. إن هذا القانون والإجراءات النووية التي ينص عليها ليست تلقائية، وهي بعيدة كل البعد عن إعلان وفاة التسويات الدبلوماسية. فالنظام الإيراني يعطي للشخصيات والهيئات الكبرى؛ خصوصاً المرشد الأعلى آية الله على الخامنئي، المرونة الكافية لتجاوز القوانين إذا كانت مصلحة النظام تقتضي ذلك. في الواقع، فإن القانون نفسه يحمل في مقدمته إشارة إلى خطوط خامنئي الحمراء التي رسمها أثناء محادثات الاتفاق النووي، وينص على أنه يسعى إلى تلبية المرشد الأعلى.

اقرأ أيضاً: من تاريخي إلى “كارثي”.. قصة الاتفاق النووي مع إيران

وهذا استنتاج جدير بالملاحظة؛ لأن خطوط خامنئي الحمراء التي وجهت المفاوضات لم يتم الالتزام بها حرفياً؛ إذ كان هنالك شيء من المرونة والبراغماتية في ذلك الوقت، ومن المتوقع أن يحدث ذلك مجدداً إذا تحركت القيادة الإيرانية باتجاه صفقة مع واشنطن. وقد أوضح مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى أن هذا القانون لن يمنع بلادهم من العودة للعمل بمقتضيات الاتفاق النووي؛ بسبب خشيتهم من تغير الأجواء في معسكرَي بايدن وترامب. وقد جرى تمرير القانون على الرغم من اعتراضات حكومة الرئيس روحاني التي اعتبرت أن هذا الأمر لا يقع ضمن اختصاص البرلمان وصلاحياته.

اقرأ أيضاً: انفجار منشأة نطنز النووية الإيرانية.. الجدول الزمني والسيناريوهات المحتملة

ولا يزال السؤال مطروحاً حول إذا ما كانت الموافقة النهائية على هذا القانون تمثل صفعة للرئيس أم أنها جزء من لعبة الشرطي الجيد والشرطي السيئ. ولكن حتى مع استمرار المعركة على القانون، فقد بدأت طهران فعلاً في عملية تنفيذ مضامينه من خلال إبلاغ المفتشين الدوليين بأنها سوف تضع ثلاث مجموعات إضافية من أجهزة الطرد المركزي “IR-2m” في الخدمة في معمل نطنز للتخصيب الذي يقع تحت الأرض. كما أن المجلس الأعلى للأمن القومي أكد صلاحية القانون يوم السبت الماضي.

إيران على عتبة المرحلة الثالثة من مجموعات الطرد المركزي- وكالة الأنباء الإيرانية

روحاني سوف يستغل هذا القانون، والبرلمان المتشدد الذي أقره؛ لممارسة الضغط على الولايات المتحدة في أي مفاوضات قادمة.

وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قد أشار بعيد إقرار القانون إلى أنه على الرغم من أن يدَيه مقيدتان بموجب القانون، الذي لا يستطيع تجاهله، فإن الخطوات التي تمت قابلة للرجوع عنها، قائلاً: “يمكن للأوروبيين والأمريكان أن يرجعوا إلى الالتزام بالاتفاق النووي، وعندها لن يتوقف تطبيق هذا القانون فحسب؛ بل إننا سنقوم بالتراجع عن كل الإجراءات التي اتخذناها.. وسوف نعود إلى الالتزام الكامل”.

ويحمل تعليق ظريف هذا تناقضاً كبيراً -فيدا الحكومة مقيدتان إلى أن تقرر هي نفسها عكس ذلك- وهو يفتح نافذة مبكرة يظهر من خلالها كيف ستستغل الحكومة المُهل الزمنية التي حددها هذا القانون في تسريع عودة الحكومة الأمريكية إلى الاتفاق والشروع في رفع العقوبات عن إيران؛ الأمر الذي هي في أمسّ الحاجة إليه.

اقرأ أيضاً: هل يكشف المستقبل القريب عن قنبلة نووية إيرانية؟

ولكن حتى في ظل هذا التحريض من البرلمان، فإن عودة إيران الفورية إلى الاتفاق تواجه عقبات وعوائق كثيرة؛ فالرئيس روحاني، بكل تأكيد، يرغب في تحقيق مفاوضات سريعة تحقق عودة نظيفة إلى الاتفاق تسمح له بإعادة تأهيل صورته وترسيخ إرثه قبل موعد الانتخابات الرئاسية التي سيخوضها حلفاؤه في يونيو المقبل. ولكن خامنئي وغيره من المتشددين ربما لن يكونوا حريصين على تقديم انتصار للمعتدلين قبل الانتخابات.

وعلى كل الأحوال، فإن طهران قد أوضحت أنها مع استعدادها للعودة إلى الاتفاق النووي، فإنها سوف تعتمد على التكتيكات النووية نفسها التي استعملتها أثناء المفاوضات التي أدت إلى هذا الاتفاق؛ في محاولة منها للضغط على الإدارة الجديدة. ولكن الأمر الجوهري هنا هو أن إيران، على الأقل في الوقت الراهن، تبني نفوذاً وليس قنبلة نووية.

الكاتبان:

هنري روم: كبير المحللين في الشأن الإيراني في مجموعة أوراسيا الدولية لأبحاث واستشارات المخاطر السياسية.

أريان طبطبائي: زميلة الشرق الأوسط في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، وباحثة زميلة في جامعة كولومبيا. ومؤلفة كتاب «لا غزو لا هزيمة.. استراتيجية الأمن القومي الإيراني».

المصدر: هآرتس

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة