الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

إيران.. كاميرات مراقبة لتشديد القبضة على الحياة الخاصة للنساء

ما يقرب من 40 مليون امرأة وفتاة في إيران، مجبرات على ارتداء الحجاب، حتى لا يتعرضن لعقوباتٍ مثل الاحتجاز أو الحكم بالسجن أو الجلد أو دفع الغرامة

كيوبوست- سلمان إسماعيل

في حلقةٍ جديدة من مسلسل قمع الحريات الفردية، بدأت السلطات الإيرانية تركيب كاميرات مراقبة في الأماكن العامة لرصد النساء غير المحجبات، حسبما أعلنت الشرطة، التي أكدت أن النساء اللاتي يتم التعرف عليهن سيتلقين رسالة نصية حول عواقب عدم تغطية شعرهن بالحجاب، بحجة أن هذا الأمر سوف يساعد في منع مقاومة قانون الحجاب.

وبحسب محللين إيرانيين تحدثوا إلى “كيوبوست”، فإن نظام الملالي يحارب لتطويق التمرد على الحجاب، ولا يريد التراجع خطوة واحدة إلى الخلف، خشية سقوط أوراقه التي فرضها على الإيرانيين منذ قيام الثورة الإسلامية بقيادة الخميني قبل نحو 5 عقود، فضلاً عن أن قضية الحجاب ليست سبباً وحيداً في الانتفاضة ضد النظام الحاكم، وإنما تدخل ضمن عوامل الغضب الشعبي من التضييق على الحريات الذي يعيشه الإيرانيون، بمختلف مكوناتهم وطوائفهم.

اقرأ أيضاً: إيران تصّعد حملة القمع في الداخل وتكثّف الدعاية في الخارج

واندلعت احتجاجات عنيفة ضد النظام الإيراني في سبتمبر الماضي، في أعقاب مقتل الشابة الكردية مهسا أميني بأحد أقسام الشرطة، بعد احتجازها بتهمة عدم الالتزام باللباس الشرعي الذي تفرضه قوانين الثورة الإسلامية.

وعمَّت الاحتجاجات أرجاء الدولة، وتبعها حملة موسعة لخلع الحجاب أقدمت عليها الطالبات والسيدات في الشوارع في تحدٍّ لوصاية النظام على الحياة الخاصة للنساء، وشهد الأسبوع الماضي اعتداء مواطن إيراني على سيدتين خلعتا الحجاب عبر إلقاء الزبادي على رأسيهما.

وفي أعقاب مقتل الشابة الكردية مهسا أميني في سبتمبر الماضي، انتشرت ظاهرة خلع الحجاب احتجاجاً على المعاملة القاسية والمُهينة، وانتهاك الحياة الخاصة للنساء في إيران، وأظهرت لقطات مصورة سيدة سبعينية تخلع الحجاب، وتسير في الشارع تضامناً مع أميني، كما أقدمت طالبات المدارس على خلع الحجاب، وإنزال صور خامنئي والخميني من على جدران حجرات الدراسة.

وفي ديسمبر الماضي، خلعت لاعبة الشطرنج الإيرانية سارة خادم، الحجاب خلال مشاركتها في بطولة شطرنج بكازاخستان، تضامناً مع الفتاة الكردية المغدورة، واضطرت للجوء إلى إسبانيا خوفاً من ملاحقة السلطات لها في إيران.

مهسا أميني ضحية شرطة الأخلاق

وفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإن قوانين الحجاب الإلزامية النافذة في إيران، تجبر النساء والفتيات على إخفاء شعرهن خلف غطاء الرأس، وتعامل الدولة من لا يفعلن ذلك على أنهن مجرمات، وأن ما يقرب من 40 مليون امرأة وفتاة مجبرات على ارتداء الحجاب، حتى لا يتعرضن لعقوبات مثل الاحتجاز أو الحكم بالسجن أو الجلد أو دفع الغرامة، مؤكدة أن قوانين الحجاب الإلزامي في إيران تمييزية ضد النساء، وتفرض رقابة على أجسادهن.

وقال الصحفي الإيراني المقيم في هولندا يعقوب سعيد، إن النساء في إيران يعشن تحت وطأة نظام يشبه أحجار الدومينو في ترتيبه الشرس، حيث الحجاب الإجباري للمرأة هو حجرٌ مهم في هذه الترتيبة البائسة، وإن سقط هذا الحجر، فليس بعيداً أن يتهاوى الترتيب بأكمله.

متظاهرات إيرانيات يطالبن بالحرية- أرشيف

وتحترق النساء في هذه الترتيبة في نار. وتنتشر الكاميرات لتراقب النساء اللواتي ينادين بحريتهن، وحق المرأة في اختيار شكل لباسها، فيما تبقى هذه الأحجار الإجبارية شوكة في جسد النساء المدانات في سجن الألم والظلم.

يعقوب سعيد

وأضاف سعيد، وهو ناشطٌ أحوازي، أن هذه الخطوة تعكس استراتيجية النظام الإيراني في محاصرة النساء اللواتي تخطين جميع حواجز الخوف التي فرضها النظام خلال العقود الأربعة الماضية من حكمه.

وعندما شاركت النساء بكثافة في الاحتجاجات الأخيرة، وأظهرن وجودهن في ساحات الاحتجاج بشكلٍ غير مسبوق، فإنهن كن يسعين للحصول على موطئ قدم لهن في هذه المناطق، بعدما كان الحضور الاحتجاجي مقصوراً على الرجال.

وأوضح سعيد في حديثه لـ”كيوبوست”، أن هذا الأمر جعل النظام يزيد من سيطرته ورقابته على المجتمع النسائي بشكلٍ أكبر، ويكثِّف الجهود لإعادة فرض قواعده الصارمة تجاه النساء. وتتمثل الغاية الرئيسية لتركيب هذه الكاميرات في زيادة القلق والخوف بين النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، وزيادة شعورهن بعدم الأمان. وتُعتبر إحدى حلقات سلسلة القمع التي تمارسها السلطات الإيرانية ضد النساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب.

اقرأ أيضاً: أوروبا تهدد… كيف ستواجه إيران حزمة العقوبات الجديدة؟

وأشار إلى أن استمرار النظام الإيراني في قمع النساء يعود إلى الرؤية السياسية والدينية السائدة في البلد. حيث يرى النظام الإيراني الحجاب الإجباري على النساء إحدى أدواته للحفاظ على النظام واستقراره. فالحجاب الإجباري يسمح للنظام بممارسة سيطرته ورقابته على النساء ومنعهن من التنظيم والتحرك في المجتمع بحرية، ويعتبر الأمر مهماً للحفاظ على النظام القائم. فضلاً عن تعزيز صورة البلد الدينية والمحافظة.

وحذَّر سعيد، من أن هذا القرار ستكون له نتائج عكسية، وسيؤدي إلى زيادة حالة التمرد على الحجاب ونظام الملالي، بدلاً من تحقيق أهدافه في فرض الحجاب الإجباري على النساء. فقد يؤدي هذا الإجراء إلى زيادة الغضب والاستياء بين النساء الإيرانيات اللواتي يعارضن فرض الحجاب الإجباري عليهن، ويمكن أن يدفعهن إلى اتخاذ إجراءات أكثر جرأةً للتعبير عن رفضهن لهذا الإجبار. كما يتسبب هذا الإجراء في زيادة منسوب تقويض الثقة في النظام الإيراني وزيادة معدلات الاحتجاجات والتمرد في البلد.

منى سيلاوي

الباحثة الإيرانية منى سلاوي، قالت لـ”كيوبوست”، إن هذه الخطوة تدل على أن النظام وبعد أشهر من المعاناة مع حراك الشارع الإيراني، يريد القول إن باستطاعته التحكم بالشوارع، ووضع حدٍّ لهذه الاحتجاجات، إنهم يحاولون حصر المسألة في الحجاب، رغم أن الشارع منتفض ضد التحكم بالمرأة، وغيرها من القضايا، ونجد النظام يكابر، ولا يريد التراجع خطوةً واحدة.

وأضافت سيلاوي، بقولها: القضية ليست قمع النساء فقط، ولكن بسبب ذكورية المجتمع الإيراني، النساء كنّ دائماً الحلقة الأضعف في البلاد، وما زلن، والنظام يحاول الضغط على المرأة التي تمثل نصف المجتمع، ومنذ بداية ثورة الخميني، سحب الكثير من حقوق النساء، ولم يتحرك المجتمع الذكوري ضد الإجراءات القمعية التي طالت النساء، مثل حرمان المرأة حق حضانة أطفالها حال تزوجت، وكذلك حرمانها من الحق في السفر بدون موافقة وليها.

اقرأ أيضاً: الفساد.. كعب أخيل للنظام الإيراني

وأوضحت أن سلب هذه الحقوق من المرأة، وذهابها إلى سلة حقوق الرجل، ساهم في صمت نصف المجتمع عن خطأ جسيم تم تطبيقه على مدار السنوات الماضية، واستطاع الرجل ممارسة حياته والتحكم في المرأة -على الرغم من أن الكثير من الرجال لا يهمهم انهيار المنظومة الذكورية وتطبيق نظام أكثر ديمقراطية- ما يمكن وصفه بأن النظام استطاع اضطهاد نصف المجتمع ورشوة النصف الآخر.

وختمت سيلاوي بالقول: إن قضية الإيرانيين تتجاوز مسألة الحجاب وحده، لكن واقعة مهسا أميني التي قُتلت على يد الشرطة بسبب “عدم التزامها” بالزي الذي تفرضه قوانين الملالي، فجّرت الغضب الكامن لدى مختلف مكونات إيران، وتحولت إلى صرخة ثائرة على التحكم في حياة الناس الخاصة، وإهانة كرامة النساء، في ظل وجود مجموعة من الرجال يمنحون أنفسهم -باسم تطبيق القوانين الإسلامية المزعومة- الحق في لمس النساء، وحتى قتلهن.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

سلمان إسماعيل

صحافي مصري متخصص في حقوق الإنسان والشؤون العربية والإقليمية

مقالات ذات صلة