الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
إيران: حملة اعتقالات مستمرة وتخبط بسبب الأزمة الاقتصادية

كيوبوست
تعكس عمليات التوقيف والاعتقالات الأخيرة، لشخصياتٍ سياسية بارزة داخل إيران، حالة التخبط التي يعيشها النظام الحاكم في طهران، بحسب مراقبين تحدثوا إلى “كيوبوست”، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية الهائلة التي يعانيها البلد الغني بالنفط، والمصاب بالفساد في كل مفاصله، ما قد يحول الاحتجاجات المنتشرة في عموم البلاد إلى ثورة شعبية عارمة تنهي زمن ولاية الفقيه.
والأسبوع الماضي، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن الاعتقالات الأخيرة التي نفَّذتها السلطات الإيرانية بحق منتقدين بارزين هي جزءٌ من حملةٍ جديدة ضد المعارضة السلمية. حيث اعتقلت السلطات الإصلاحي مصطفى تاج زاده، والمخرجين محمد رسولوف، ومصطفى الأحمد، في 9 يوليو الجاري، ثم اعتقلت في 11 يوليو مخرجاً سينمائياً آخر هو جعفر بناهي.

وقالت تارا سبهري فر، الباحثة في شؤون إيران بالمنظمة، إن الحكومة الإيرانية لجأت إلى القمع عبر اعتقال منتقدين ذوي شعبية، لعدم قدرتها أو رغبتها في التعاطي مع التحديات الشديدة المتعددة التي تواجه البلاد. لافتةً إلى أن جميع الأسباب تؤشر إلى أن هذه الاعتقالات الأخيرة تعكس نيةً سيئة لقمع الغضب الشعبي من التقصير الحكومي الواسع.
اقرأ أيضاً: ماذا لو فشلت محادثات الاتفاق النووي مع إيران؟
ونشرت وكالة أنباء فارس المقربة من أجهزة المخابرات الإيرانية في 9 يوليو أن تاج زاده، نائب وزير الداخلية السابق، متهم بالعمل ضد الأمن القومي، ونشر أكاذيب بقصد إقلاق الرأي العام.

واتهمت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) الحكومية المخرجين رسولوف والأحمد، اللذين اعتقلا في 9 يوليو، بجمع التوقيعات على رسالة دعم للمتظاهرين الذي طالبوا بالمحاسبة عن انهيار مبنى في مدينة عبدان بمحافظة خوزستان يوم الأحد 23 مايو الماضي، أسفر عن مقتل 40 شخصاً.
وجوه بارزة
ويرى الكاتب الأحوازي يوسف عزيزي، أن سبب هذه التوقيفات والاعتقالات يعود لخشية النظام الحاكم من تطور المجتمع المدني المعارض، والمعتقلون يمثلون وجوهاً بارزة في هذا المجتمع، والنظام يخشى تحول هذه الوجوه إلى قيادات مدنية للنضال السياسي.

وقال عزيزي في تصريحاتٍ أدلى بها إلى “كيوبوست”، إن توقيت هذه الاعتقالات يرتبط بتطور النضال بين مختلف الشعوب الإيرانية، خصوصاً في مجال المؤسسات المدنية؛ بسبب قمع الأحزاب والتنظيمات السياسية، وتطور النضال يرعب السلطة التي تخشى تحوله إلى انتفاضاتٍ شعبية عارمة في ربوع البلاد، والتي قد تطيح بولاية الفقيه.
وأضاف أنه لا توجد محاسبة للنظام الإيراني على المستوى الدولي، فهو يتشبث بأن الأمور الداخلية من الشؤون السيادية، ولم أرَ تنديداً رسمياً من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة بقمع الحريات في إيران، لكن القاضي الحقيقي الذي سيحاسب النظام يوماً ما هو الشعب الإيراني.
اقرأ أيضاً: في الذكرى الـ26 لتفجيرات الخبر: باحث سعودي يفتح ملف الدور الإيراني في دول الخليج
وأشار إلى أن الحراك المتواصل والاحتجاجات المنتشرة في المدن الإيرانية تحمل الكثير من الدلائل، خصوصاً في ظل التفاوت الاجتماعي والطبقي بين فئة ممتازة من رجال الدين، وقادة الحرس الثوري، الذين يستحوذون على جزء مهم من الاقتصاد الإيراني، وبين الموظفين وأصحاب المعاشات التي تتأخر بشكلٍ متكرر، فضلاً عن انتشار البطالة والإفلاس، بسبب ضعف المؤسسات المصرفية المرتبطة بالنظام.

وأكد عزيزي، أن الفساد المستشري في كل أنسجة النظام الإيراني من رأسه إلى أخمص قدمه، وسوء التدبير في إدارة اقتصاد البلاد، والشؤون السياسية، كلها أمور تدفع الناس إلى الاحتجاج والتظاهر، وعلى وجه الخصوص المتقاعدون الذين لا يجدون الراحة في هذه السن، ويعرضون أنفسهم لخطر الاعتقال أو حتى القتل ويخرجون يوميا للتظاهر.
وأوضح أن بعض المحللين يتحدثون عن أن النظام الإيراني وصل إلى طريقٍ مسدود وسط هذه الأزمات الاقتصادية المستعصية، والتي لا يمكن حلها بيد النظام الذي كان سبباً فيها، فالحكومة غارقة في الفساد وسوء الإدارة، ولا يمكن أن تحل هذه المشاكل، وهذه نظرية منتشرة بين المحللين بالداخل والخارج، إلا أن هناك فئة من الإصلاحيين لا يزالون يتصورون إمكانية حدوث إصلاحاتٍ بنيوية في إطار النظام.
اقرأ أيضاً: هل سيكرر بايدن أخطاء أوباما مع إيران؟

واستطرد: مصطفى تاج زاده الذي تم اعتقاله كان يروج لهذه الفكرة، فهو لا يريد إسقاط النظام، ولكن إصلاحه بنيوياً، وهناك مجموعات سياسية وشخصيات مستقلة في الخارج معظمهم يعتقدون أن هذا النظام لا يمكن أن يصلح نفسه، ولا يستجيب لأي إصلاح.
وتابع بقوله: الطموح إلى الإصلاح بدأ مع وصول محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية (1997) لكن بسبب معارضة المرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري ورجال الدين الذين يستفيدون من استمرار الوضع الحالي لم يتمكن من إحداث أي تغيير، فهم لن يسمحوا أبداً بإصلاح النظام.

أزمة حقيقية

من جهته، قال مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، والباحث في الشأن الإيراني هاني سليمان، إن كل هذه التوقيفات تؤكد أن النظام في أزمة حقيقية، من خلال قمع الحريات وملاحقة أي صوت غير داعم للنظام بشكلٍ كامل، ومعظم من تم توقيفهم منتمون للنظام، ولديهم خط واضح، لكن هذه الإجراءات القاسية تؤكد ضعف النظام، وعدم قدرته على إسكات الأصوات الرافضة للأوضاع الاقتصادية.
وأضاف سليمان في تصريحاتٍ أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن النظام الإيراني يشعر بعدم القدرة على السيطرة الأمنية، في ظل اغتيال بعض العلماء النوويين، أو القادة الكبار في الحرس الثوري خلال الشهرين السابقين، لافتاً إلى انتشار الملاحقات ضد أي أصوات تخالفه، وهو أمر يعكس الارتباك والضغوط الكبيرة التي يواجهها النظام.

وتابع بقوله، إن النظام الإيراني يتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها بمزيدٍ من القمع الداخلي للحريات، مستغلاً في ذلك حالة الصمت الدولي الموجودة، وعدم وجود استراتيجية أمريكية واضحة للتعاطي مع إيران، والنظام يمتلك كثيراً من الأذرع القمعية مثل قوات مكافحة الشغب، والحرس الثوري، لقمع التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية.

وأشار إلى أن هناك دوراً مهماً للمنظمات الحقوقية والأمم المتحدة في فضح وتعرية النظام الإيراني، خصوصاً أن هذه الجرائم والانتهاكات لا تسقط بالتقادم، لكن المحبط من وجهة نظر سليمان، أن الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي متورط في جرائم وانتهاكات كبرى لحقوق الإنسان منذ نحو 3 عقود، وفي ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على مناصرة حقوق الإنسان، ومحاسبة من ينتهكها، فإن طهران تستغل الأمر، وتواصل الانتهاكات دون هوادة.