الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجيةشؤون دولية
إيران تلعب لعبة القط والفأر وتبحث عن أهداف جديدة في إفريقيا
اعتقال خمسة عشر شخصاً في إثيوبيا لاشتراكهم في ما وصفه مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون بأنه مخطط إيراني يستهدف دبلوماسيين إماراتيين

كيوبوست- ترجمات
عندما كشفت وكالة الاستخبارات الإثيوبية مؤخراً عن خلية مؤلفة من خمسة عشر شخصاً قالت إنهم كانوا يستهدفون سفارة الإمارات العربية المتحدة، كما قالت إنها عثرت بحوزتهم على كمياتٍ من الأسلحة والمتفجرات، وزعمت أنها أحبطت هجوماً كبيراً كان من شأنه أن يسبب الدمار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ ولكنّ الإثيوبيين أغفلوا تفصيلاً مهماً حول هذه المؤامرة: مَن يقف وراءها؟
كان الدليل الوحيد هو اعتقال الشخص السادس عشر والمتهم بتزعم العصابة، أحمد إسماعيل، في السويد، بالتعاون مع “أجهزة استخبارات صديقة في إفريقيا وآسيا وأوروبا”، على حد قول الإثيوبيين. والآن يقول مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن العملية كانت من عمل إيران التي نشطت مخابراتها إحدى الخلايا النائمة في أديس أبابا في الخريف الماضي، وأعطتها تعليمات لجمع المعلومات عن سفارتَي الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً.
اقرأ أيضاً: هل تقف إيران خلف تفجير السفارة الإسرائيلية في نيودلهي؟
ويقولون إن العملية الإثيوبية كانت جزءاً من حملة أوسع للبحث عن أهداف سهلة في دول إفريقية؛ حيث يمكن لإيران أن تنتقم للخسائر المؤلمة التي ألمت بها، مثل مقتل محسن فخري زادة، كبير العلماء النوويين الإيرانيين، الذي قيل إن إسرائيل قتلته في نوفمبر الماضي، والجنرال قاسم سليماني، رجل الاستخبارات الإيراني الذي قتلته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق قبل عام مضى. قالت الأدميرال البحري هايدي بيرغ، مديرة الاستخبارات في قيادة القوات الإفريقية في البنتاغون، نقلاً عن مصادر استخباراتية غربية، إن إيران كانت وراء الأشخاص الخمسة عشر الذين اعتقلوا في إثيوبيا، وإن العقل المدبر لهذا المخطط الفاشل هو أحمد إسماعيل الذي اعتقل في السويد. وأضافت: “لقد تعاونت إثيوبيا والسويد في إفشال هذا المخطط”.

وقد أنكرت إيران هذه الاتهامات. وقالت متحدثة باسم السفارة الإيرانية في أديس أبابا: “هذه اتهامات لا أساس لها، أثارتها وسائل إعلام خبيثة تابعة للكيان الصهيوني. ولم تذكر أيٌّ من إثيوبيا أو الإمارات أي شيء حول علاقة إيران بهذه القضايا”.
أعلن المتحدث باسم الشرطة الإثيوبية أسماء اثنين فقط من أعضاء الخلية الخمسة عشر؛ لكنه رفض التعليق حول لماذا لم توجه إثيوبيا إصبع الاتهام نحو إيران. عدد من الدبلوماسيين يقول إن إثيوبيا تتجنب التورط بشكل معلن في قضايا حساسة متعلقة بالقوى العظمى، وذلك لكونها العاصمة الدبلوماسية لإفريقيا والمقر الرسمي للاتحاد الإفريقي.
اقرأ أيضاً: إيران والولايات المتحدة.. لا اتفاق من دون الخليج وإسرائيل
وعلى الرغم من ذلك؛ فإنه قد أعلن جهاز المخابرات الإثيوبي، وجهاز الأمن القومي، أنه كانت هناك خلية أخرى تعمل على التخطيط لهجوم على السفارة الإماراتية في العاصمة السودانية الخرطوم. وقد أكد أحد المسؤولين السودانيين الخبر. وربط مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية الاعتقالات التي تمت في إثيوبيا بمحاولة إيرانية فاشلة لاغتيال السفير الأمريكي في جنوب إفريقيا، كما نشرت صحيفة “بوليتيكو” في سبتمبر. وقد اتفق مسؤولون أمريكيون وسودانيون على دراسة هذا الأمر بشرط عدم الكشف عن هويتهم؛ وذلك بسبب حساسية المسألة الاستخباراتية والدبلوماسية.

لا يزال هناك الكثير من الغموض حول هذه الاعتقالات في إثيوبيا، وحول الدور الإيراني المزعوم فيها. الشرطة الإثيوبية يجب أن توجه الاتهامات بشكل رسمي إلى أفراد المجموعة الخمسة عشر المتهمين، والتي أعلنت أسماء اثنين منهم فقط حتى الآن. يقول المسؤولون الإسرائيليون إن هناك ثلاثة على الأقل قد يكونون من الجنسية الإيرانية من بين أعضاء المجموعة التي وقعت في الشباك الإثيوبية.
حدثت هذه الاعتقالات في إثيوبيا في وقتٍ شديد الحساسية السياسية بين الولايات المتحدة وإيران؛ حيث تقوم إدارة بايدن بدراسة موقفها من طهران، ومن إعادة إحياء الاتفاق النووي معها الذي تم التوقيع عليه في عهد أوباما، والذي كان الرئيس دونالد ترامب قد أوقف العمل به في عام 2018. ومما يزيد الضغط على الرئيس بايدن أيضاً إعلان وزير الاستخبارات الإيراني، الأسبوع الماضي، أن بلاده قد تسعى للحصول على أسلحة نووية إذا لم يرفع الأمريكيون العقوبات عن إيران سريعاً.
اقرأ أيضاً: ما فرص خروج التصعيد الأمريكي- الإيراني عن السيطرة؟
وعلى الرغم من أن الأدميرال بيرغ كانت قد أكدت أن هناك الكثير من التفاصيل التي تثبت علاقة إيران بالمجموعة المعتقلة في إثيوبيا؛ فإن بعض المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين في واشنطن رفضوا مناقشة هذه العلاقة. وبالمقابل، فإن المسؤولين الإسرائيليين الذين تعلن حكومتهم عداءها لأي تحسن في العلاقات بين طهران وواشنطن، يصرون على أن هذه المؤامرة المفترضة ما هي إلا دليل آخر على أنه لا يمكن الوثوق في إيران.
على الرغم من كل الجهود؛ فإنه لا تزال إيران تحاول أن تثبت أنها ستنفذ وعدها بالثأر لخسائرها الكبيرة، وهي لم تحقق منها أي شيء سوى الهجوم على القاعدة الأمريكية في العراق في يناير 2020 بعد عدة أيام من مقتل الجنرال سليماني.
يقول الخبير في السياسة الخارجية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي آرون ديفيد ميلر، إن مخططاً لاستهداف الإمارات العربية المتحدة كما يفترض، حسب خلية إثيوبيا، هو خيار مثير للتساؤلات؛ لأنه قد يطيح بدبلوماسية بايدن المحتملة في ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني.
اقرأ أيضاً: كيف يبرر النظام الإيراني قمعه العابر للقارات؟
بينما قال محلل آخر إن الإمارات العربية المتحدة هي على رأس قائمة أعداء إيران، وإن سفارتها في إثيوبيا يمكن أن تمثل هدفاً سهلاً في وقت تنشغل فيه إثيوبيا في حرب تستعر في إقليم تيغراي الشمالي منذ نوفمبر.
وقال بروس رايدل؛ المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي يعمل الآن في معهد بروكينغز: “إفريقيا هي مكان سهل للعمل، وإثيوبيا منشغلة بقضايا أخرى”.
يبدو أن هذه الحلقة الغامضة هي الأحدث في مسلسل لعبة القط والفأر بين عملاء كل من إيران وإسرائيل على الأراضي الإفريقية في السنوات الأخيرة.
اقرأ أيضاً: عملية فرار جريئة لأكاديمي مسجون في إيران إلى بريطانيا
في التسعينيات كانت إيران تستمتع بعلاقات وثيقة مع السودان تحت حكم عمر حسن البشير، وفي العقد التالي تمكنت من إرساء سفنها الحربية في إريتريا. جاء الرد الإسرائيلي في عام 2009 على شكل غارات جوية استهدفت قافلة من شاحنات المهربين في السودان؛ بهدف وقف إمدادات السلاح الإيرانية من الوصول إلى قطاع غزة، كما قال مسؤولون أمريكيون، لكن علاقات إيران بالقرن الإفريقي قد تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة لتفسح المجال أمام التغلغل الإسرائيلي والإماراتي المتنامي. وفي عام 2018 ساعدت الإمارات في التوسط في اتفاق سلام تاريخي بين إثيوبيا وإريتريا، والآن ترسو سفن إماراتية حربية في الموانئ الإريترية. وفي نوفمبر أجرى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أرسلت إسرائيل في أعقابها فريقاً من مشغلي الطائرات المسيرة الإسرائيلية إلى إثيوبيا للمساعدة في مكافحة أسراب الجراد في حقولها.

وبعد أسابيع قليلة، التقي رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” يوسي كوهين، نظيره الإثيوبي لمناقشة ما سمَّياه “عمليات مكافحة الإرهاب”. وفي دولٍ إفريقية أخرى، يقول مسؤولون في المخابرات الإسرائيلية إنهم كثيراً ما يقدمون إلى الدول الصديقة معلومات حول نشاطات إيرانية مشبوهة. في عام 2012 اعتُقل إيرانيان في كينيا بتهمة حيازة 15 كيلوغراماً من المتفجرات؛ وهما يمضيان حكماً بالسجن لخمسة عشر عاماً. ويقول مسؤولون كينيون إن الرجلَين هما عضوان في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. ويقول محاموهما إنهما قد خضعا للاستجواب من قِبل محققين إسرائيليين، بينما كانا رهن الاعتقال في كينيا. وبعد أربع سنوات، في عام 2016 قامت كينيا بترحيل إيرانيَّين كانا قد اعتقلا في محيط السفارة الإسرائيلية ووجد بحوزتهما مقاطع مصورة للمبنى. وقالت إيران إن الرجلَين اللذين كانا يستقلان سيارة دبلوماسية كانا أستاذَين جامعيَّين.
اقرأ أيضاً: مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون سيعقدون أول جولة من المحادثات حول إيران واتفاقيات إبراهيم
ويشتبه في قيام عملاء إيرانيين آخرين بهجمات أو بهجمات جرى إحباطها في دول عدة؛ منها جورجيا وتايلاند والهند. وفي الرابع من فبراير الماضي جردت محكمة بلجيكية مبعوثاً إيرانياً من وضعه الدبلوماسي، وحكمت عليه بالسجن عشرين عاماً؛ لمحاولته القيام بهجوم بالمتفجرات يستهدف تجمعاً للمعارضة الإيرانية في فرنسا عام 2018.

دفعت تلك المحاولة الفاشلة، ومحاولة أخرى تشبهها في الدنمارك، الاتحاد الأوروبي في عام 2019 إلى فرض عقوبات على جهاز التجسس الإيراني الخارجي، ووزارة الاستخبارات والأمن. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن هذا الجهاز هو مَن خطط لعملية إثيوبيا. وقد أحالت السيدة صوفيا هيلكفيست، المتحدثة باسم الشرطة السويدية، أسئلة حول اعتقال إسماعيل -متزعم المجموعة المزعوم- إلى السلطات الإثيوبية. ولم يجب متحدث باسم الإمارات العربية المتحدة على طلبنا بالتعليق.
بالنظر إلى التبعات، فمن غير المفهوم لماذا قد يخاطر الإيرانيون بخسارة التقارب مع إدارة بايدن بشن عملية كهذه الآن.
فارزين نديمي، المتخصص في شؤون القوات المسلحة الإيرانية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قال إن إيران ربما ترغب في إرسال رسالة إلى المسؤولين في إدارة بايدن مفادها أنه “ما لم يتم سريعاً التوصل إلى اتفاق مع إيران فإن هذا هو ما سيحصلون عليه؛ محيط غير آمن”.
الكتاب:
♦ديكلان والش من نيروبي، إريك شميت من واشنطن، سايمن ماركس من أديس أبابا، رونين بريغمان من تل أبيب. وأسهم في الموضوع أيضاً ريك غلادستون من نيويورك.
المصدر: نيويورك تايمز