الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
إيران: احتجاجات أم ثورة؟

كيوبوست- ترجمات
سجّاد صفائي♦
مع استمرار الاحتجاجات في إيران بدأ الكثير من المراقبين يتساءلون حول ما إذا كانت هذه الحركة الاحتجاجية سوف ترتقي إلى مستوى ثورة شعبية تطيح بالنظام في طهران. ومن هؤلاء الدكتور سجاد صفائي، زميل معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية في ألمانيا، الذي كتب مقالاً نشرته مجلة “فورين بوليسي” مؤخراً. يرجع صفائي في مقاله إلى مجموعة من العوامل التي أوضحها عالم الاجتماع السياسي الشهير حسين بشيرية إبان ظهور احتجاجات الحركة الخضراء في إيران عام 2009، والتي تحدد ما إذا كانت الحركات الاحتجاجية ستتحول إلى ثورة.
العامل الأول هو ما إذا كانت الدولة تمر بأزمة شرعية. وهذا الأمر ينطبق على حال إيران منذ وقت طويل قبل انطلاق حركة الاحتجاجات الحالية في سبتمبر 2022. ويرجع ذلك بشكلٍ أساسي إلى نظام الانتخابات المعيب في البلاد، حيث يتحكم مجلس صيانة الدستور -وهو هيئة غير منتخبة مكونة من 12 عضواً من المتشددين- بالموافقة على ترشح المتنافسين في الانتخابات الإيرانية.
اقرأ أيضاً: إيران تصّعد حملة القمع في الداخل وتكثّف الدعاية في الخارج
وقد انعكست أزمة شرعية النظام الإيراني في الاحتجاجات الأخيرة من خلال غياب اسم الرئيس إبراهيم رئيسي، وتركيز المحتجين على المرشد الأعلى علي خامنئي لأنهم يرونه بمثابة المصدر النهائي لمعاناتهم، ويعتبرون أن رئيسي نفسه هو مجرد أداة تفرض عليها إرادة خامنئي.
والعامل الثاني الذي تجب مراعاته عند تقييم استقرار النظام هو مدى تماسك النخبة. في عام 2009 تعرضت النخبة الحاكمة لضربةٍ قاسية عندما تحول رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، ورئيس البرلمان السابق مهدي خروبي، خلال فترة قصيرة إلى قادة المعارضة الأمر الذي شكَّل صدعاً غير مسبوق في الطبقة الحاكمة. وقد استمرت هذه الأزمة، بل تفاقمت مع إقصاء الفصائل المؤيدة للإصلاح من هيكل السلطة. وبحلول عام 2021 كان الانقسام العميق قد وصل إلى الدوائر الصغرى للنخبة الحاكمة مع منع المحافظين المعتدلين مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني من خوض الانتخابات الرئاسية.
العامل التالي هو الأزمة العميقة والمزمنة للإدارة الفعالة في البلاد التي تتجلى بوضوح في سوء إدارة الاقتصاد وانتشار الفساد، على الرغم من أن العقوبات الأمريكية قد لعبت دوراً لا يمكن تجاهله في تدهور الوضع الاقتصادي، وعزل إيران عن الاقتصاد العالمي.

العامل الرابع الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو وحدة وقدرة القوى القمعية الإيرانية بما فيها الحرس الثوري الإسلامي، والباسيج والجيش النظامي، وقوات الشرطة وجهاز المخابرات، والقضاء المسيس المستعد لقمع المعارضة. وهنا تبدأ العوامل التي لا تلعب في صالح الحركة الأخيرة. إذ لم تظهر في أي وقت خلال عام 2022 أيه مؤشرات على اهتزاز تماسك هذه القوى، بل على العكس تم احتواء المظاهرات دون الحاجة لاستدعاء كل تلك المجموعات من القوات العسكرية والأمنية الإيرانية. وببقاء القوات الأمنية على هذا القدر من التماسك يفقد الوضع الثوري أحد مقوماته، ولكن المقومات الأخرى تتراكم عند النظر في الوضع الحالي لحركات المعارض الإيرانية وهو محور العوامل الأربعة التالية.
يعتبر السخط الجماهيري عاملاً محققاً وقائماً في إيران، فمنذ ما قبل موجة الاحتجاجات الأخيرة كانت القيادة الإيرانية تجلس على برميل بارود من الاضطرابات الاجتماعية. لكن مجرد السخط الجماهيري لا ينتج لحظة ثورية. وكما قال بشيرية “السخط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي يصبح فعالاً عندما يصبح واقعاً من خلال محفز معين، ولا بد أن يكون مسيساً لينتج عنه آثار سياسية”.
اقرأ أيضاً: الثورة في إيران لن تنجح لكن التغيير قادم
وقد أدت النهاية المأساوية لمهسا أميني إلى تسييس مصادر السخط الموجودة مسبقاً مثل غياب الحرية السياسية، والفساد، وسوء إدارة الموارد الطبيعية والفقر. وقد وجدت مصادر السخط هذه في مسألة قانون الحجاب الإلزامي نقطة تركيز سياسي.
ولكن على الرغم من أن السخط الجماهيري يشكل عاملاً يمكن للحركة الاحتجاجية الأخيرة الاعتماد عليه، تبقى عيوب هذه الحركة من الناحية التنظيمية والقيادة عاملان ثبت حتى الآن أنهما حاسمان.
اعتمدت الحركة الخضراء عام 2009 على شبكاتٍ تنظيمية واسعة، تم تطويرها خلال أشهر الحملات الانتخابية المكثفة التي سبقت الاحتجاجات، وتضمنت هذه الشبكات مقار الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية، والمنظمات الطلابية، والمجموعات العمالية، وغيرها. ولم تعتمد كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان يتم تنظيم معظم المظاهرات من خلال التواصل الشخصي، والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية. بينما افتقرت الحركة الأخيرة إلى هذه الشبكات الراسخة، وكان تنظيم المظاهرات تلقائياً من خلال منصات تلغرام وتيك توك، الأمر الذي عكس التركيبة العمرية للمتظاهرين حيث كانت أكثر من 41% من المعتقلين من الشباب الذين تقل أعمارهم عن عشرين عاماً. وقد سهلت هذه القدرة التنظيمية المحدودة على السلطات احتواء المظاهرات، على عكس ما حدث في عام 2009.

أما العامل الأخير الذي يجب النظر به عند تقييم الإمكانيات الثورية للاحتجاجات الأخيرة فهو أيديولوجية هذه الاحتجاجات. يصنف بشيرية الأيديولوجيات المعارضة إلى نوعين، أيديولوجية هجومية وأخرى دفاعية. الأولى تدعو إلى إصلاح جذري وشامل للنظام والهياكل الاجتماعية والسياسية القائمة، في حين تركز الثانية على المظالم العامة، والرد على التعديات الواقعة على الحريات والحقوق من قبل النخبة الحاكمة. وعلى النقيض من الأيديولوجية الدفاعية للحركة الخضراء التي كانت طرحت شعار “أين صوتي؟” والتي سعَت إلى إلغاء نتائج الانتخابات، اتخذت حركة 2022 نهجاً هجومياً أكثر عدوانية استهدف المرشد الأعلى مباشرة. ولكن هذا النهج يفتقد الأيديولوجية الهجومية المتماسكة التي تدعو صراحة إلى الإطاحة بالنظام الحالي. ومع ذلك، فمن المهم أن نلاحظ أن هذه الأيديولوجية -على الرغم من أنها لم تصبح هجومية صريحة بعد- يمكن أن تتطور إلى هجوم لا هوادة فيه بمرور الوقت.
اقرأ أيضاً: إيران: حل شرطة الأخلاق… خطوة حقيقية أم مناورة سياسية؟
وعلى الرغم من غياب المكونات الأساسية للانتقال الناجح إلى حركة ثورية، فإن هذا لا يمنع بشكلٍ تلقائي إمكانية حدوث ثورة. فالتطلعات المشروعة للشعب الإيراني لن تختفي إذا لم تتم معالجتها. إنها مسألة وقت قبل اندلاع الجولة التالية من الاحتجاجات مع عدم وجود أي مؤشر جاء على أن السلطات مستعدة لاتخاذ أي خطوات ذات مغزى نحو التغيير الدائم.
وفي الإجابة على التساؤل: إلى أين تتجه إيران؟ ينوه صفائي بما يراه بشيرية من أن الحكومات الاستبدادية تعوض أزمة الشرعية إما باللجوء إلى المزيد من القمع والعنف أو إلى المزيد من الرفاه العام. وفي أعقاب احتجاجات 2009 لجأت السلطات الإيرانية إلى الخيار الأول، واليوم يبدو أن هذا السيناريو هو المرجح في ظل العقوبات التي استنزفت موارد الدولة بشكلٍ كبير. وأمام الأزمة غير المسبوقة التي تواجهها الحكومة الإيرانية في شرعيتها وإدارتها للبلاد، أصبح من الواضح ازدياد تأثير أن القادة العسكريين على صنع السياسة الخارجية. ولا بد للإيرانيين وكل من يتابع محنتهم في جميع أنحاء العالم من الاستعداد ليس لثورة ولكن للمزيد من عسكرة البلاد في المستقبل.
♦زميل ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية في برلين.
المصدر: فورين بوليسي