الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

إيران – أذربيجان: عقود من التوتر ومخاوف من التصعيد

رغم تطور العلاقات واستقرارها في بعض الأحيان إلا أن هذا لم يمنع إيران من محاولة استغلال أذربيجان لتحقيق مصالحها

كيوبوست- إبراهيم المقدادي

بعد الهجوم الذي شنه مسلح إيراني على سفارة أذربيجان في طهران، يوم الجمعة الماضي، وأسفر عن سقوط ضحايا من أمن السفارة، أعلن نائب وزير خارجية أذربيجان “خلاف خلافوف”، تعليق العمليات الدبلوماسية لسفارة بلاده في طهران، وقال في تصريحاتٍ نقلتها وكالة “أذرتاج” الرسمية، إن بلاده لا تثق بإيران بشأن ضمان أمن موظفي سفارتها في طهران، مشيراً إلى أن قنصلية أذربيجان في مدينة تبريز ستواصل عملها.

وأضاف أن إيران تتحمل المسؤولية كدولةٍ عن الهجوم على سفارة بلاده في طهران وعواقبه التي وصفها بالوخيمة. معتبراً أن إيران تصرفت بشكلٍ غير مسؤول بعد مطالبة بلاده لها بتشديد الإجراءات الأمنية حول السفارة في طهران.

اقرأ أيضاً: هل تزيد تركيا التوتر بين أذربيجان وإيران؟

وكان المهاجم قد أطلق النار على سفارة أذربيجان في طهران، يوم الجمعة الماضي، ما أسفر عن مقتل شخص، وإصابة اثنين آخرين، في هجومٍ تقول طهران إن دوافعه شخصية، بينما وصفته باكو بأنه إرهابي.

تصعيد التوترات

جاء هذا الهجوم في خضم توتراتٍ متزايدة بين الدولتين الجارتين، بشأن عدة قضايا أهمها: الموقف الإيراني من قضية “ناغورنو كاراباخ” الداعم لأرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة[1]، ووجود نسبة كبيرة من الإيرانيين ذوي الأصول الأذرية، والخشية من المطالبة بالانفصال في حال تعزَّزت قوة أذربيجان[2]، والاتهامات المتبادلة بين الطرفين بخصوص دعم بعض الأطراف المعارضة في كلا البلدين، ومشكلة ترسيم الحدود وتقاسم ثروات بحر قزوين[3]، إضافة إلى العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية، والتواجد والنفوذ الإسرائيلي والأمريكي في أذربيجان، وخشية طهران من استخدام القواعد العسكرية في أذربيجان لشن هجوم على منشآتها النووية واستخدامها في عملياتٍ استخباراتية، فضلاً على تباعد الرؤى والمنهجية السياسية بين إيران الراديكالية وأذربيجان العلمانية.

أمام السفارة الأذربيجانية في طهران بعد الهجوم

التصعيد الحالي

في الوقت الراهن، الوضع بين الطرفين أشبه بالحرب الكلامية، فقد أظهرت كل من إيران وأذربيجان لبعضهما البعض الجرح الذي يمكن أن يضعوا أصابعهم عليه لإثارة قلق الطرف الآخر.

وبالنسبة لإيران، فإن صحوة الأتراك في مقاطعات أذربيجان هي الأكثر إثارة للقلق على الإطلاق، وفي الآونة الأخيرة، وخلال الاحتجاجات الشعبية في إيران، لجأت أذربيجان لإثارة وتحريض الأذريين ضد النظام الإيراني، وهو ما أثار غضب طهران أكثر فأكثر.

اقرأ أيضاً: أزمة الشرعية في إيران

بينما يبدو أن إيران وأذربيجان تتجهان نحو تصعيد التوتر، تصر إيران على سياساتها التدخلية في باكو، ويشن إعلامها هجوماً شديداً على أذربيجان ورئيسها، بطريقةٍ أشعلت فرن الصراع الدائر. 

وبعد إصرار إيران على أنشطتها الاستفزازية، وخاصة بعد إعلان الأجهزة الأمنية الأذرية عن اعتقال شبكة تجسس تعمل لصالح النظام الإيراني، قال إلهام علييف، رئيس أذربيجان، في خطابٍ بمناسبة ذكرى الانتصار في شوشي، أمام عددٍ من الجنود: “نحن نعزز جيشنا وسنواصل لنفعل ذلك، يجب أن تفهم أرمينيا أنه ليس إصرار بعض مؤيدي أرمينيا هو الذي يبقينا في إطار السلام الحالي، نحن لا نخاف من أحد”[4]. (ويقصد بمؤيدي أرمينيا الإيرانيين)، الأمر الذي أدى إلى ردود أفعال إيرانية غاضبة ظهرت جلياً في خطابها الإعلامي ضد أذربيجان واستدعاء سفيرها للاحتجاج.

أذربيجان تكشف شبكة تجسس لصالح إيران

فعلى الرغم من أن علييف قد خاطب أرمينيا بهذه الكلمات، فإنه كان واضحاً من معنى كلماته أنه خاطب طهران، وكان رد فعله على إجراء المناورات العسكرية الإيرانية الأخيرة بالقرب من حدود أذربيجان في 26 أكتوبر الماضي، حيث قام الحرس الثوري الإيراني بتدريباتٍ عسكرية واسعة النطاق لمدة ثلاثة أيام على الحدود مع جمهورية أذربيجان تحت عنوان “اقتدار 1401″، وفي هذا التمرين، ولأول مرة، تم اختبار إنشاء الجسور العائمة المؤقتة لتدريب القوات والمركبات العسكرية على عبور عوائق المياه.

ما كانت تسعى إليه طهران في إجراء هذه المناورات هو نوع من “معارضة أي تغيير جيوسياسي في المنطقة”، وهي قضية كررتها السلطات الإيرانية عدة مرات في الأشهر الأخيرة، وحذرت من التغييرات الوشيكة للحدود، والتهديدات الجيوسياسية الأخرى.

اقرأ أيضاً: هل تزيد تركيا التوتر بين أذربيجان وإيران؟

نقاط التوتر

رغم مساعي الطرفين في تحسين العلاقات، وتطوير الجوانب المشتركة، تبقى عدة قضايا ومسائل مانعة لتوسيع العلاقات بين الطرفين، أهمها:

1- الموقف الإيراني من قضية “ناغورنو كاراباخ” الداعم لأرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة[5]، حيث لا تخفي إيران بناء علاقات قوية مع أرمينيا، الجارة التي تحتل ما يقرب من 25% من الأراضي الأذربيجانية، فبالإضافة إلى ناغورنو كاراباخ تحتل أرمينيا سبعة مناطق أذربيجانية أخرى.

2- وجود نسبة كبيرة من الإيرانيين ذات الأصول الأذرية، والخشية من المطالبة بالانفصال في حال تعزَّزت قوة أذربيجان[6]، لذا تمارس إيران أنشطتها التدخلية في شؤون أذربيجان لتحقيق مصالح وأهداف عدة في مقدمتها ضمان ولاء الأذريين لنظام الولي الفقيه حتى لا يفتح الباب أمام مطالب الأقلية الأذرية في إيران بالانضمام إلى دولة أذربيجان.

3- الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بخصوص دعم بعض الأطراف المعارضة في كلا البلدين.

4- مشكلة ترسيم الحدود، وتقاسم ثروات بحر قزوين[7].

5- قرار إيران فتح قنصلية في إقليم “ناختيشيفان” ذي الحكم الذاتي ضمن جمهورية أذربيجان عام 1992.

6- العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية، والتواجد والنفوذ الإسرائيلي والأمريكي في أذربيجان.

7- علاقات أذربيجان مع تركيا التي تُعتبر المنافس الإقليمي لإيران في هذه المنطقة.

النتائج والسيناريوهات

أولاً: حول مستقبل العلاقات والتواجد الإيراني في أذربيجان تشير الدراسات وآراء الخبراء أن هناك حزمة من المعوقات والتحديات التي ستقف عائقاً أمام تطور العلاقات بين الطرفين، وتحد بشكلٍ متصاعد من التواجد الإيراني في أذربيجان.

ثانياً: في المقابل، توجد أسس تقارب والتقاء بين البلدين تقوم على مصالح مشتركة، واشتراكات اقتصادية ومذهب وإرث ثقافي مشترك بين البلدين، خاصة أن غالبية شعوب الدولتين هم من الشيعة، كذلك يلعب الأمن المشترك دوراً في عدم توجه العلاقات إلى الأسوأ، وربما كان هذا السبب في موقف باكو الإيجابي من الملف النووي الإيراني، حيث أكدت أنه سلمي، ودعت إلى ضرورة إيجاد حل تفاوضي بشأن هذه القضية، وأعلنت بوضوح رفضها استخدام أراضيها لعمل عسكري ضد إيران.

إسرائيل كلمة السر في العلاقات الإيرانية الأذربيجانية

ثالثاً: أحد السيناريوهات هو أن تبقى العلاقات السياسية بين البلدين كما هي الآن دون أن تتطور إلى مستوى نوعي، وسيسعى الطرفان إلى تعزيز علاقاتهما بزيادة حجم التبادل التجاري والتخطيط لمشروعات اقتصادية مشتركة، وخاصة في مجال الطاقة، وهناك من يعتقد بوجود دوافع استراتيجية تجعل التقارب بين باكو وطهران ممكناً في حدود معينة، وخاصة في ظل التدهور الاقتصادي لإيران[8]، غير أنه من الصعب أن يصل التقارب بين الدولتين إلى حد الشراكة الاستراتيجية.

رابعاً: من السيناريوهات أيضاً، والتي أشار إليها الباحث في شؤون القوقاز “سالارا سيف الديني”، هي أن سلسلة الأحداث بين طهران وباكو والتي بدأت في عام 2020، لها عواقبها المتوقعة وغير المتوقعة، وهذه العواقب اليوم لن تؤدي إلى علاقة مستقرة، بل إن كل المتغيرات والمعطيات تدل على أن العلاقة بين طهران وباكو تتجه نحو التوتر، وهذا التوتر يمكن أن يؤدي بشكلٍ تدريجي إلى مواجهة[9].

اقرأ أيضاً: لماذا تقلل إيران من شأن اغتيال إسرائيل لمسؤوليها؟

خامساً: كما أن سعي أذربيجان لمد سيطرتها على مناطق ناغورنو كاراباخ، وخلق الأساس والظروف لإسرائيل للتوغل بشكلٍ أكبر على طول الحدود مع إيران، من إنشاء القرى الذكية إلى استخدام أراضي كاراباخ لهجمات الطائرات بدون طيار على إيران، والتخطيط للاغتيال والتجسس، والاستهداف النووي، وما إلى ذلك، والتي وفقاً للوثائق والمواقف الصريحة لمسؤولي الأمن الإيرانيين، فإن معظم عمليات إسرائيل ضد إيران هي من أراضي أذربيجان، والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، تعتبره إيران تهديداً لأمنها القومي[10].

المراجع:

[1] https://cutt.us/zd2so

[2] https://cutt.us/qW9tU

[3] https://cutt.us/ggloo

[4] https://cutt.us/W8PMP

[5] https://cutt.us/zd2so

[6] https://cutt.us/qW9tU

[7] https://cutt.us/ggloo

[8] https://cutt.us/URPmH

[9] https://cutt.us/dDXvG

[10] https://cutt.us/MVyHe

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

إبراهيم المقدادي

باحث في الشأن الإيراني

مقالات ذات صلة