الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

إلى أين يتجه المشروع “الجهادي” في الأردن بعد تراجعه في المنطقة؟

انقسامات كبيرة داخل التيارات الجهادية!

خاص كيو بوست – مصطفى أبو عمشة

لا تزال تداعيات الأزمة السورية تلقي بظلالها على التيارات الجهادية “المتشددة”، خصوصًا بعد تراجع مشاريع ومخططات هذه التيارات في سوريا والعراق، نظرًا للهزائم والخسائر التي منيت بها على الصعيد الميداني، وفقدانها للكثير من المناطق التي كانت تسيطر عليها في الأماكن الساخنة.

وبعد أكثر من 7 سنوات، لم تحصد هذه التنظيمات أي مكاسب سياسية أو أيديولوجية كانت تطمح لها، بل تراجعت إلى حد كبير في نفوذها وتمددها وانتشارها، واضطر الكثير من عناصرها وقياداتها إلى الفرار إلى ملاذات آمنة، بعيدًا عن أعين الرصد والرقابة الأمنية، فيما اضطر قسم آخر منهم إلى البحث عن طرق ووسائل جديدة للتخلص من الوضع القائم، كالعودة إلى بلدانهم الأصلية. فئة أخرى بارزة تدفقت إلى مناطق الصراع الأخرى، تمسكًا بالأيدولوجية المتشددة التي تحملها.

اقرأ أيضًا: هل سيحسم الأردن علاقته بجماعة الإخوان أسوة بدول المنطقة؟

انعكاسات هذه الحالة ستلقي بظلالها حتمًا على الساحة الأردنية، وبالتالي فإنّ التيار “الجهادي” في البلاد سيكون له حظ ونصيب من هذه المتغيرات والمعطيات؛ فبعد تراجع مشاريع التنظيمات المتشددة في سوريا والعراق، وضعف وتراجع تنظيم “داعش” وجبهة “تحرير الشام” والتنظيمات الأخرى، يمكن التساؤل حول المصير الذي سيتجه إليه التيار الجهادي في المملكة الهاشمية.

وكانت الحالة الجهادية في الأردن قد تعرضت لمؤثر قوي، تمثل في إسهام الأزمتين السورية والعراقية في تعبئة الكثير من “الجهاديين” لصالح تنظيم “الدولة الإسلامية”، ما أدى إلى تحولهم إلى أغلبية داخل التيار الجهادي في الأردن. كما تزايد أعداد مناصري التنظيم في المملكة بشكل كبير بعد أن أصبح لهم كيان في العراق وسوريا.

إضافة إلى ذلك، يعاني التيار “الجهادي” في الأردن من انقسامات واضحة منذ فترة كبيرة، نتيجة للظروف الإقليمية والدولية، التي ألقت بظلالها على الأيديولوجية “الجهادية”. وجاء على رأس تلك الانقسامات الخلافات الحادة التي عصفت بالتيار “الجهادي” العالمي، محدثة صدامات مسلحة بين تنظيمي “النصرة” و”داعش” في سوريا، الأمر الذي ألقى بظلاله على التيار “الجهادي” في الأردن؛ بداية من حالة الاستقطاب بين الطرفين، ومرورًا بتبادل التهم، وانتهاء بإصدار الفتاوى والمواقف الشرعية من قبل رموز وقادة التيار في الأردن. وتركزت تلك الفتاوى حول مشروعية الانضمام والانخراط في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومشروعية إعلان “الخلافة”، والمسائل المرتبطة بها كالبيعة واختيار “الخليفة الشرعي”، إضافة إلى إصدار الفتاوى الشرعية حول سياسة الذبح والنحر التي تنتهجها هذه التنظيمات في العراق وسوريا.

 

قوى إقليمية ودولية على علاقة بالتيار

يؤكدّ الباحث والخبير في شؤون الحركات الإسلامية هشام النجار بأنّ التيارات “الجهادية” لم تكتب بعد كلمة النهاية؛ فهي تخوض حربًا طويلة على جولات، والإخفاق في الملف السوري لا يعني أنّ الأمر انتهى بالنسبة لهذه التيارات، مشيرًا إلى أنّ هناك قوى إقليمية ودولية تربط مصالحها بهذا التيار، ثمّ تعيد إنتاجه وتدويره بهدف الحيلولة دون هزيمته هزيمة نهائية.

ويتابع النجار في حديثه الخاص إلى “كيو بوست” بالقول: “بالنظر إلى تنوع وتعدد تلك الفصائل وتنافسها في الساحة الواحدة، عندما يتراجع فصيل كداعش على سبيل المثال يسعى فصيل آخر كالقاعدة لوراثته، والعكس صحيح، علاوة على أنّ هذين الجناحين معًا يسعيان إلى تعويض خسائرهما بالتمدد في فضاءات ومساحات بعيدة ومهمة إستراتيجيًا؛ كالقرن الإفريقي ودول جنوب شرق آسيا، وهو ما يكسبها القوة من جديد لتعاود الحضور بقوة في ملفات الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وهو ما يحدث الآن خلال هذه المرحلة”.

اقرأ أيضًا: كيف سيتعامل الأردن مع إعادة فتح معبر نصيب الحدودي؟

وحول انعكاسات هذا الأمر على واقع التيارات “الجهادية المتشددة” في الأردن سواء على مستوى البيئة الحاضنة أو على مستوى التنظيمات ذاتها، يرى النجار بأنّ الأردن ساحة مهمة في نظر ومخططات التنظيمات “الجهادية المتشددة” من ناحية الموقع والمكانة، كما أن البلاد بمثابة رافد منهجي للسلفية الجهادية.

وينوه النجار إلى أنّ الساحة الأردنية سيكون لها دور في مرحلة إعادة إنتاج التيار “الجهادي” في المشهد الشرق-أوسطي، إذ سيسعى “الجهاديون” في الأردن إلى استغلال فرصة تراجع مشروع “الإخوان” السياسي، باللعب على وتر الترويج لانعدام فرص “الإسلاميين” في المشاركة في المسارات الديمقراطية، وألا حل سوى بالصدام والمواجهة المسلحة، مشددًا على أنّ مثل هذا الأمر سيكون دافعًا لأن تُستغل الساحة الأردنية، لا كمجرد سند فكري ومضخة توريد للتيار “الجهادي”، بل ساحة فعل وممارسة أيضًا، الأمر الذي سيؤدي إلى عودة مرتقبة لهذا التيار، ستكون أكثر شمولًا وتمددًا.

 

مزيد من الصراعات والجبهات

يتوقع النجار بأنّ المرحلة المقبلة، بالنسبة لهذه التيارات، ستشهد مزيدًا من الصراعات والصدامات، وفتح مزيد من الجبهات، إذ لن يقتصر الأمر على الساحة السورية فحسب، بل إنّ هذه التنظيمات ستحاول فتح جبهات جديدة في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، مشيرًا إلى أنّ هذه الحالة التي يمر بها التيار “الجهادي” هي حالة عامة تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة الحالية، مشددًا على أنّ قوة الجهاديين حاليًا تتمثل في قوى خارج المنطقة العربية، وهم الآن في مرحلة الإعداد للعودة، وسيعودون صوب مراكزهم ومعاقلهم السابقة، وقد يكون للأردن نصيب من ذلك.

ويرى النجار بأنّ عودة الجهاديين إلى مراكزهم ومعاقلهم وبلدانهم الأصلية ستشكل خطورة كبيرة على المناطق الرخوة في الدول التي لا تزال تعاني فراغًا أمنيًا أو صراعات مسلحة أو عدم استقرار سياسي، كالعراق وسوريا وليبيا، مؤكدًا بأنّ الخطر على الأردن ومصر سيكون في هذه الحالة ثانويًا بالنظر إلى الاستقرار السياسي، وقوة القبضة الأمنية، وتراجع تيارات “الإسلام السياسي” على رأسها جماعة “الإخوان” التي كانت تسعى إلى توظيف “الجهاديين” ضد الدولة ومؤسساتها.

 

الأردن يسير باتجاه حصار هذه الجماعات

وفي سياق متصل، يعتقد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية طارق البشبيشي في تصريحات خاصة إلى “كيو بوست”، بأنّ ثورات “الربيع العربي” التي اندلعت في بلدان عربية عدة، أخذت فرصتها كاملة من التفاعل والجدال، واستفادت منها التنظيمات الشعبية “الإسلامية”، وصعدت من خلالها إلى سدة الحكم في بعض تلك البلدان، مثل مصر وتونس، متسائلًا في الوقت نفسه: “ماذا كانت النتيجة؟ لقد تمخض عن هذه التجربة تشوهات اجتماعية واقتصادية ضخمة هددت وجود بعض الدول، فانقلبت الشعوب على هذه التجارب الفاشلة وثارت عليها، حتى أطاحت بها”.

وعن انعكاسات هذا الأمر على واقع التيارات “الجهادية المتشددة” في الأردن، يؤكدّ البشبيشي، بأنّ كل قرارات وإجراءات دول المنطقة، بما فيها الأردن –التي باتت عاصمة للمخابرات العربية- تسير في اتجاه حصار جماعات “الإسلام السياسي”، مشيرًا إلى أنّ ظاهرة عودة “الجهاديين” إلى مراكزهم ومعاقلهم لم تنته بعد، خصوصًا بأنّ هناك دولًا وأجهزة مخابرات معادية ما تزال تستخدم تلك التنظيمات كمرتزقة لمشاريعها التوسعية في المنطقة العربية؛ مثل الـ “CIA” وبريطانيا وقطر وتركيا، على حد وصفه.

وحول إمكانية أن يشكل التيار الجهادي في الأردن رافدًا مهمًا للجماعات المتشددة في سوريا والعراق، يشدد البشبيشي، على أنّ موقع الأردن الجغرافي حساسٌ؛ فقد دفعت البلاد في كثير من المرات ثمنًا باهظًا بسبب موقعها، مؤكدًا على أنّ الأردن يدرك ذلك جيدًا، ويمتلك أجهزة أمن قوية وخبرة كبيرة في التعامل مع الإرهاب، ويستعين بخبرات من دول أخرى لحصار تلك التنظيمات، حتى لا يتحول إلى معمل تفريخ يتأذى منه كل من حوله.

لكن يبقى الأمر بالنسبة للساحة الأردنية مختلفًا بعض الشيء عن دول أخرى، نظرًا للانقسام الحاد في التيار “الجهادي” في المملكة، الذي يعود إلى أيام الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003، وصعود شخصية أبو مصعب الزرقاوي، الذي كان يتزعم آنذاك تنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين”، ليتحول فيما بعد إلى ما يسمى بدولة “العراق الإسلامية”، قبل تصفيته عام 2006.

وقد تسبب ذلك بظهور مدارس فكرية مختلفة؛ منها “مدرسة الزرقاوي” من المناصرين الذين كانوا يرون ضرورة تقديم القتال على الدعوة، مقابل مدرسة “أبو محمد المقدسي”، التي ترى ضرورة تقديم الدعوة على “الجهاد والقتال”. ولا تزال تتصاعد مثل هذه الاختلافات والصدامات بين الطرفين حتى وصلت إلى ذروتها بعد الأزمة السورية، وبعد تحول كثير من عناصرها إلى تنظيم “داعش” بقيادة أبو بكر البغدادي الذي نصّب نفسه “خليفة للمؤمنين”، متجاوزًا بذلك الأعراف والتقاليد التي كان يسير عليها التيار “الجهادي” على المستويين العالمي والإقليمي.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة