الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
إلغاء تجارة الرق.. إنجاز بدأه العبيد

كيوبوست- مدى شلبك
غالباً ما يتم إغفال دور العبيد في إنهاء تجارة الرق، ويُعزى الإنجاز إلى المشرعين الأوروبيين والأمريكيين، إلا أنه في الحقيقة، قبل أن تسن الدول الاستعمارية المتورطة قوانين تمنع تجارة الرق؛ قاد العبيد عدة انتفاضات كانت حجر الأساس في إنهاء عبوديتهم، ونيل حريتهم وكرامتهم الإنسانية، وإلغاء تجارة الرق.
وإحياءً لذكرى تجارة الرق وذكرى إلغائها، تم اختيار 23 أغسطس من كل عام؛ للاحتفال باليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وإلغائها، وهو التاريخ الذي يصادف اليوم الذي قامت فيه ثورة هايتي عام 1791م، عندما قاد العبيد في “سانت دومينيك” (جمهورية هايتي حالياً) ثورة في وجه المستعمرين الفرنسيين، وكانت تلك الثورة بمثابة الخطوة الأهم في سياق إنهاء تجارة الرق.
تجارة الرق
مورست تجارة الرق قديماً في جميع أنحاء العالم، فخلال أزمنة سابقة، تم أسر واستعباد أشخاص من أصول سلافية وإفريقية وجرمانية وغيرهم…
تطور الاستعباد ليأخذ شكل شبكات التجارة؛ ففي القرنين التاسع والعاشر -مثلًا- كان الفايكنج يأسرون العبيد السلافيين الشرقيين ويبيعونهم للتجار العرب واليهود، الذين بدورهم يبيعونهم في أماكن أخرى من العالم.
اقرأ أيضًا: تجارة الرق عبر الأطلسي.. وصمة عار تاريخية في جبين الغرب
كانت تجارة الرقيق الأكثر مأساوية، تلك التي تمت عبر المحيط الأطلسي، خلال القرنين الخامس عشر والثامن عشر؛ إذ تم اختطاف ونقل حوالي 12 مليون إفريقي، من السواحل الإفريقية إلى البرازيل وجزر الكاريبي، ومن هناك جرى توزيعهم في جميع أنحاء العالم الجديد (الأمريكيتين)، وتحديداً إلى أمريكا الشمالية، والتي كانت بحلول عام 1825م تضم حوالي ربع السكان المنحدرين من أصل إفريقي في نصف الكرة الغربي.
ثورة هايتي
ولطالما عانى العبيد من ظروف تنتهك إنسانيتهم، فإلى جانب الحرمان من الحرية والاستقلالية والحق بتقرير المصير، عايش العبيد ظروف نقل وعمل منهكة، كما عانوا من ظروف معيشية قاسية أدت إلى إصابتهم بأمراض مميتة، وإلى ارتفاع معدل وفيات الرضع بينهم.
ونتيجة لتلك الظروف غير الإنسانية، كان لا بد من وضع حد لتجارة الرق، وكانت البداية مع ثورة هايتي (سانت دومينيك حينها)، التي انتفض خلالها العبيد الأفارقة، الذين كانوا يشكلون أغلبية السكان هناك، وعملوا في حقول البن بشكل مكثف ووحشي، إلى جانب سكان من أعراق مختلطة، بوجه المستعمرين الفرنسيين، في الفترة ما بين 1791م- 1804م.

وإلى جانب الظلم والمعاناة اللذين كانا سبباً في إشعال تمرد العبيد في هايتي، ساعدت الثورة الفرنسية، وما أفضت إليه من قيم إنسانية تتنافى مع الوضع الذي كان قائماً حينها في المستعمرات الفرنسية، في إشعال الثورة، إذ وعدت الحكومة الثورية الفرنسية بإنهاء الرق.
لم تتوقف الثورة الهايتية التي استمرت أكثر من عقد، ما دفع دولتي بريطانيا وإسبانيا لإرسال قواتهما؛ لمواجهة الثورة إلى جانب القوات الفرنسية، إلّا أن الثوار تمكنوا من هزيمة القوات المستعمرة، فيما حصل شعب هايتي على الاستقلال عن فرنسا، وبذلك أصبحت هايتي أول دولة يؤسسها العبيد الأحرار عام 1804م، واعترفت فرنسا باستقلال هايتي في عام 1825م.
إلغاء تجارة الرق
لم تكن ثورة هايتي التي كانت خطوة مهمة باتجاه إلغاء تجارة الرق، التحرك الوحيد الذي قام به العبيد، فقد نفذّوا تمردات أخرى أثارت قلق المستعمرين البيض، تحديداً مع تزايد عدد العبيد الأفارقة الوافدين، إلى جانب جهود الدعاة لإلغاء العبودية، وأبرزها تأسيس جمعية إلغاء تجارة الرقيق في بريطانيا بواسطة “جرانفيل شارب” و”توماس كلاركسون” عام 1787م.
اقرأ أيضاً: العبودية اليوم.. مئات المعاهدات وعشرات ملايين المستعبدين
وفي المؤتمر الدستوري للعام 1787م في الولايات المتحدة الأمريكية، تم الاتفاق على إيقاف استيراد العبيد بحلول عام 1808م، ضمن قانون “حظر استيراد العبيد”، لكن قانون “حظر استيراد العبيد” لم ينهِ العبودية، إذ لم يتم الالتزام بالقانون تماماً من قبل التجار، كما أن بيع العبيد محلياً كان لا يزال قانونياً.
فيما كانت النهاية الفعلية لتجارة الرق في الولايات المتحدة، يوم 18 ديسمبر 1865م؛ عندما تم اعتماد التعديل الثالث عشر كجزء من دستور الولايات المتحدة، وبموجبه تم إلغاء العبودية رسمياً، وعليه تحرر على الفور أكثر من مئة ألف مستعبد، علماً بأن الرئيس الأمريكي السادس “إبراهام لينكولن” كان قد أصدر إعلان تحرير العبيد في الأول من يناير عام 1863م.
أما على مستوى الدول الأوروبية الاستعمارية التي كانت متورطة، فقد تم سن قوانين تمنع تجارة الرق، وكانت فرنسا السبّاقة، وذلك بفضل القيم الإنسانية التي أرستها الثورة الفرنسية، ففي 4 فبراير 1794م، سن المؤتمر الوطني قانوناً يلغي العبودية في المستعمرات الفرنسية، إلا أن نابليون بونابرت أعاد في مايو 1802م، تجارة الرق في فرنسا ومستعمراتها؛ بعد أن انتزع السلطة من حكومة الثورة الفرنسية، سعياً منه لإعادة بناء الإمبراطورية.

وأدت خطوة بونابرت إلى موجاتٍ جديدة من العنف في منطقة البحر الكاريبي، وفي عام 1817م حظرت فرنسا تجارة الرق، التي انتهت فعلياً مع صدور مرسوم إلغاء العبودية في 27 أبريل 1848م.
من جانبها، أصدرت بريطانيا قانوناً برلمانياً يلغي تجارة الرق في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية في عام 1807م، إلا أن العبودية استمرت في المستعمرات البريطانية حتى إلغائها النهائي في عام 1838م.
اقرأ أيضًا: آخر سفن العبيد إلى الولايات المتحدة
كما ألغت إسبانيا تجارة الرق في مستعمراتها في عام1811م. وحظرت الدنمارك استيراد العبيد إلى مستعمراتها في جزر الهند الغربية 1792م، إلا أن القانون لم يسرِ إلا اعتباراً من عام 1803م. ومنعت هولندا تجارة الرقيق عام 1814م. أما البرتغال، أول دولة أوروبية استعمارية تاجرت بالرقيق، فقد ألغت تجارة الرق شمال خط الاستواء عام 1819م.
لم تكن تلك القوانين فعالة تماماً عند سنها، إذ استمرت تجارة الرق محلياً وبأشكال غير قانونية، وتطلب الأمر عقوداً لإنهائها،حتى توقفت خلال القرن التاسع عشر.