الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

إقليم تيغراي.. الطعام سلاح للحرب بينما تلوح المجاعة في الأفق!

كيوبوست- ترجمات

رودني موهوموزا

لمدة 12 يوماً مَشَت أبيبا جيبرو، البالغة من العمر 37 سنة، حاملةً طفلتها الجائعة على كتفها إلى عيادة في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا؛ حيث سُرق طعامها بينما هي مختبئة في الأدغال على يد الجنود الإريتريين، الذين قاموا بطردها من أمام المعبر الحدودي عندما فاجأتها آلام المخاض، واضطرت إلى الولادة في المنزل.

وظلت الرضيعة تيغستي تعاني ضمور القدمَين ونظرات أعين ميتة حتى بعدما بلغت عمر ٢٠ يوماً، في مشهد مأساوي مُعبِّر بقوة عما سماه أكبر مسؤول إنساني في الأمم المتحدة “أسوأ مجاعة في العالم منذ 10 سنوات”. تقول أبيبا، القادمة من جيتسكي ميليسلي: “لقد نجت طفلتي لأنني حملتها بالقرب من رحمي، وظللت مختبئة طوال الرحلة المرهقة”.

اقرأ أيضاً: الأسباب والسيناريوهات المتوقعة للصراع الداخلي في إثيوبيا

أما بيرهان إيتسانا، الأم التي تبلغ من العمر 27 عاماً، من دينجيلات، والتي كانت لا تزال متعلقةً بالناجي الوحيد من أطفالها الثلاثة التوائم، والذي تم إدخاله إلى مستشفى ميكيليز آيدر؛ بسبب مضاعفات ناجمة عن سوء التغذية الحاد، حيث كان الطفل يبلغ من العمر 17 شهراً، بينما لم يزد وزنه على 5.2 كيلوجرام فقط بعد أسبوع في العناية المركزة.

يعاني أطفال تيغراي سوء التغذية وندرة الخدمات الطبية في ظل الحرب المستعرة بين الحكومة والمتمردين- “أسوشييتد برس”

وطبقاً للأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإنسانية، يواجه أكثر من 350 ألف شخص المجاعة في إقليم تيغراي الذي مزقته الحرب. كما لا يقتصر الأمر فقط على تفشي الجوع؛ بل وجدت “أسوشييتد برس” أن الكثيرين يتم تجويعهم قسراً، حيث أكد المزارعون وعمال الإغاثة والمسؤولون المحليون في المناطق الزراعية بإقليم تيغراي، التي استطاعت “أسوشييتد برس” الوصول إليها، أن الطعام قد “تحول إلى سلاح في الحرب”.

اقرأ أيضاً: إنفوغراف.. أهم القوميات في إثيوبيا

وشهدوا بأن الجنود الإثيوبيين والإريتريين يمنعون وصول المساعدات الغذائية؛ بل ويسرقونها. كما رصد فريق الوكالة عدة قوافل تحتوي على مساعدات غذائية وطبية يُعيدها مسؤولون عسكريون إثيوبيون تزامناً مع استئناف القتال في بلدة هوزن. واتُّهم الجنود بمنع المزارعين من الحصاد أو الحرث إلى جانب سرقة البذور الزراعية وقتل المواشي ونهب المعدات الزراعية.

وقد فرّ أكثر من مليونَي شخص من سكان تيغراي، البالغ عددهم 6 ملايين نسمة، بعد عجزهم عن جني محاصيلهم. أما أولئك الذين بقوا فلا يستطيعون زراعة محاصيل جديدة أو حرث الأرض في كثير من الأحيان؛ خوفاً على حياتهم، حيث بدأت الحرب الطاحنة في إقليم تيغراي في أوائل نوفمبر، قبل وقت قصير من موسم الحصاد، كمحاولة من قِبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لنزع سلاح زعماء المتمردين في المنطقة.

شهد المزارعون بأن الجنود الإثيوبيين والإريتريين يمنعون وصول المساعدات الغذائية بل ويسرقونها- “الغارديان”

وعلى الأرض تنقسم الأطراف المتنازعة إلى رجال حرب العصابات الموالين لقادة إقليم تيغراي المخلوعين والهاربين من جهة، وتحالف القوات الحكومية الإثيوبية وقوات من الحليف المجاور إريتريا، وميليشيات من جماعة أمهرة الإثيوبية التي تعتبر نفسها عدواً للمقاتلين التيغرايين من الجهة الأخرى، وبين الطرفَين يعاني المدنيون المحاصرون والفلاحون.

اقرأ أيضاً: البعد الأيديولوجي لحرب آبي أحمد على إقليم تيغراي

وتسببت الحرب في العديد من المذابح والاغتصابات الجماعية إلى جانب تهجير واسع النطاق للمدنيين من منازلهم؛ الأمر الذي دعا الولايات المتحدة إلى تسمية ما يحدث في غرب تيغراي بالتطهير العرقي. وأكد أبي جبرييووت، نائب رئيس الإدارة الانتقالية لإقليم تيغراي، وجود حالة تطهير عرقي، مشيراً إلى “بعض الأطراف الذين لا يريدون منا حرث الأرض، وغيرهم ممن يمنعون توزيع البذور”، حسب قوله.

من جانبه، صرَّح ميتيكو كاسا، المسؤول في اللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث، قائلاً: “ترفض الحكومة الإثيوبية بشدة استخدام التجويع كسلاح في الحرب. والأمم المتحدة وغيرها من منظمات الإغاثة لديها إمكانية وصول غير مقيد إلى تيغراي”. كما أعلن: “ليس لدينا أي نقص في الغذاء”؛ غير أن الأمر مختلف عن الواقع، حسب ما وثقته وكالة “أسوشييتد برس”.

في بعض الأحيان تنجح المعونة الغذائية في الوصول.. لكن نصيب الفرد لا يكفي لفترة معقولة- “أسوشييتد برس”

وعلى الصعيد الداخلي، صرح المواطن تكلامرم جبريمايكل، بأنه لم يعد مسموحاً له ولجيرانه بالزراعة؛ حيث اقترب منه جنود إريتريون أثناء اعتنائه بماشيته وحصاد المحاصيل، وأطلقوا النار عليه وعلى أبقاره. وقد نجا جبريمايكل؛ لكن لم تكن الأبقار في مثل حظه. وفي ظل نقص الطعام، يعاني الرجل كثيراً بينما يحاول الشفاء من جراحه؛ حيث قال: “أدعو العالم إلى اتخاذ إجراءات فورية لمساعدة تيغراي؛ لأننا لم نعد نستطيع العيش على أرضنا بعد الآن”.

اقرأ أيضاً: عشرة صراعات يجب الانتباه إليها في عام 2021

ويعد الجوع موضوعاً حساساً في إثيوبيا، بعد أن أدت صور المجاعة هناك في الثمانينيات إلى احتجاج عالمي؛ حيث تسبب الصراع، آنذاك، في تفاقم المجاعة التي قتلت ما يقدر بمليون شخص. ولم تتوقف الزراعة بالكامل في تيغراي؛ لكنها أصبحت عملاً خطيراً من أعمال المقاومة، حيث رصدت وكالة “أسوشييتد برس” عدداً قليلاً من المزارعين يحرثون أو يرعون ماشيتهم في التلال البعيدة على الطريق المؤدية إلى أبي عدي، البلدة الواقعة على بعد نحو 100 كيلومتر غرب ميكيلي.

وصرح مزارع يبلغ من العمر 20 عاماً، من ميلبي، جنوب غرب ميكيلي، والذي ذكر اسمه الأول فقط، كيببروم، قائلًا: “إذا وجَدَنا الجنود الإريتريون نحرث الأرض، يضربوننا.. نحن نحرث فقط عندما نكون متأكدين من أنهم ليسوا في الجوار”. وحسب مجموعة من الشهود، اتخذ الجنود العديد من الإجراءات الأخرى لإتلاف الطعام إلى جانب منع الحرث؛ حيث قال مسؤول في مجموعة إغاثة مقرها ميكيلي، إن الجنود الإريتريين مشهورون بتلويثهم صوامع الطعام، ويخلطون أحياناً الحبوب بالرمل والأتربة. كما قال مزارعون إن نهب الجنود الإثيوبيين والإريتريين يشمل في بعض الأحيان معدات زراعية.

إثيوبيون فروا من الحرب في تيغراي في معسكر على الحدود السودانية- “رويترز”

وقال بيرهانو تسيجاي، مزارع، يبلغ من العمر 24 عاماً، من بلدة نيكسيج: “لقد نُهبت جميع أدواتنا الزراعية؛ بما في ذلك المحاريث، وأُخذت في شاحنات. لم يتركوا شيئاً هناك”. وفي بعض الأحيان، تنجح المعونة الغذائية في الوصول -على الرغم من كل تلك التحديات- ولكنها ليست كافية على الإطلاق.
ففي أوائل شهر مايو، تجمع حشد كبير تحت أشعة الشمس الحارقة في أجولا؛ لتقاسم الطعام المُشترى بأموال أمريكية.

اقرأ أيضاً: يجب على العالم إيقاف جرائم الحرب في إثيوبيا

بينما صرح تيكيستي جيبريكيدان، منسق جمعية الإغاثة في تيغراي بمقاطعة تسيراي ومبيرت، قائلاً: “الطلب على الطعام في القرى مرتفع للغاية، ومستوى الاحتياج يفوق طاقتنا”. فقد بلغ الطعام المقدم بعد ظهر أحد الأيام في منطقة أجولا، 15 كيلوجراماً من القمح، ونصف كيلوجرام من البازلاء، والقليل من زيت الطهي، وينبغي أن تكفي هذه الكمية لشخص واحد لمدة شهر. ومن المفترض أن ذلك الطعام مخصص للفئات الأضعف؛ مثل ليتبرهان بيلاي، البالغة من العمر 60 عاماً، والتي صرحت قائلةً: “سيكون هناك أناس يموتون من الجوع”.

♦مراسل “أسوشييتد برس” في شرق إفريقيا

المصدر: بوليتزر سنتر

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة