الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
إفريقيا تغرق في العنف
تقلُّص المساحات المتاحة لرعي القطعان فاقم العنف بين الرعاة والمزارعين؛ في غياب الخطط السياسية والأمنية، وانشغال السياسيين والعسكريين النيجيريين بالمكاسب الانتخابية والصراع السياسي.

كيوبوست– عبدالجليل سليمان
تتزايد حوادث العنف في إفريقيا يوماً بعد يوم؛ خصوصاً في غرب ووسط القارة، حيث تنفتح الحدود على بعضها ويتحرك السكان عابرين ومقيمين، في ظل تفكك معظم الدول وضعف بنياتها الأمنية الأساسية؛ الأمر الذي أدَّى إلى انتشار الحركات الجهادية وعصابات النهب المسلح، وتفاقم النزاعات بين الرعاة والمزارعين.
اقرأ أيضاً: حروب الرعاة والمزارعين في إفريقيا.. خدمة مجانية للإرهابيين
يقول الباحث المهتم بشؤون غرب إفريقيا، عثمان عمر، في حديثه إلى (كيوبوست): “إن النزاعات بين رعاة الماشية والمزارعين حول حقوق الأرض والرعي والمياه، شائعة في المناطق الوسطى والشمالية الغربية من نيجيريا”؛ حيث هاجم رعاة، السبت 8 أبريل، نظراءهم من المزارعين، في ولاية بينو وسط البلاد، في حادث هو الثاني من نوعه خلال أقل من عامَين؛ ما أودى بحياة 74 شخصاً من الجانبَين، وفقاً لمسؤولين محليين وعناصر في الشرطة .

صراع الموارد
وصل عدد سكان نيجيريا، في آخر إحصائية، إلى 213.4 مليون شخص؛ ما أدى إلى التوسع في الزراعة على حساب المراعي. وضيَّقت هذه السياسات على الرعاة؛ فوضعت أمامهم العراقيل والمتاريس وأغلقت في وجوههم المسارات التي كانوا يسلكونها من الأزل خلف قطعانهم الضخمة، إذ تمت زراعة الأراضي بالذرة الرفيعة والبطاطا والدخن والكسافا واليامس؛ من أجل توفير الغذاء، وبالقطن والسمسم وفول الصويا وجوز الشيا؛ من أجل الحصول على النقد.
وأوضح الباحث عمر أن تقلُّص المساحات المتاحة لرعي القطعان فاقم العنف بين الرعاة والمزارعين في غياب الخطط السياسية والأمنية، وانشغال السياسيين والعسكريين النيجيريين بالمكاسب الانتخابية والصراع السياسي.
اقرأ أيضاً: بوكو حرام ضد داعش… معركة كسر العظم في “جمعة تورو” وبلدات أخرى

ويتهم مزارعو ولاية بنيو الرعاة الرُّحل من عرقية الفولان العابرين للدول والحدود، باختلاق المشكلات معهم والاعتداء عليهم؛ طمعاً في الوصول إلى الأراضي والموارد، بينما ينفي الرعاة ذلك، ويشددون على أنهم يلتزمون مسارات الرعي، بينما يتعدى عليها المزارعون ويتوسعون فيها بالزراعة على حساب المراعي، من دون أن تظهر في الأفق المنظور أية بوادر لانفراج الأزمات وانقشاع غيوم العنف بأشكاله كافة؛ بما فيها الجهادي.
ويواجه الرئيس النيجيري الجديد بولا تينوبو، العديد من التحديات؛ فإلى جانب الفساد المستشري وارتفاع معدلات البطالة، والعنف المتفاقم، ترزح نيجيريا تحت وطأة الديون؛ إذ بلغت ديون البلاد منتصف العام الماضي 103 مليارات دولار، بينما قُدرت فاتورة الدعم السلعي بنحو 12 مليار دولار سنوياً.

خطوات تراوري المتعثرة
ليس بعيداً عن نيجيريا، وفي واحدة من أكثر الهجمات الإرهابية دمويةً منذ انقلاب النقيب إبراهيم تراوري، واستيلائه على السلطة في واغادوغو، سبتمبر 2022، تعرضت قريتا كوراكو وتوندوبي شمال شرق بوركينا فاسو، وعلى الحدود مع جمهورية النيجر، الخميس والجمعة 6 و7 أبريل، إلى هجومَين إرهابيَّين متزامنَين، راح ضحيتهما 44 مدنياً، وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجوم.
ويعاني شمال بوركينا فاسو هجمات متكررة من مجموعات مسلحة مرتبطة بتنظيمَي “القاعدة” و”داعش”؛ تسببت في مقتل الآلاف وإجبار نحو مليونَي شخص على الفرار من منازلهم.

يرى الباحث والمحلل السياسي محمد إبراهيم، أن الهجوم الإرهابي الأخير يحمل رسالة قوية إلى حكومة النقيب إبراهيم تراوري، مفادها أن الجماعات الإرهابية قادرة على إيذائه في أي وقت، وأنها لا تزال تمتلك القوة والقدرة والفعالية، وبمقدورها استعادة السيطرة على الأراضي البالغة 40% من مساحة البلاد، التي استولت عليها خلال فترة حكم المقدم بول هنري داميبا ،القصيرة، قبل أن ينقلب عليه تلميذه تراوري، واصفاً إياه بـ”الضعيف والمتهاون أمام الإرهابيين والفرنسيين على حدٍّ سواء”.
اقرأ أيضاً: الانقلابات في إفريقيا.. من الذي ينسف الاستقرار؟
ووعد تراوري البوركينيين بتحسين الأوضاع الأمنية والقضاء على الإرهابيين وقطاع الطرق، وبالفعل تقلصت العمليات الإرهابية إلى حدٍّ كبير؛ لكن ضربة الأسبوع الماضي كانت موجعة، لكونها كشفت عن ثقوب أمنية كبيرة وعجز مؤسسي عن مقارعة التنظيمات الإرهابية، وبالتالي وضعت حكومة تراوري أمام خيارَين كل منهما عالي الكلفة؛ إما أن تتحاور مع الإرهابيين وتستوعبهم في الدولة، وإما تمضي قدماً في شن الحرب عليهم بإمكاناتها المتواضعة.

“داعش” الأوغندي
في وسط إفريقيا تبنَّى، السبت الماضي، تنظيم “القوات الديمقراطية المتحالفة” الموالي لـ”داعش”، وهو جماعة إرهابية أوغندية التأسيس بزعامة سيكا موسى بالوكو، هجوماً على قرية بمقاطعة إيتوري، شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية يومَي 2 و3 أبريل؛ ما أدى إلى مقتل أكثر من 30 شخصاً، حسب بيان صادر عن بعثة الأمم المتحدة إلى الكونغو، بينما قُتل في مارس الماضي أكثر من 20 مدنياً في هجمات منفصلة، وفقاً لمصادر محلية.
كما كشف تقرير صدر مؤخراً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن نحو 485 مدنياً قُتلوا في الفترة ما بين 1 ديسمبر و14 مارس، في مقاطعة إيتوري التي تنشط فيها القوات الديمقراطية المتحالفة، إلى جانب جماعات إرهابية أخرى وقُطَّاع طرق.

وتدَّعي القوات الديمقراطية المتحالفة (ADF)، أنها فرع تنظيم داعش الإرهابي في وسط إفريقيا، وتتخذ من إقليم بيني شرق الكونغو مركزاً لها؛ الأمر الذي تحوم حوله الكثير من الشكوك، لعدم ثبوت ذلك بعد.
وارتكبت الجماعة، التي تحبِّذ القتل بالمدى والسواطير والسيوف والأسلحة النارية، ومهاجمة القرى الآمنة والنائية، الكثيرَ من الفظائع والجولات الدموية والأعمال الوحشية خلال السنوات الخمس الماضية؛ من قتل وتشويه واغتصاب وارتكاب أعمال عنف جنسية أخرى، واختطاف المدنيين؛ بمَن فيهم الأطفال، لتجنيدهم.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2019، ومن قبلها مجلس الأمن الدولي، عقوبات مشددة على الجماعة؛ بغرض الضغط عليها ومحاصرتها.