الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
إعفاءات بأعلى السلطة بتونس.. إقالات أم تصفية حسابات؟

كيوبوست-تونس
في أول خطوة له بعد أسبوع من توليه كرسي رئاسة الجمهورية، قرر قيس سعيّد، بعد التشاور مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وعملًا بأحكام الفصلَين 92 و89 من الدستور، إعفاء وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي، من مهامه وتولِّي كريم الجموسي وزير العدل الحالي، مهام وزارة الدفاع الوطني بالنيابة، وكذلك إعفاء وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي، من مهامه، وتكليف صبري باشطبجي، كاتب الدولة بوزارة الشؤون الخارجية، بتسيير شؤون الوزارة طبقًا لما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل، إلى جانب إعفاء كاتب الدولة للدبلوماسية الاقتصادية حاتم الفرجاني، من مهامه.
إعفاءات أثارت جدلًا كبيرًا من ناحية الأسباب والتوقيت والكيفية؛ فالبعض يعتبرها تصفية حسابات والبعض الآخر يشدِّد على أنها إقالات سبقت الاستقالات. و رغم أن رئاسة الحكومة أكدت الإقالة؛ فإن الزبيدي والجهيناوي أصرا في تعليقهما، لاحقًا، على توضيح أنهما قدَّما استقالتيهما من منصبيهما، حيث شدَّد الجهيناوي في تصريح إعلامي على أنه كان قد كتب استقالته ووجهها إلى رئيس الحكومة، وأوضح فيها أن هذه الاستقالة تعود إلى “استحالة مواصلة مهامه وَفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية وما يتطلبه ذلك من انسجام بين مؤسسات الدولة؛ خدمةً لمصالح تونس وإشعاعها على الساحة الدولية”.
اقرأ أيضًا: تونس ما بعد السبسي.. الزبيدي مستعد والغنوشي يبتز الشعب التونسي عاطفيًّا
نفس الشيء بالنسبة إلى عبد الكريم الزبيدي، الذي أكد أنه طلب خلال لقائه رئيس الجمهورية صبيحة يوم الإعلان عن قرار إعفائه من مهامه، تفعيل مطلب الاستقالة الذي كان قد تقدَّم به يوم 9 أغسطس 2019، والذي رفضه حينها محمد الناصر، معربًا عن استغرابه من قرار الإعفاء، والحال أنه قد قدَّم استقالته ولا يعرف إلى أين تتجه رئاسة الجمهورية أو الحكومة، قائلًا: “خدمت بلادي وقُمت بواجبي وبمهامي كما هو مطلوب مني، والآن يكفيني ذلك، وأنا أريد إرجاع الأمانة. أضف إلى ذلك، فإن الاختلاف في التصورات والتوجهات كان من بين أسباب قراري، فضلًا عن الغموض القائم حول تشكيل الحكومة المقبلة”.
وقد اعتبر بعض الأطراف رفض رئاسة الجمهورية التعامل مع الجهيناوي واللقاء الذي تم بين قيس سعيّد ووزير خارجية ألمانيا، دون حضور الجهيناوي، خير دليل على ذلك، علاوة على الخلافات التي كانت موجودة سابقًا بين الوزير ومدير الديوان الرئاسي الحالي عبد الرؤوف بالطبيب، إلى جانب الاختلاف في المواقف حول التطبيع مع إسرائيل. أضف إلى ذلك تداول خبر زيارة وفد شبابي تونسي إلى إسرائيل؛ الأمر الذي نفته الوزارة قبل قرار الإقالة، وأوضحت في بلاغ لها أنه “تبيَّن بعد التحرِّي مع بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، والتقصِّي مع الجهات الفلسطينية في رام الله وفي عدد من العواصم الأخرى، أن الخبر لا أساس له من الصحة، وأن الصور التي تم نشرها تتعلق بزيارة وفد أوروبي من بينه سيدة بلجيكية من أصل تونسي عضوة في حزب سياسي بلجيكي”. ودعت الوزارة، حينها، إلى عدم توظيف القضية الفلسطينية في مسائل سياسية داخلية والابتعاد عن المزايدات في خصوص دعم القضية الفلسطينية العادلة باعتبار أنها قضية تحرُّر وطني تحظى بإجماع فئات الشعب التونسي كافة.
اقرأ أيضًا: قيس سعيّد.. ساكن قرطاج الجديد
اختلفت التفسيرات لهذه التعديلات والتغييرات على رأس هرم السلطة في تونس، وقد أكدت رئاسة الجمهورية أن قرار الإعفاءات يندرج في إطار التعديل الحكومي والشعور بالمسؤولية وتغليبًا للمصلحة الوطنية وبعد محاولات مضنية لرأب الصّدع وتقريب وجهات النظر دون جدوى، وشدَّدت على أن هذا التعديل كان ضروريًّا لضمان استمرار دواليب الدولة والقطع مع الأوضاع التي كانت سائدة من منطلق أن الدولة التونسية واحدة ولا مجال لمراكز القوى داخل أجهزتها ومرافقها.
ويبدو أن البعض من انطباعات الشارع التونسي على إثر جملة من اللقاءات التي رتبها قيس سعيّد مع عدد من وجوه رجال السياسة والمسؤولين السامين في الدولة؛ وأولهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بدأت تتأكد؛ خصوصًا عقب الاتهامات الموجهة إلى الشاهد ببداية الاصطفاف وراء سعيّد، طامحًا في البقاء في السلطة، وذلك عبر إخراج كل ما يُعرف من ملفات؛ خصوصًا عبر تصفية الحسابات مع خصومه، وعلى رأسهم الزبيدي والجهيناوي المحسوبان على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي؛ بل إن البعض يتحدَّث عن وجود صفقة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والرئيس قيس سعيّد، ومعهما حركة النهضة الإسلامية، المعنية بتشكيل الحكومة القادمة.

ويرى مراقبون أن ترحيب الحركة بقرار إعفاء الزبيدي والجهيناوي ليس خطوة بريئة، ولا معزولة عن سياق الترتيبات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، وما رافقها من تصفية حسابات سياسية بالنظر إلى توقيتها، وذلك في علاقة بالسجالات التي عرفتها البلاد خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ويذهب متابعون للأحداث الأخيرة إلى أن هذه الصفقة تجعل حركة النهضة الإسلامية مستفيدةً من قرار الإقالة باعتبار أن الزبيدي أغلق الباب أمامها، ومنعها من التغلغل في المؤسسة العسكرية، إلى جانب أنه تحدَّث كثيرًا عن ملف الجهاز السري والاغتيالات السياسية بإشارات ضمنية إلى تورُّط حركة النهضة فيها.
وفي سياق آخر، يرى مراقبون أن استبعاد الجهيناوي من الوزارة يبعث بمخاوف من إمكانية حياد تونس عن مبادئها الدبلوماسية القائمة على سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.