الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
إسلام تنويري في فرنسا.. خطة ماكرون المثيرة للجدل!
اليمين الفرنسي يعتبر خطة ماكرون غير مكتملة من الداخل لأنها تعمل على إشراك المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية "المخترق" من قِبل الإخوان المسلمين

كيوبوست
جدل واسع اندلع في فرنسا عقب خطاب للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة، تحدث فيه عن مشروع حكومي سينطلق قريباً لمحاربة “الانفصالية الإسلامية”. ماكرون اختار لهذا الخطاب توقيتاً مهماً؛ وهو صباح الجمعة قبل الصلاة الأسبوعية لجموع المسلمين، كما اختار أن يلقيه في ضاحية لي مورو، إحدى أكثر المناطق وصماً بـ”الراديكالية الإسلامية” في الضواحي الباريسية؛ الأمر الذي حمل بين طياته دلالاتٍ عدة.
وسيُعرض مشروع قانون مناهضة الانفصالية هذا في 9 ديسمبر المقبل على مجلس الوزراء، وسيهدف إلى تعزيز العلمانية لترسيخ مبادئ الجمهورية، وذلك بعد نحو 115 سنة من الاعتماد النهائي لقانون 1905؛ هذا القانون الذي رسخ مبادئ العلمانية في الجمهورية الفرنسية، وقضى على سلطة التأثير الديني في الفضاء العام.
الغريب أن هذا الخطاب قوبل بالهجوم من قِبل أطراف في اليمين كما في اليسار، ووجه بعضهم هجوماً شرساً على ما جاء به الرئيس الفرنسي من خطوات قد تسمح بمحاربة “الانفصالية الإسلامية”.
اقرأ أيضًا: محاولة الهجوم على تشارلي إيبدو: رصد الإشارات الضعيفة والتهديدات الخافتة
حزب التجمع الوطني، وأطراف أخرى من اليمين الفرنسي، اعتبروا أن البرنامج يبدو جيداً في ظاهره؛ لكنه غير مكتمل من الداخل؛ لأنه يعمل على إشراك المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي يعتبره اليمين الفرنسي “مخترقاً” من قِبل الإخوان المسلمين.
من جهتها، أطلقتِ العديد من الجماعات المناهضة للعنصرية والإسلاموفوبيا؛ بما في ذلك “لجنة الحقيقة من أجل آداما”، حملة على تويتر بعنوان #Levraiseparatism أو الانفصالية الحقيقية؛ حيث لم يقتنع هؤلاء بالمبررات التي ساقها الرئيس الفرنسي، موجهين أصابع الاتهام إلى السياسات القمعية التي تؤدي إلى نتائج عكسية.
وقال رئيس منظمة “SOS Racisme” دومينيك سوبو، لوسائل الإعلام: “إن عدداً من المشكلات مثل التطرف تظهر في بعض الأحياء المعزولة؛ ولكن السبب الرئيسي لذلك هو أن الجمهورية الفرنسية قد تخلت عنهم”، مستهجناً استخدام تعبير “هاجس سياسي” لوصف الجدل حول الإسلام في فرنسا.

لكن ما أبرز ملامح هذا المشروع الذي أثار كل هذا الجدل ؟
التعليم المنزلي:
تثير مسألة التعليم المنزلي حالة من النقاش الحاد في فرنسا منذ عدة سنوات؛ فبعض العائلات المسلمة، خصوصاً في الضواحي التي تميل إلى الانعزالية، تلجأ إلى مثل هذا التعليم في بعض المراحل الدراسية المبكرة؛ حيث ينصب على تدريس المواد الدينية واللغة العربية بشكل منفصل عن وزارة التعليم، وتحت إشراف مدرسين يتم استقدامهم من الخارج؛ خصوصاً من تركيا التي لوحظ إقبال أبناء جاليتها على مثل هذا النوع من التعليم.
بداية من العام الدراسي المقبل أعلن ماكرون أن التعليم المنزلي سيبقى مرتبطاً بالظروف الصحية، وأن الدخول إلى المدرسة سيكون إجبارياً منذ عمر ثلاث سنوات، وستخضع المدارس المخالفة إلى رقابة مشددة.
اقرأ أيضًا: تساؤلات حول ارتباط الهجوم الثاني على “شارلي إيبدو” بالإخوان المسلمين
المنظمات والجمعيات:
تنظيم عمل المراكز والجمعيات الإسلامية في فرنسا يعد هاجساً من نوع آخر؛ خصوصاً أن غالبيتها تحصل على تمويل من الخارج، وبات ضبط هذا التمويل مسألة حساسة بالنسبة إلى الدولة الفرنسية، بعد أن لمست كيفية عمل هذا النوع من المراكز على تعزيز الانفصالية داخل المجتمع؛ خصوصاً عندما يتعلق الأمر بممارسة بعض الأنشطة التي تركز على فصل الرجال عن النساء، كما هي الحال في المسابح.
وبينما تحتاج مسألة ضبط التمويل الخارجي إلى المزيد من البحث، أعلن الرئيس الفرنسي أنه مع إقرار القانون الجديد سيتعيَّن على كل جمعية ترغب في الحصول على دعم مادي من الحكومة التوقيع على ميثاق يحترم العلمانية.
وحتى الآن تبدو أسباب حل بعض الجمعيات “محدودة للغاية”؛ لذا سيتم توسيع نطاق تلك الأسباب لتشمل “الاعتداء على كرامة الإنسان” أو “الضغوط النفسية أو الجسدية” التي يمارسها القائمون عليها؛ حتى إن استغلوا الثغرات النقابية لمحاولة التهرب من القانون.

التعليم العالي:
أعلن إيمانويل ماكرون عزمه على “تحرير الإسلام في فرنسا من التأثيرات الخارجية”، وذلك من خلال وضع حد لبرنامج تدريب الأئمة في الخارج، وتعزيز الرقابة على تمويله. وشدد ماكرون على أن الخطوة الأولى لبناء إسلام معتدل تنويري يتوافق والقيم الفرنسية، تكون من خلال عزله عن أي تدخل أجنبي، وستخصص الحكومة أيضاً مبلغ عشرة ملايين يورو؛ من أجل تعزيز “فهم أفضل للإسلام”، وتعليم اللغة العربية.. وغيرها من المبادرات التي ستتخذها مؤسسة “الإسلام في فرنسا” في مجالات الثقافة والتاريخ والعلوم.
وذهب ماكرون في خطابه إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما أكد عزمه على “تطوير الدراسات الإسلامية في المرحلة الجامعية، عبر مبادرة تقضي بإنشاء معهد علمي متخصص في علوم الإسلام، واستحداث وظائف جديدة في التعليم العالي لمواصلة العمل والبحث في الحضارة الإسلامية، وفي الدراسات المتعلقة بالثقافات المتوسطية”.
الخدمات العامة:
مسألة استخدام الشعارات الدينية في المؤسسات العامة، هي مسألة تم حسمها منذ عدة سنوات، رغم أنها لا تزال تثير اللغط في فرنسا مع ظهور الحجاب أحياناً في بعض الجلسات البرلمانية أو في وسائل الاعلام؛ لكن الرئيس الفرنسي عازم اليوم أكثر من أي وقت مضى على تقييد استخدام الشعارات والرموز الدينية حتى في المؤسسات الخاصة التي تقدِّم خدمات للعامة؛ وهو الأمر الذي لوحظ مثلاً في الشركة المسؤولة عن النقل العام في فرنسا وفي مطاري شارل ديغول وأورلي؛ ما سيستدعي وقفة جادة هذه المرة، حسب ما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي.