فلسطينيات
إسرائيل في مأزق “زحف العودة”: هل تهرب إلى خيار الحرب؟
مسيرات العودة في غزة تضع الاحتلال في اختبار المدنيين العزل

كيو بوست –
يستعد قطاع غزة لجمعة غضب جديدة في سلسلة “جمعات”، بدأت في 30 آذار الفائت، ومن المتوقع أن تتواصل إلى 15 أيار، الذي يوافق ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني السبعين.
وفي الأوساط العسكرية الإسرائيلية يزداد الحديث عن احتمالية أن تجر هذه المسيرات حربًا جديدة على قطاع غزة. يقابل هذا الاعتقاد الإسرائيلي ما يبدو إصرارًا فلسطينيًا على التمسك بسلمية المسيرات، لسحب أي ذريعة من جيش الاحتلال لشن عدوان جديد.
الآلاف من أهالي قطاع غزة خرجوا في جمعة 30 آذار نحو السياج الفاصل، وبدا مشهد الحشود الشعبية من النساء والرجال والكبار والشبان، مقابل سرب من قناصي جنود الاحتلال على ساتر ترابي، ذي رسالة قوية، لطالما كانت الهدف الأساس من مسيرات العودة، مفادها أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يرضى البقاء تحت الظلم.
هل تلوح مواجهة عسكرية في الأفق؟
معادلة مختلفة يدخلها قطاع غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي هذه المرة، فالاحتجاج يأخذ طابعًا شعبيًا بحتًا، مقابل القوة الإسرائيلية المفرطة.
ويرى مراقبون أن مسيرة العودة يوم 30 آذار، بعثت برسائل قوية إلى الأطراف التي تنتظر هدوءًا فلسطينيًا للدفع بصفقة القرن التي تصفي القضية الفلسطينية، كما أنها أحدثت إرباكًا في الأوساط الإسرائيلية من طريقة التعامل مع هكذا سيل شعبي جارف.
ففي غالب المواجهات بين غزة والاحتلال، كان الاحتلال يروج أنه يستخدم قوة عسكرية، مقابل قوة عسكرية أخرى تمتلك صواريخ وجيشًا من المقاتلين في إشارة للمقاومة الفلسطينية، لكن هذه المرة يوضع الاحتلال في اختبار مواجهة المدنيين العزل الذين اندفعوا بغزارة نحو السياج الفاصل بين القطاع وإسرائيل.
وتعكس التصريحات الفلسطينية حرصًا واضحًا على عدم إتاحة الفرصة للاحتلال لانتزاع الذريعة لتصعيد عسكري، وإبقائه في دائرة محرجة أمام المدنيين والمظاهرات السلمية.
وقال المنظمون قبيل انطلاق المسيرات، إنها “ستخلو من أي مظهر سياسي أو عسكري أو أعمال عنف، أو الاقتراب من السياج الفاصل”.
في المقابل أطلق رئيس أركان جيش الاحتلال غادي إيزنكوت تهديدات صارخة باستخدام قوة مفرطة ضد المشاركين في المسيرات قبل انطلاقها، مؤكدًا على وجود أوامر بإطلاق النار على “كل من يقترب من السياج”. وانعكست هذه التصريحات على الأرض في مسيرة الجمعة بسقوط 16 شهيدًا ومئات الجرحى، رغم أن أحدًا لم يشكل خطرًا على السياج.
وأظهرت لقطات فيديو، عملية قنص لمتظاهر كان يدير ظهره هاربًا من نيران الاحتلال، ما أدى إلى استشهاده.
لحظة استشهاد الشهيد عبد الفتاح بهجت عبد النبي
لحظة استشهاد الشهيد عبد الفتاح بهجت عبد النبي
Posted by وكالة فلسطين اليوم الإخبارية on Friday, March 30, 2018
وانتشرت هذه اللقطات، على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأجنبية، بالتزامن مع دعوات أممية للتحقيق بعلميات القنص المتعمدة للمتظاهرين العزل.
“التظاهرة كانت سلمية، كما في التظاهرات التي تجري في الضفة الغربية وقطاع غزة كلها، إذ جلست العائلات تتنزه في ظل الجدار ورفعت العلم الفلسطيني، إلا أن هذه التظاهرة على خلاف تظاهرات سابقة انتهت بالدموع”، كتبت صحيفة واشنطن بوست.
أبعاد سياسية
راهن الأمريكيون والإسرائيليون على أن الغضب الفلسطيني حيال القرار بشأن القدس سرعان ما سيتلاشى، لكنه اليوم يتجدد بوتيرة أعلى وأكبر.
ويرى محللون أن هذه المسيرات تبعث برسالة مفادها أن ما من مشاريع ستمر دون الحق الفلسطيني.
وقال الكاتب الأردني عريب الرنتاوي في صحيفة “الدستور” الأردنية: “إن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بعد مسيرة يوم الأرض ليس كما قبله”.
وأضاف أن “صوت الجماهير الغاضبة ستتلاشى بفعله أي محاولة من أي جهة كانت، لفرض خيارات غير مرغوبة على الفلسطينيين، وهو كفيل بإعادة بعث حركات التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني”.
ووصف الرنتاوي المسيرات بأنها “حرب الاستنزاف الشعبية السلمية طويلة الأمد”، مضيفًا: “قد تدخل معها القضية الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية، مرحلة إستراتيجية جديدة، عنوانها الرئيس: المقاومة الشعبية السلمية”.

أمام القوة العسكرية الإسرائيلية الساحقة، يتصاعد في الشارع الفلسطيني نوع من القبول للعمل الشعبي السلمي المكثف. ولا يبدو أنهم سيفرّطون في هذا الشكل من الاحتجاج السلمي، خلال مسيرات غزة والضفة المرتقبة، ما يبعد أي احتمال لمواجهة عسكرية.
السيناريو الوحيد الذي قد يقود لمواجهة هو إقدام المقاومة الفلسطينية في غزة على استهداف الاحتلال ردًا على جريمة قنص المتظاهرين، في حال تكررت خلال المسيرات المقبلة، لكنه سيناريو مستبعد، في ظل التوافق بين الفصائل التي تقود العمل المسلح على الشكل السلمي للمسيرات.