اسرائيلياتالواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

إسرائيل: الهجرة غير الشرعية تؤجج الصراع بين الديمقراطية والليبرالية

يجد الأشخاص المناهضون للهجرة في إسرائيل صعوبة في إسماع أصواتهم.. ليس فقط في وسائل الإعلام الرئيسية ولكن أيضًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي

   ترجمات-كيوبوست

في مواجهة الهجرة غير الشرعية، تجد الدولة اليهودية نفسها مشتتةً بين الدفاع عن سيادتها من جهة وبين المنظمات الحقوقية غير الحكومية من جهة ثانية.

“لقد تغيَّرت حياتنا بين عشية وضحاها”، هذا ما قالته لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، شفي باز، 66 عامًا، الناشطة على رأس حركة شعبية تتصدى للهجرة غير الشرعية، لقد “تعرَّضت النساء للمضايقات في الشارع؛ كان ذلك يشبه احتلالًا من قِبَل جيش أجنبي، كما لو أنه لا يوجد قانون، ولا توجد سلطة تحمي المواطنين”.

إسرائيل تصدر إشعارات ترحيل لآلاف المهاجرين الأفارقة

باز لن تكون الأولى ولا الأخيرة في موقفها المتشدد ضد الهجرة، رغم أنها ظلت تنشط في حركات اليسار لفترة طويلة من أجل الدفاع عن حقوق المثليين؛ لكنها اليوم تنضم إلى صفوف اليمين المناهض للهجرة.

اقرأ أيضًا: إسرائيل تتجاهل تطبيق بنود قانون القومية المثير للجدل

بالنسبة إليها كما هي الحال بالنسبة إلى آخرين في إسرائيل، وبالنسبة أيضًا إلى كثيرين في أوروبا والولايات المتحدة، فإن سؤال الهجرة قد غيَّر من معطيات النقاش السياسي، ويبدو أن النقاش حول سياسة الهجرة ليس سوى الشجرة التي تُخفي خلفها غابة من المعارك الكبرى، التي قد تضع مستقبل الديمقراطية في هذه الدول على المحك.

القادمون عبر مصر

إسرائيل، مثلها مثل عديد من الدول الأوروبية الأخرى، هي الآن موطن لمجموعة كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين، معظمهم من إفريقيا؛ حيث يبلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين نحو 34000، دون احتساب نحو 8000 طفل مولود في إسرائيل لأبوَين أجنبيَّين.

كانت بدايات الهجرة غير الشرعية من إفريقيا متواضعة في عام 2005، عبر بضع مئات من المهاجرين السودانيين غير الشرعيين الذين عبروا الحدود الإسرائيلية- المصرية في صحراء سيناء، واستغرق الأمر عامَين حتى لاحظت الحكومة ذلك وقررت النظر في الأمر.

في ذلك الوقت قرر رئيس الوزراء إيهود أولمرت، خنق الهجرة غير الشرعية في مهدها؛ فتوصل مع مصر إلى اتفاق بشأن سياسة تُعرف باسم “العودة الفورية”، أي العودة فورًا إلى مصر لأي شخص تم القبض عليه يعبر الحدود بطريقة غير مشروعة، كما أنشأ مركز اعتقال لمَن ينجحون في العبور ويتم القبض عليهم؛ لإرسال إشارة قوية: “لا، إسرائيل لن تكون الحل لبؤس إفريقيا”.

اقرأ أيضًا: الأسباب الاجتماعية لغضب يهود الفلاشا في إسرائيل

وكما هي الحال في أوروبا، يشير الإعلام الإسرائيلي غالبًا إلى هؤلاء المهاجرين بوصفهم “لاجئين”؛ ما يزيد من حجم المشكلة، لكن كل الدلائل تشير إلى أن عديدًا دخلوا البلاد؛ لأنهم كانوا يبحثون عن آفاق اقتصادية أفضل، ومن بين العدد الصغير لطلبات اللجوء التي درستها السلطات الإسرائيلية، وجد أن أقل من 1٪ مؤهلون للحصول على وضع “لاجئ”. وحسب معلومات أممية تمكَّن نحو 600 شخص فقط من الحصول على تصريح إقامة مؤقتة بعد منحهم وضع لاجئ لدى الأمم المتحدة.

استقر معظم هؤلاء المهاجرين في أحياء الطبقة العاملة في جنوب تل أبيب؛ حيث يرتفع الطلب على العمالة غير الماهرة ويسهل الوصول إلى وسائل النقل العام والخدمات الاجتماعية.

وبالنظر إلى الهيمنة الديموغرافية للذكور من فئة الشباب، فليس من المستغرب أن يكون معدل الجريمة للفرد أعلى بثلاثة إلى أربعة أضعاف من المعدل الوطني بين هذه الفئة من السكان، “لقد وافقت الشرطة الإسرائيلية مؤخرًا فقط على نشر هذه الإحصاءات بعد سنوات من التخوُّف؛ خشية أن يشجع نشر مثل هذه الأرقام على انتشار العنصرية”.

في الأشهر الأخيرة، أصبحت الأحياء الجنوبية في تل أبيب مسرحًا متكررًا للاشتباكات بين عصابات المهاجرين الذين يتشاجرون باستخدام الأسلحة البيضاء؛ كالسكاكين والحجارة والعصي، وتحجم وسائل الإعلام الرئيسية في العادة عن نقل هذه الأخبار، وتفضِّل أن تدعها محصورةً في عالم صغير على الإنترنت، حيث يوجد المزيد من مقاطع الفيديو التي تعرض مشاهد مخيفة من المشاجرات وأعمال الشغب.

أنظمة وقوانين

كما هي الحال في أوروبا، فإن النظام القانوني في إسرائيل ليس مصممًا للتعامل مع النشاط الإجرامي واسع النطاق من قِبَل الأفراد الذين لا يمكن تحديد هويتهم أو مكان إقامتهم، أو الذين لديهم روابط قليلة، إن لم تكن موجودة أصلًا، مع المجتمع المحلي.

Photo by: Quique Kierszenbaum

 في عام 2018، لم يتم تقديم ما يقرب من نصف لوائح اتهام المهاجرين إلى المحكمة؛ لعدم التمكن من تحديد أماكنهم.. على سبيل المثال لا الحصر، حُكم على رجل لا يملك وثائق بالسجن لمدة عام بتهمة القيادة في حالة سُكر، وبعد وقت قصير من إطلاق سراحه، قتل فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا؛ ما أثار غضبًا عارمًا، وغيَّر بشكل كبير من حياة سكان جنوب تل أبيب.

بالنسبة إلى الإسرائيليين هو أمر مثير للقلق، فإسرائيل بلد صغير عدد سكانه نحو 9 ملايين نسمة مكونة من فسيفساء ديموغرافية حساسة. تتمتع البلاد بموارد طبيعية محدودة؛ لكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قريب من نصيبه في دول أوروبا الغربية، وهذا ما جعلها وجهة مرغوبة من قِبَل المهاجرين الاقتصاديين.

بطبيعة الحال، يخشى عديد من الإسرائيليين من أن منح وضع الإقامة للمهاجرين غير الشرعيين سيحول الدولة إلى صمام أمان للأزمات الإنسانية في قارة ضخمة تعاني الفقر.

صراع بين الليبرالية و الديمقراطية

في عديد من البلدان، بينها إسرائيل، أصبحت سياسة الهجرة اختبارًا حقيقيًّا لسيادة الديمقراطية، إنها ساحة تتصارع فيها الحقوق المدنية المتأصلة في الدولة، مع حقوق الإنسان العالمية التي تروج لها المؤسسات الدولية.

اتخذ عديد من المنظمات غير الحكومية التي تصف نفسها بأنها من رواد حقوق الإنسان، إجراءات عدة لمحاربة السياسات التي ترمي للحد من الهجرة غير الشرعية؛ منها التوجه إلى المحكمة التي أصدرت مثلًا أمرًا أسهم في تجميد اتفاقية “العودة الفورية”.

اقرأ أيضًا: دراسة: ثُلث عرب إسرائيل لا يشعرون بالأمان

في الوقت نفسه، كانت هناك تعبئة لوسائل الإعلام الرئيسية، بما في ذلك الصحف اليومية اليسارية والتي كانت تمتلئ صفحاتها بالمقارنات بين المهاجرين الأفارقة المعاصرين الذين يريدون المجيء إلى إسرائيل واليهود الهاربين من ألمانيا؛ وهو ما أجبر الحكومة على التراجع عن موقفها بخصوص إعادة هؤلاء الأفراد.

نظرًا لخصائص الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فإن للمنظمات غير الحكومية الدولية وجودًا قويًّا بشكل استثنائي في إسرائيل، ونتيجة لذلك كانوا قادرين على الاعتماد على بنية تحتية كاملة؛ لتعزيز أيديولوجيتهم المتعلقة بدعم المهاجرين، وتمكنت هذه المنظمات من بناء كتيبة من المحامين الشباب الذين خاضوا معارك قضائية لانتزاع حق اللجوء وحقوق أخرى لتلك الفئة.

في المقابل يجد الأشخاص المناهضون للهجرة في إسرائيل صعوبةً في إسماع أصواتهم؛ ليس فقط في وسائل الإعلام الرئيسية، ولكن أيضًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ففي بداية العام، أزال “Facebook” محتوى نشره أحدهم ينتقد فيه موقف المحكمة العليا من المهاجرين غير الشرعيين. ويبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى تعتبر اليوم أن أي اعتراض على الهجرة غير الشرعية بمثابة “خطاب كراهية”، وأي شخص يدعمه سيُعتبر عنصريًّا.

في إسرائيل، كما هي الحال في أي مكان آخر، فإن الجدل الأيديولوجي حول الهجرة له بُعد اجتماعي؛ إنه صراع بين النخب الليبرالية التي تحاول فرض إرادتها من أعلى وبقية السكان الذين يعتمدون على السياسة الحزبية التمثيلية.

إنه نوع من الصراع الطبقي مع جانب اقتصادي واضح؛ فالمواطنون الأضعف يدفعون ثمن سياسة تستفيد منها النخب اقتصاديًّا، وتستخدم هذه النخب بدورها كل الوسائل المتاحة في الترويج لها، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية في ظهور الشعوبية في إسرائيل وعديد من الدول الغربية، كما يرجح عديد من المراقبين.

المصدر: Le Point

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة