الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
إرهاب الإخوان بالكويت.. مواجهة واقعية وتحذيرات من المستقبل

كيوبوست
بإعلان الداخلية الكويتية، أمس الجمعة، توقيف خلية إخوانية في البلاد تضم 8 أشخاص صدرت بحقهم أحكام قضائية في مصر تصل إلى السجن 15 عامًا، تدخل الكويت في مواجهة مباشرة مع جماعة الإخوان المسلمين التي صُنِّفت في عدد من الدول العربية جماعة إرهابية، وكذلك مع المتعاطفين معها من إسلاميين داخل المجتمع الكويتي الذين التزموا الصمت حتى الآن.
وكانت “الداخلية” الكويتية قد نشرت عبر قناتها على “يوتيوب” تفاصيل الخلية التي اتخذت من الكويت مقرًّا لها بعدما هرب أعضاؤها وتواروا من السلطات الأمنية المصرية؛ حيث جرى رصدهم وتحديد مواقعهم وضبطهم في أماكن متفرقة، وأقروا في التحقيقات الأولية بقيامهم بعمليات إرهابية وإخلالهم بالأمن في أماكن مختلفة داخل الأراضي المصرية.
شاهد: ضبط خلية ارهابية تتبع تنظيم الاخوان المسلمين في دولة الكويت 2019/7/12
وجاء تحذير الداخلية الكويتية بعدم التهاون مع كل مَن يثبت تعاونه أو ارتباطه بالخلية الإخوانية، في وقت تتواصل فيه التحقيقات من أجل الكشف عمَّن مكَّنهم من الهروب وأسهم في التستر عليهم والتوصل إلى كل مَن تعاون معهم؛ وهو ما يتوقع أن يُفَجِّر مفاجآت في ظل طبيعة نظام الإقامة بالكويت؛ حيث تأمل الأجهزة الأمنية بمصر في الكشف عن إحدى شبكات تأمين الإخوان المدانين في أعمال إرهابية عبر توفير إقامات شرعية لهم في الكويت لممارسة نشاطهم الإرهابي.
وصنَّفت الحكومة المصرية الإخوان جماعة إرهابية بقرار حكومي وحكم قضائي نهائي بعد ثبوت تورُّط أعضائها في التخطيط للإضرار بمصالح البلاد قصدًا وعمدًا، بالإضافة إلى السعى للاستقواء بالخارج؛ من أجل تحقيق أهداف أيديولوجية خاصة بالجماعة وفكرها.

وفي تعليقه لـ”كيوبوست” على حادثة القبض على الخلية الإرهابية، أشاد د.عايد المناع، أكاديمي وباحث سياسي كويتي، بجهد وزارة الداخلية بدولة الكويت وقدرتها على التوصل إلى هذه المجموعة الإرهابية، مشيرًا إلى عمق العلاقات الطيبة بين مصر والكويت، وأن هناك اتفاقية قضائية وقانونية بينية تتضمن تسليم المجرمين ونقل السجناء وما إلى ذلك، وبالتالي فمن المتوقع أن يتم تسليم هذه المجموعة إلى مصر، مؤكدًا أن وزارة الداخلية ستتبع المتسترين على هؤلاء أو الذين غضوا النظر عن وجودهم ومعرفة إذا ما كانوا على علم بالأحكام القضائية الصادرة على هذه المجموعة التي تنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين أم لا، الأمر الذي يعني أن القضية لا تزال في بداياتها.
توافق أهداف وتباين في الآليات
تتفق جماعة الإخوان المسلمين في الأهداف وتختلف في آليات العمل وَفق الظروف والمعطيات بكل دولة توجد بها، فالرؤية المشتركة من أجل خدمة أهداف الجماعة وتحقيق أغراضها المالية والسياسية والتواصل مع فئات مجتمعية من خلال استخدام المدخل الدعوي والاجتماعي هو نهج الجماعة الذي طبقته في الكويت من خلال الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” التي تمثل الذراع السياسية، بالإضافة إلى “جمعية الإصلاح الاجتماعي” التي تعتبر الذراع الدعوية والاجتماعية للإخوان بالكويت، بينما تتوزع الأدوار بين شخصيات مختلفة.
توزيع الأدوار وتبادلها ليس جديدًا على إخوان الكويت الذين يقومون بالتلوُّن مع كل مرحلة؛ في محاولة للتغلب على العقبات التي تواجههم، فبداية من تدشين جمعية “الإرشاد الإسلامي” التي تأسَّست عام 1952 مرورًا بتأسيس “الحركة الدستورية الإسلامية” بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي؛ لتكون الحركة الواجهة الجديدة للإخوان بعد استشعار إخوان الكويت الحرج من موقف التنظيم الدولي.
على مدى عقود كان إخوان الكويت ينفون علاقتهم العضوية بالمرشد، ولكن ظهرت العلاقة الوطيدة بين إخوان الكويت والجماعة الأم في مصر بشكل معلن مع مرور الوقت؛ فكانت رسالة تهنئة مرشد الجماعة محمد مهدي عاكف، بعد انتخابات مجلس الأمة في يونيو 2006، لنواب الحركة بالفوز بالمقاعد الستة؛ حيث نُشرت التهنئة على الموقع الرسمي للجماعة، كما نُشر على نفس الموقع أسماء مرشحي الحركة الخمسة الذين ترشحوا في الانتخابات التالية التي أُجريت في مايو 2008، وفاز ثلاثة منهم؛ حيث تلقوا تهنئة أيضًا عبر الموقع بما لا يدع مجالًا للشك في كون “الحركة الدستورية الإسلامية” الذراع السياسية المباشرة للجماعة في الكويت في الوقت الراهن.
في مقال نشره الكاتب الكويتي مشعل حمود الجريد، بجريدة “القبس” عام 2016، استذكر فيه تصريحات الشيخ سعود الناصر الصباح، سفير الكويت في واشنطن، إبان الغزو العراقي الغاشم، أورد فيه تفاصيل زيارة 3 كويتيين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين؛ من أجل طلب 50 مليون دولار للدفاع عن قضية الكويت، مع رفض وجود القوات الأمريكية وضرورة استبدال قوات إسلامية بها! وهو ما يعكس المواقف غير الوطنية الساعية للبحث عن المال للجماعة بشكل واضح.

الرشيد: الكويت تتأهب لتصنيف الإخوان تنظيمًا إرهابيًّا
الباحث السعودي د.عبد الله الرشيد، قال إن القبض على الخلية الإخوانية في الكويت سيترتب عليه تداعيات على الداخل الكويتي وعلى الخارج أيضًا، من خلال ما قدمته الكويت من رسائل قوية وواضحة بأن الكويت ربما تتجه إلى اتخاذ موقف حاسم وصريح وواضح من الإسلام السياسي.
وقد سلَّط الرشيد الضوء على تداعيات البيان في الداخل الكويتي؛ نظرًا للحضور القوي لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت، وهو حضور قديم وفاعل ومؤثر منذ الخمسينيات أو الستينيات الميلادية، قائلًا إن فرع جماعة الإخوان المسلمين في الكويت كان من أقدم الفروع التي تأسَّست في المنطقة؛ بل إن تأثير “إخوان” الكويت لم يكن فقط في حيزهم الجغرافي المحدود، بل امتد إلى دول الخليج الأخرى؛ فهناك جمعية الإصلاح الإماراتية التي تشكَّلت بدعم ومؤازرة من الجماعة في الكويت.
وأوضح الباحث السعودي تأثير الحراك الإسلامي وتغلغل الجماعة في البرلمان الكويتي وأجهزة الدولة المختلفة، في قيادة الدولة نحو الانغلاق والمحافظة والتشدُّد، رغم أن الكويت كانت دولة التنمية والانفتاح والتحرر والانطلاق والتقدم الثقافي؛ مما أفضى إلى تراجع وتقهقر مستوى الإنتاج الحضاري للكويت في الفن والمسرح والغناء والموسيقى والثقافة والرواية، وغيرها.
وأضاف الرشيد أنه قد تعلن الكويت، في الأيام القادمة، وبشكل صريح، عن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، منوهًا بأنها الفرصة الأخيرة لإعادة مراجعة داخلية للإسلاميين في الكويت؛ مراجعة أنفسهم ومواقفهم وأن تكون الكويت والوحدة الوطنية وحماية النسيج الاجتماعي الكويتي هي المطلب الأساسي والأهم بدلًا من الانتماء إلى جماعات آفلة ومتطرفة خارج حدود الوطن.

الحاجة إلى تشريعات تحول دون التلاعب بالهويات الفرعية
الباحث السياسي البحريني د.عبدالله الجنيد، أفاد أن كشف الأجهزة الأمنية الكويتية عن التشكيل الإرهابي التابع للإخوان المسلمين في هذا التوقيت يحمل كثيرًا من الدلالات من ناحية القراءة السياسية؛ فقد اعتقد تيار الإخوان المسلمين في الكويت تميُّزه بالحصانة، إلا أن الكشف عن هذه الخلية فيه رسالة لتيار الإخوان بضرورة مراجعة مواقفه على أُسس وطنية لا أيديولوجية مُوظفة في خدمة إحياء مشروع أمة الخلافة الموازي لدولة الولي الفقيه على حساب الهوية والجغرافيا العربية.
وأشار الجنيد إلى أهمية التقنين والتشريع خليجيًّا على كل المستويات، واتخاذ كل الخطوات الحائلة دون تطاول الهويات الفرعية أو المذهبية على أي من الثوابت الوطنية؛ وأولها الهوية العربية لدولنا الوطنية.
براجماتية إخوانية
حاول إخوان الكويت الاستفادة من أخطاء زملائهم خلال تجربتهم الفاشلة في مصر، والرفض الشعبي لهم في تونس؛ فجاء قرارهم بالمشاركة في انتخابات 2016 بالبرلمان الكويتي بعد مقاطعة في الانتخابات السابقة، مقدمين أنفسهم باعتبارهم القادرين على تخليص المجتمع من الفساد، ومقدمين وجوهًا جديدة إلى المجتمع في إطار براجماتي يتوافق مع نفس السياسة التي اتبعتها الجماعة في تونس بعد تراجع التأييد الشعبي لها في أعقاب وضوح رؤيتها اللا وطنية والداعمة لسياسات التنظيم الدولي.
المراوغة السياسية كانت أسلوب حركة “حدس” وَفق المعطيات الداخلية والخارجية خلال فترة الربيع العربي، فبينما اعتبروا أنفسهم جزءًا منه في البداية داعين إلى تظاهرات والمشاركة في الاعتصامات، وهو ما يعتبر اتساقًا مع التوجه الإخواني في تلك الفترة، دفعهم انكشاف أغراضهم وإخفاقات زملائهم بالدول الأخرى إلى إعادة التبرؤ من “الإخوان”؛ خصوصًا بعد تصنيف السعودية والإمارات لها كجماعة إرهابية، ومخاوفهم من إقرار اتفاقية أمنية موحدة بين دول الخليج.
الاقتصاد مسار موازٍ
التحرك الاقتصادي لإخوان الكويت يسير في مسار موازٍ مع التحرُّك السياسي؛ حيث أصبح تحركهم في الكويت بصدارة النشاط الاقتصادي في الخليج، خصوصًا مع وجود أخبار وتقارير تتحدَّث عن وجود اختراق من قِبَل الإخوان لجهات رسمية؛ مثل وزارة الأوقاف وبيت الزكاة لفترة طويلة، بالإضافة إلى بيوت المال التي تقوم بأدوار في دعم التنظيم الإرهابي بأموال التبرعات والصدقات التي تستخدم ليس فقط في التمويل الإرهابي ولكن أيضًا في نشر أفكار سيد قطب التكفيرية.
وبينما يرجح محللون سياسيون في كتابات عدة أن يكون الإخوان الكويتيون هم وكلاء الأجندة القطرية الداعمة للإخوان في الخليج، يقول الكاتب الكويتي محمد أحمد الملا، في دراسة عن تاريخ الإخوان في الكويت، إن الدولة بحاجة إلى مراقبة المساجد ومراقبة دعاتها ووزارة الأوقاف، ومَن ينشر فكر الإخوان المسلمين في الكويت ودول الخليج؛ حتى يمكن القضاء على فكرهم المتطرف وإنقاذ الشباب منهم.
تحذير من المستقبل
من جانبه، أشاد عالم الدين السعودي أحمد قاسم الغامدي، بإنجاز وزارة الداخلية بالكويت المتمثل في ضبط الخلية الإرهابية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، قائلًا إن القرار الذي اتخذه كثير من الدول بتجريم جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا كان قرارًا صحيحًا، والواقع يشهد بصحة ذلك القرار. ودعا الغامدي الدول التي لم تجرم جماعة الإخوان المسلمين إلى المبادرة بتجريمها وتجريم أنشطتها وغلق مكاتب الجماعة وعدم السماح بوجود هذا الانتماء الحزبي الذي يعد كالسرطان في جسد الأوطان الذي ينتهك اللحمة الوطنية ومصالح الوطن.

ودعا عالم الدين السعودي أيضًا إلى العمل على إعادة كثير من الناس من منتسبي الجماعة أو المضللين فيها إلى جادة الصواب من خلال تصحيح انحرافهم الفكري الذي أحدثته الجماعة في عقول كثيرين.
الكويتيون يمثلون بداية الأخونة في الخليج، ولهم تأثير متجذر في الدولة والمجتمع الكويتي، على مستويات مختلفة؛ تنظيمية وفكرية واجتماعية، حيث يستغلون الطبيعة الخاصة لدولة الكويت ويتعاملون بمرونة مع الضغوطات؛ حيث بدؤوا مرحلة جديدة يشعرون فيها بالانتصار.
بينما يذهب بعض القراءات الاستشرافية لمستقبل الإخوان في الكويت إلى أنه سيكون على شكل حركة سياسية محافظة اجتماعيًّا تركّز كل جهودها على الكويت فقط، وهو ما قد يدفعهم إلى التقارب مع التيارات القبليّة في المجتمع الكويتي؛ باعتبار أن القبيلة تمثّل الحاضن الطبيعي للمنهج المحافظ، بالإضافة إلى تحركهم نحو التستُّر خلف شعارات حقوق الإنسان، باعتبار ذلك الوسيلة المناسبة لتعزيز شرعيتهم الداخليّة في الوقت الذي يفقدون فيه بعض حضورهم الخارجي.
لكن هذه القراءات تؤكد أن هذا التوجه المستقبلي المرتقب لا يعني أن وجودهم ليس مُشكلة، فمجرد وجود حاضنة للفكر الإخواني هو بحد ذاته مشكلة؛ لأنه قد يكون اليوم مسالمًا لظروف خاصة، ولكن ليس بإيمان وقناعة منه، فوجود هذه الحاضنة يعني وجود حاضنة للتطرف تنتظر الوقت المناسب في إطار سياسة التعامل بمرونة مع الضغوطات التي يتعرضون لها داخليًّا.