الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةشؤون دولية
إرسينا.. القرية الإيطالية التي يسكنها أمريكيون
أصبحت إرسينا جنة للمغتربين، ومعظمهم من الأمريكيين المتقاعدين الراغبين في أن يعيشوا حياة الحلم الإيطالي الريفي..

كيوبوست- ترجمات
تتحدث سيلفيا مارشيتي في هذا المقال المنشور في “سي إن إن” عن قرية إرسينا في الجنوب الإيطالي، والتي تحولت إلى موطنٍ جديد لعشرات المتقاعدين الأمريكيين وعائلاتهم، وتقول إنه في خضم تدفق الأجانب لشراء منازل قديمة قليلة التكلفة في إيطاليا، تمكنت مجموعة واحدة من تحقيق خطوة إضافية إلى الأمام، وساعدت في إحياء بلدة مهجورة.
تقع إرسينا في عمق منطقة باسيليكاتا الجنوبية، وهي اليوم موطن لأربعة آلاف شخص من السكان الأصليين، إضافة إلى أكثر من 300 أجنبي. في مطلع الستينيات كان عدد سكان هذه القرية الواقعة على تل محاط بالسهول يبلغ 12,000 نسمة، لكن الهجرة الجماعية والظروف المعيشية الصعبة أدت إلى تراجع هذا العدد إلى 4500 شخص بحلول نهاية العقد.
جنة المغتربين
تغير هذا الواقع اليوم، وأصبحت إرسينا جنة للمغتربين، ومعظمهم من الأمريكيين المتقاعدين الراغبين في أن يعيشوا حياة الحلم الإيطالي الريفي. فقد اشترت أكثر من 15 عائلة من الولايات المتحدة وكندا عقارات قديمة في هذه القرية النائية المعروفة بحقول القمح وبساتين الزيتون. وبعد استقرارهم استمر هؤلاء في توسيع ممتلكاتهم وإخبار معارفهم الذين استجابوا للدعوة وأنفقوا مبالغ تتراوح بين 20 و150 ألف يورو لشراء منازل فسيحة مع إطلالاتٍ ريفية. ويمكن للزائر اليوم، سماع مختلف اللهجات الأمريكية والكندية واللغات الأوروبية في شوارع إرسينا.
الحي القديم في القرية محاط بسورٍ مرتفع تتخلله البوابات الحجرية المزخرفة وأبراج المراقبة التي ترجع إلى القرون الوسطى، وتتوزع في الحي القديم القصور الأنيقة التي كان يسكنها أبناء الطبقة البرجوازية الريفية الغنية. لكن سكان القرية الأصليين سئموا من الشوارع الضيقة الخالية من السيارات، وانتقل معظمهم إلى أحياء جديدة في محيط القرية تاركين وسطها التاريخي فارغاً إلى حدٍّ كبير.
اقرأ أيضاً: كومبوسكورو: القرية الإيطالية التي لا تتكلم الإيطالية!
وتشتهر إرسينا بأنفاقها الجوفية التي تنقل المياه إلى خزانات القرية، كما تشتهر بمهرجانها السنوي الذي يقام في شهر يونيو، ويعرف بالأبراج البشرية حيث يقف ممثلون يرتدون ثياب المزارعين وأزياء نبلاء الريف على أكتاف بعضهم بعضاً لخلق هرم بشري يعبر عن التسلسل الهرمي الاجتماعي القديم في المنطقة. وتُشتهر أيضاً بأطباقها الشهية من المعكرونة مع التين المطبوخ بالنبيذ والفلفل الحلو وأطباق لحوم الأغنام والماعز.
أول الواقعين في حب إرسينا
كانت ساندي ويبستر (63 عاماً)، وهي كاتبة من سان دييغو، وزوجها كيث (69 عاما) وهو مدير مالي أسكتلندي، أول “الرواد” الأجانب الذين اشتروا منزلاً في إرسينا. زار الزوجان إرسينا أثناء إجازتهما في عام 2004 ووقعا على الفور في حب القرية. اشترى الزوجان منزلاً قديماً بجدران حجرية، وأرضيات من بلاط المايولكا، وقضيا بضع سنوات في تجديده قبل أن ينتقلا إليه في عام 2012. يحتوي المنزل الحجري على أربع شرفات بانورامية، ويطل على ساحة صغيرة مشمسة في الجزء الأقدم من القرية، وقد كلف تجديده أربعة أضعاف الثمن الذي دفعته عائلة ويبستر لشرائه.
قالت ساندي: “قمنا بتجديد المنزل بأكمله، كان هناك حمام واحد صغير فقط، وقمنا بتحويل العلية إلى شقة للضيوف، واحتفظنا بغرفة المعيشة الأصلية الكبيرة مع قبتها. كانت تلك الإصلاحات لتكلفنا مليون دولار في لندن”.

ما يميز إرسينا عن القرى الإيطالية هو كونها مسطحة تماماً، إذ لا يوجد فيها طرق شديدة الانحدار أو أزقة وعرة، بل ممرات مسطحة تحف بها الأقواس. وبذلك تكون القرية الواقعة على هضبة مرتفعة مكاناً مثالياً لممارسة المشي، وخاصة لكبار السن.
لم تجد عائلة ويبستر صعوبات بيروقراطية عند شراء المنزل وترميمه بفضل مساعدة السكان المحليين الذين شعروا بسعادة بالغة لاستقرار الوافدين الجدد في قريتهم، وكانت العقبة الوحيدة هي التواصل. قالت ويبستر: “ما زلنا نتحدث الإيطالية مثل أطفال في سن الرابعة. كان علينا كتابة ملاحظاتنا لفريق البناء من أجل إعطائهم تعليمات واضحة”.
“سفيرة” إرسينا في أمريكا
تيفاني داي، المستشارة المالية البالغة من العمر 50 عاماً من ناشفيل، هي السفيرة غير الرسمية لإرسينا في الولايات المتحدة، اشترت خمسة منازل لعائلتها الكبيرة -لديها خمسة أولاد وثمانية أحفاد- وكانت في كل مرة تزور فيها القرية تحضر معها المزيد من الأصدقاء الأمريكيين الذي رغبوا بشراء ممتلكات في القرية. وهي تحب إقامة الحفلات الكبيرة التي يختلط فيها ضيوفها مع السكان المحليين على الشرفة البانورامية لقصرها، الذي يرجع إلى القرن الثامن عشر. وفي أكتوبر سيأتي حوالي 200 شخص للاحتفال بزفاف ابنها هانتر الذي اشترى والدا زوجته أيضاً منزلاً في المدينة.
جاءت داي إلى إرسينا أول مرة عام 2016 لتلبية دعوة إحدى قريبات جدتها من سكان القرية، وبعد زيارة ثانية اشترت منزلاً فخماً مقابل مئة ألف يورو، وأنفقت نفس المبلغ على تجديده ليصبح قصراً فاخراً مع حمام بانورامي يطل على التلال، وحجارة ضخمة تبرز من جدرانه. قالت داي: “لقد دعوت أفراداً من العائلة وأصدقاء من الولايات المتحدة واشتروا تسعة منازل هنا”. وأضافت: “عندما وصلنا إلى هنا عام 2016 كان معظم سكان إرسينا قد هجروا القرية القديمة إلى الأحياء الجديدة، كانت إرسينا القديمة شبه فارغة، القرية القديمة رائعة، وما عليك سوى رؤيتها من خلال عيون أخرى، والنظر إلى قيمتها المخفية. وقد دفع الاهتمام الأجنبي بالقرية أبناءها إلى تجميل منازلهم أيضاً، مما أدى إلى إحياء إرسينا”.

عودة إلى الأصول
بيث أنكونا، والدة زوجة ابن داي المستقبلية، اشترت منزلاً في إرسينا بدافعٍ من رغبتها بتجديد أصول زوجها الإيطالية، تقول المعلمة والكاتبة ابنة الثلاثة والخمسين عاماً: “هناك العديد من المدن الإيطالية الرائعة مثل روما والبندقية، ولكن هنا يوجد شيء سحري مختلف”. والآن تتبنى أنكونا روتيناً محلياً نموذجياً يتضمن المشي الصباحي والمسائي والقيلولة بعد الغداء من الساعة الواحدة إلى الرابعة بعد الظهر. ولم يقتصر الأمر على تغيير نمط حياتها، بل أقنعت والدَي زوجها بشراء المنزل المجاور أيضاً. قالت أنكونا: “لقد علّمت إرسينا حماتي كيف تعيش حياة نشطة، وهي في السبعينيات من عمرها”.
أما طبيبة الأسنان الكندية المتقاعدة ديبرا سيمينوك التي علقت في القرية بسبب الجائحة، فقد أحبت المكان، وقررت شراء منزل بدلاً من المنزل الذي استأجرته في بداية إقامتها من سيدة إيرلندية. كان العقار الذي اشترته ديراً تاريخياً مع قطعة أرض خاصة، وبستان زيتون. لكن القيمة التاريخية للعقار كانت تعني وجود قيود على أعمال التجديد، فمُنعت سيمينوك من فتح نوافذ جديدة في جدرانه. قالت سيمينوك: “الحياة الاجتماعية رائعة هنا، وتمتاز القرية بسياسة الباب المفتوح الممتعة للغاية. الطعام هنا ينتج محلياً، ونمط الحياة صحي للغاية، المشكلة الوحيدة هي أنني لا أستطيع تعلم الإيطالية لأننا جميعاً نتحدث الإنجليزية هنا”.
اختار ديف توملين، وهو طباخ متقاعد من ويست فيرجينيا، إرسينا كقاعدة لقضاء إجازته السنوية. قال: “أردنا شراء منزل رخيص لأننا نسافر كل عام إلى أوروبا مع مجموعة من سبعة أزواج آخرين. وفي عام 2008 اشترينا منزلاً قديماً من غرفة واحدة بسقفٍ مقوس كبير، وشرفة ومطبخ مقابل 24,000 يورو”. وفي عام 2012 قام توملين وزوجته التي تعمل في قطاع المصارف بشراء منزل آخر أكبر في القرية، حيث يقضيان ستة أشهر سنوياً.
وقد استحوذ طعام إرسينا الطازج وإيقاع الحياة البطيء فيها على الزوجين، حتى أنهما فكرا في التقدم بطلب للحصول على الجنسية الإيطالية.
المصدر: سي إن إن