الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربيةمقالات
إخوان مصر: الأيدي المتوضئة تأكل الحرام

عادل مرزوق♦
تخوض قيادات جماعة الإخوان المسلمين -النسخة المصرية- في الخارج، سجالاتٍ على وقع حملاتٍ إعلامية وتصريحاتٍ صحافية حادة. ومن مقر إقامته في العاصمة البريطانية (لندن)، يواجه القائمُ بأعمال المرشد العام للجماعة؛ إبراهيم منير، التكوينَ العميق داخل الجماعة الذي يتزعمه في مقر التنظيم (إسطنبول) الأمين العام السابق، محمود حسين، رفقة 5 من قيادات الجماعة، يُحكمُ هؤلاء السيطرةَ على الموارد المالية، وتسيير مؤسسات الجماعة منذ سنواتٍ.
وفيما تشتبك يوميات الصراع ما بين إسطنبول ولندن، بحسابات المكان والهيمنة على الماكينة الإعلامية للجماعة واستثماراتها، تتوسع دائرة التأثير والتوجيه والتحريض بين أجهزة الاستخبارات الدولية والدول الداعمة للجماعة على اختلاف توجهاتها ومصالحها، لا تُستثنى في هذا السياق توجيهاتُ مرشد الجماعة، محمود عزت، نفسه، فلكل طرفٍ من الأطراف سرديته الخاصة تجاه المرشد الذي غالباً ما تصل رسائله وتوجيهاته من السجن إلى إسطنبول متأخرة، وهو ما يتيح لكل طرفٍ من الأطراف المتناحرة تكييف وتفسير هذه التوجيهات (داخلياً) في السياقات التي تصبُّ في مصلحته.
اقرأ أيضًا: وسط اتهامات متبادلة.. تصاعد الأزمة داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر
لا تبدو الجماعة التي تعيش منذ يونيو/حزيران 2013 بعد إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي عن سدة الحكم وسجن أبرز قياداتها، في أحسن حالاتها. ولئن كانت “عالمية” التنظيم قد أتاحت للجماعة القدرة والمساعدة اللازمة للملمة نفسها في الخارج، وتجاوز مفاعيل صدمة خروجها من السلطة في مصر، فإن الجماعة كانت، ولا تزال، عاجزةً عن فهم الواقع الجديد في الداخل المصري، فضلاً عن تأخرها في التنبؤ بأن مصالح دول المنطقة -في توقيتٍ ما- ستكون أكثر أهمية ومحورية من الجماعة التي أصبحت، شيئاً فشيئاً، عبئاً على داعميها.

حمَّى متأخرة
في أحسن الأحوال، تبدو حالة التشظي والانقسامات التي تعصف بالإخوان المسلمين هذه الأيام كـ “حمى متأخرة” لحالة مرضية مستعصية أسقطت الجماعة -التي توقف لديها الزمن منذ سنوات- من حسابات دول الإقليم التي خطت خطواتٍ وازنة نحو تسوية ملفات الصراع المحتدمة بينها. وفيما تتلقى النسخة المصرية من الإخوان المسلمون ضرباتٍ متتالية من الدول الحاضنة والداعمة، تأتي هذه الأزمة لتزيد من تعقيد الموقف على الجماعة، داخل مصر وخارجها.
لا يترشح عن سبر مجمل المواقف والبيانات المكتوبة والمصورة عن ما يدور بين قيادات الإخوان والمتحدثين الرسميين، ما يشير إلى أن ما يدور هو خلاف حول تقدير الموقف العام أو فهم وصناعة الاستراتيجيات والآليات والحلول الممكنة لمعالجة ما تكبدته الجماعة من خساراتٍ متراكمة على ظهرها. حتى السردية “الخجولة” في تقديم القائم بأعمال المرشد، إبراهيم منير، باعتباره رجل التسويات، لا تبدو مقنعة، ولا تصمد أمام أدبياته التي لا تنفك على تكرار أدبيات الخطاب ذاته منذ عام 2013م.
اقرأ أيضاً: كيف نجحت مصر في إحباط محاولة إنعاش اقتصادية لتنظيم الإخوان؟
الأهم من ذلك، هو الدعاية السياسية “الإيجابية” عن القائم بأعمال المرشد هي ذاتها الدعاية السياسية “السلبية” التي يرددها خصومه الذين يتهمون منير بالتمهيد لمشروع التنازل، وإعلان الهزيمة الكبرى. وعليه، سرعان ما ستتحول هذه الدعاية لنقيضها تماماً مع تحول منير، تدريجيًا، إلى مجرد حارس مسؤول عن رعاية الإرث السياسي الثقيل للجماعة، وفي مقدمة أولويات هذه الرعاية تفنيد اتهامات خصومه بأنه سيكون عنواناً للهزيمة والتراجع.

التشظي نحو المزيد من التطرف
لطالما كانت الانقسامات داخل الجماعات والتنظيمات السياسية حمَّالة أوجه، بين أن تولد من رحمها تيارات ترتكز على مراجعاتٍ فكرية وثقافية وسياسية، وروئ جديدة تتجاوز أخطاء الماضي، وتصحح خيارات المستقبل، أو أن تميل لتكون سقطاً نحو سياساتٍ وخيارات أكثر تطرفاً وخطورة. وفي مصر تحديداً؛ يجدر الالتفات إلى أن التيارات الإسلامية المصرية، وتشظياتها على وجه الخصوص، كانت الحاضنة وآلية الإنتاج لمعظم الحركات الإسلامية المتطرفة منذ أوائل السبعينيات من القرن الآفل، داخل البلاد وخارجها.
الموجة الأولى من الجماعات الإسلامية المتطرفة ممثلة بالجماعة الإسلامية، التي كان كل من أبو العلا ماضي، وكرم زهدي، وعمر عبد الرحمن، أبرز قياداتها، ولدت انقساماتها وتشظياتها موجات متتالية ارتكزت، تأسيساً، على عناوين التمسك بأحكام الشريعة والشعارات والمبادئ الإسلامية قبالة أي مراجعات قد تعني، بطريقةٍ أو أخرى، التراجع عن أي من تلك الأحكام والأهداف المقدسة. وهو ما حدث فعلاً في عام 1997م مع إعلان قادة الجماعة الإسلامية من داخل السجون المصرية “مبادرة لوقف العنف”، وقتئذ؛ تصدت قيادات الخارج لهذه المبادرة لتشهد مصر، بل ودول العالم، تفريخ المزيد من الجماعات الإسلامية المتطرفة، أهمها، كان انشقاق أيمن الظواهري الذي كان ضلعاً من أضلاع تأسيس تنظيم القاعدة.

بعد العام 2013م، تورطت جماعة الإخوان المسلمين في أعمال عنفٍ وعمليات إرهابية داخل مصر. رغم ذلك، حاولت الجماعة الفصل بين الخطاب العام للجماعة في المهجر، وعمليات اعتبرتها -دون اعتراف رسمي بذلك- نتاج جماعات منفلتة في الداخل. وصولاً إلى العام 2016م، برزت خلافات محتدمة إلى السطح، ووجهت مجموعة من قيادات الجماعة في الداخل لقيادات الخارج اتهاماتٍ صريحة بالفساد، والتنصل عن مسؤولياتها في رعاية المنتمين للجماعة الذين نفَّذوا عملياتهم بتفويضٍ مؤسسي واضح، لا باعتبارها عملياتٍ منفلتة.
ليس ثمة ما يشير إلى أن الجماعة في معرض الاستفادة من مستجدات الوضع الإقليمي الراهن، يُضاف لذلك أن حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي لا تبدو في حاجة لعقد أي صفقاتٍ سياسية في هذا التوقيت. خصوصاً وأن الجماعة تبدو في أضعف حالاتها داخلياً، بل وعلى مقربةٍ من خسارة داعميها الدوليين أيضاً.
اقرأ أيضاً: فصل الإخوان المسلمين من الوظائف الحكومية.. قرار مصري جديد لتحييد الجماعة
التنظيم السري: بابٌ كبيرٌ على الفساد
لا شك أن العمل السري بطبيعته هو بيئة خصبة للفساد، على مستوى المؤسسات والأفراد، فالصلاحيات الواسعة للقيادات (التي هي في الغالب تشغل مناصبها بصفة مؤقتة أو بالوكالة) وكذلك ضعف الرقابة المؤسسية، يفتحان الباب واسعاً أمام الممارسات النفعية، ومراكمة الثروات، لتكون جزءاً من السلوكيات الفردية في المؤسسات.
اقرأ أيضاً: خلافات جماعة الإخوان الداخلية هل تنذر باقتراب النهاية؟
ورغم الإجراءات الأخيرة التي اعتمدتها حكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تحجيم وضبط الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، بالتوازي مع جهود ووساطات تحسين علاقات أنقرة مع القاهرة، لا تزال جماعة الإخوان، وبالأخص جماعة الحرس القديم برئاسة محمود حسين، تستحوذ على استثماراتٍ معتبرة داخل إسطنبول وخارجها، وهي موارد مالية تؤمِّن لقيادات وأعضاء الجماعة في تركيا إقامة فارهة من جهة، والقدرة على تمويل وتشغيل مؤسسات الجماعة في الخارج، من جهةٍ أخرى.

ومن داخل الجماعة لا خارجها، أصبح إطلاقُ خطابات التخوين لقيادات الإخوان في الخارج متداولاً. وإن لم تكن اتهامات الفساد والإثراء غير المشروع هي الأبرز، فإن تهم اعتماد القيادات في الخارج لاستراتيجية (بقاء الحال على ما هو عليه) كانت تلمز وتهز وتشي بأن قيادات الخارج قد تطبَّعت بحياة الرخاء والمال، والمكاتب الفخمة في إسطنبول، وغيرها من العواصم العربية والعالمية.
في المحصلة؛ التكهنات بأن صراعات جماعة الإخوان المسلمين الداخلية ستؤدي لنهاية التنظيم تبدو مستبعدة، خاصة وأن أكثر ما يميز الجماعات الإسلامية، تأسيساً، هو قدرتها على البقاء وسهولة تبرير إخفاقاتها. رغم ذلك، يكشف هذا المشهد الكثيرَ من الحقائق عن قوى الإسلام السياسي في مصر وخارجها، فالأيدي المتوضئة -كما وصفها الرافعي- باتت تتصارع على الأكل الحرام!