الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية

إخوان اليمن وعواقب الدعوة لتدخل تركيا

تتزايد الدعوات إلى تدخل الأتراك حالياً في اليمن من قبل زعامات من حزب الإصلاح ذراع الإخوان المسلمين هناك.. أحدثها ما لمَّح إليه حميد الأحمر في لقاء له مؤخراً.. فماذا يقف خلف تلك الدعوات؟

كيوبوست

لطالما تعرض العثمانيون الأتراك إلى مقاومةٍ شرسة من قبائل اليمن، والأئمة الزيدية، كلما حاولوا بسط سيطرتهم على اليمن، سواء خلال القرن السادس عشر أو التاسع عشر الميلادي. وقد كان لقبائل شمال اليمن دور مهم في مقاومة العثمانيين، حتى إن الإمام يحيى بن حميد الدين؛ زعيم الزيدية، كان يصف المقاتلين من قبيلة حاشد بـ”المجاهدين”، ويصف الأتراك بـ”أعداء الله”.

ولكن المقاومة الشرسة ضد العثمانيين ضعفت عندما عقد الإمام يحيى بن حميد الدين اتفاقية (دعان) مع العثمانيين في عام 1911، والتي حصل بموجبها على اعتراف السلطنة العثمانية له بالزعامة للطائفة الزيدية، مقابل اعتراف الإمام بالسيادة العثمانية على ولاية اليمن. نجحت الاتفاقية في تهدئة المقاومة ضد العثمانيين؛ لكنها أثارت غضب القبائل ضد الإمام؛ حيث اعتبر مشايخ القبائل من حاشد وبكيل الاتفاقية طعنة في الظهر من قِبل الإمام الذي يدعوهم إلى قتال الأتراك.

اقرأ أيضاً: اليمن.. ستون عاماً من البحث عن الدولة

اليوم، وبعد مرور أكثر من مئة عام على خروج العثمانيين من مناطق سيطرتهم في اليمن، يعود بعض اليمنيين من جديد إلى استخدامهم لتحقيق مصالحهم، وتبادل المنافع معهم؛ ففي الماضي كان الأتراك يسعون للسيطرة على اليمن لمواجهة الأخطار التي تواجههم من الإيطاليين في ليبيا، والنشاط في البحر الأحمر. كما سعى تجار صنعاء لاستقدام العثمانيين لفرض الأمن وتحقيق غايات اقتصادية، وسعى الإمام يحيى للتصالح معهم؛ لاستلام مقاليد حكم البلاد.

جامع البكيرية في صنعاء من آثار الدولة العثمانية في اليمن- أرشيف

وتأتي الدعوات إلى تدخل الأتراك حالياً في اليمن من قِبل زعامات من حزب الإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن، أحدثها ما لمَّح إليه حميد الأحمر، في لقاء له على قناة “الجزيرة” القطرية، من دعوة لجلب تركيا إلى التحالف العربي ليصبح تحالفاً إسلامياً بمساندة تركية، وذلك إن لم تكن قدرات المملكة العربية السعودية غير “كافية”، حسب تعبيره. ومع أن الأحمر أردف قائلاً بأن السعودية لديها القدرة العسكرية الكافية، وأنه لا توجد هناك حاجة، إلا أن تلميحه كان يعبِّر عن نيِّاته الحقيقية، ونيِّات الكثير من قيادات حزب الإصلاح، الذين كانوا أكثر صراحة في تعبيرهم عن رغبتهم لدخول تركيا إلى اليمن.

مَن هو حميد الأحمر؟

حميد عبدالله الأحمر، هو أحد زعماء حزب الإصلاح في اليمن، وأحد الرموز القبلية المعروفة. كان جد والده، ناصر بن مبخوت الأحمر، من بين أهم القيادات القبلية التي اصطفت إلى جانب الإمام يحيى بن حميد الدين؛ لمقاومة العثمانيين والدفاع عن دول الإمامة الزيدية في شمال اليمن. لكن العلاقة بين الإمام يحيى وناصر الأحمر، ومَن أتى بعده، تكدرت بعد ميل الإمام يحيى إلى العثمانيين واتفاقه معهم.

اقرأ أيضاً: العلاقات التركية مع حزب الإصلاح اليمني.. قضايا يجب أن تحظى بالاهتمام

استمرت العلاقة بين الإمام يحيى وأبنائه مع مشايخ قبيلة حاشد في الاضطراب، حتى قامت ثورة 1962م التي أطاحت بحكم الأئمة الزيدية، وأنهت ما كان يُعرف حينها بالمملكة المتوكلية اليمنية في شمال اليمن. كان عبدالله بن حسين الأحمر، والد حميد الأحمر، أحد أبرز قادة الثورة، والذي سعى للانتقام من سوء معاملة الأئمة الزيدية مع مشايخ حاشد، وإقامة نظام حكم جديد.

كان عبدالله بن حسين الأحمر أحد أبرز الزعامات في تاريخ اليمن الحديث، فبالإضافة إلى دوره في ثورة سبتمبر، فهو أيضاً زعيم قبائل حاشد، ووزير، ورئيس مجلس النواب. أسس الأحمر حزب التجمع اليمني للإصلاح في عام 1990، وأوكل إلى تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن العمل كنواة داخلية للحزب.

اقرأ أيضاً: اليمن.. ستون عاماً من البحث عن الدولة

استمر دور قبائل حاشد وبكيل في تمكين نظام الرئيس السابق، علي صالح، في الحكم لعقود؛ ولكن الخلافات بدأت تدريجياً حتى بلغت ذروتها بقيام ثورة الشباب اليمنية في عام 2011. وقد كان لحميد الأحمر، وحزب الإصلاح، دور مهم في حشد الحشود والقيادات القبلية والعسكرية ضد النظام، وقد تلقى حميد وحزبه الدعم من الدول المؤيدة للإخوان المسلمين.      

صادق الأحمر (في الوسط) زعيم قبائل حاشد بين حشود ثورة الشباب اليمنية- أرشيف

وصف الرئيس اليمني السابق، علي صالح، حميد الأحمر بأنه “أحد رموز الفساد”، وأنه يدير ما يصل إلى 60 مليار دولار من الأموال في تركيا. ومن المعروف عن حميد استغلاله نفوذ والده وقبيلته لتحقيق مصالح تجارية، وهو يرأس مجموعة الأحمر التجارية العملاقة، التي تعمل في مجالات النفط والسياحة والاتصالات والبنوك.

يعيش حميد الأحمر في تركيا، وهو مؤسس شركة “سبأ ترك”، التي تعمل في مجال الاستشارات والمبيعات والاستثمارات العقارية، كما أنه مؤسس ومالك معظم أسهم شركة “إنفست تريد” في تركيا؛ وهي شركة لإدارة المحافظ الاستثمارية، ومنها صناديق الاستثمار العقاري.

اقرأ أيضاً: إخوان اليمن.. تاريخ من العلاقات التخريبية كشفتها تسجيلات القذافي

دعم حميد الأحمر من تركيا لحزب الإصلاح ليس خافياً، وهو دعم يخدم التوجهات التركية والإخوانية بوضوح وعلانية، مدفوع بمصالح شخصية وتجارية، وأخرى انتقامية وفكرية وسياسية. خلال ثورة الشباب -مثلاً- مكَّن زعماء حزب الإصلاح الشركات التركية من الحصول على امتيازات تجارية ووكلاء في اليمن. وفي العام الماضي، ذكرت صحيفة “إنتلجنس أونلاين” الفرنسية، المختصة في مجالات الاستخبارات، أن الاستخبارات التركية تزيد من وجودها في اليمن بمساعدة حميد الأحمر، بينما يبدو أنه مقدمة لعملية تركية أكبر، حسب الصحيفة.

خطورة التدخل التركي في اليمن

يدين الأئمة الزيدية، أسلاف الحوثيين، باستقرارهم في اليمن إلى مناصرة قبائل حاشد وبكيل لهم إلى حدٍّ بعيد، ولطالما كانت تلك المناصرة مرهونة بمنح القبائل استقلالية تامة، وبعدم موالاة القوات الأجنبية. يعلمنا تاريخ شمال اليمن أن الإخلال بأحد هذين الشرطين، أو كليهما، يعرض البلاد إلى عدم الاستقرار.  

يمكن ملاحظة أهمية الحفاظ على قواعد اللعبة تلك من خلال مرحلتين مهمتين في تاريخ العلاقة بين الأئمة الزيدية والقبائل؛ الأولى عند حدوث الخلاف بين الإمام يحيى ومشايخ القبائل بعد اتفاقية دعان في عام 1911م، والتي أدَّت إلى حدوث خلاف بين القوتين، والثانية أثناء ثورة سبتمبر 1962، والتي استعان فيها الأئمة الزيدية بالسعودية، والثوار بمصر.

اقرأ أيضاً: اليمن.. عشر سنوات على حلم التغيير الذي استحال كابوساً!

ولكن القبائل في شمال اليمن قد توزَّع ولاؤها أيضاً بين أطرافٍ متنازعة؛ وهو تكتيك خطير يؤدي غالباً إلى إطالة الصراعات، فعند حدوث الخلاف بين القبائل والإمام يحيى، وقفت القبائل إلى جانب الإمارة الإدريسية، في جازان وتهامة، ضد الدولة العثمانية وضد الإمام يحيى، وفي نفس الوقت يظهرون الولاء للإمام يحيى في مناطقهم؛ فكان الولاء للإمام والقتال مع الإدريسي ضد الأتراك والإمام! تكرر هذا التكتيك نفسه أثناء ثورة سبتمبر؛ حيث قاتلت بعض القبائل مع الملكيين حيناً، ومع الجمهوريين حيناً آخر، حتى اشتهر عنهم أنهم ملكيون في الليل جمهوريون في النهار.

محمد البدر بن حميد الدين آخر أئمة المملكة المتوكلية في شمال اليمن- أرشيف

يعرف الأتراك قواعد الحرب هذه في اليمن جيداً، وكذلك تعرف الدول الأخرى، ومع ذلك، فلا تتردد دول مثل تركيا وإيران في المجازفة الحذرة، مع إبقاء التكاليف في حدها الأدنى، من خلال استخدام الميليشيات، والإعلام والتحريض، والتوغل في التأثير على إدارة الدولة، مع إبقاء أنظارهم على الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، والمتمثلة في بسط السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية والزعامة الإسلامية.

من جانبٍ آخر، يدرك الزعماء القبليون واللاعبون الأساسيون في اليمن، كحميد الأحمر، أهمية هذه التوازنات والتكتيكات لتحقيق مصالحهم، وهم على قناعة تقريباً من أنهم مهما استعانوا بالأطراف الخارجية فإنهم في النهاية سيتحدون ضدهم، ويتخلصون منهم.

اقرأ أيضاً: كتاب فرنسي جديد يتساءل: إلى أي مدى ستذهب تركيا أردوغان؟

وهكذا، فإن الاستعانة بتركيا، وهو ما يروج له إخوان اليمن، لن يجلب سوى المزيد من المتاعب، كما لا يُستبعد أن يؤدي إلى تقوية الحوثيين من الجانب الآخر، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، أو عن طريق إيران التي تتفق مع أنقرة في الكثير من المسائل والأهداف، وبهذا يدخل اليمن والمنطقة في دائرة جديدة من الصراع، ربما تكون أكثر طولاً ودموية.

إن إحلال السلام في اليمن، متناقض الولاءات، يتطلب مزيداً من الجهود لقطع الدعم الخارجي عن المتمردين الحوثيين؛ من أجل تحييدهم وجلبهم إلى طاولة المفاوضات، وكذلك الضغط على الحكومة اليمنية الشرعية لإبداء التزام ودافع أكبر لإنهاء الصراع، وأخيراً جمع كل القوى المؤثرة لحوار وطني جاد، وإيجاد تسويةٍ سياسية عادلة للجميع.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة