الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

إجراءات مواجهة “كورونا” تهوي بالقدرة الشرائية للجزائريين

الإغلاق المصاحب لجائحة "كورونا" كشف للمرة الأولى عن العدد الكبير للجزائريين الذين يعملون بالأجرة اليومية.. خلاف التقارير الرسمية التي لا تعطي صورة حقيقية عن مستويات البطالة وتركيبة الفئات النشطة في المجتمع

الجزائر- علي ياحي

أفرزت إجراءات الحجر التي اتخذتها السلطات الجزائرية في إطار مواجهة جاحة “كورونا” وضعاً اقتصادياً واجتماعياً صعباً، بعد أن أكدت دراسة حديثة أن 70 من المئة من الشعب تضرروا اقتصادياً. ورغم رفع الحجر بشكل تدريجي منذ أيام؛ فإن مؤشرات التضرر بادية على مختلف مظاهر الحياة.

وأوضحت الدراسة الجزائرية أن نسبة تضرر الجزائريين بشكل جزئي، أي توقف أحد أفراد العائلة عن العمل أو بعضهم، بلغت 49 في المئة، بينما مست الأزمة الصحية 20 في المئة منهم بشكل كلي.

وأشارت الدراسة إلى أن أغلب الأُسر الجزائرية تعيش أزمة مالية خانقة، على اعتبار أن فئات واسعة من الشعب تشتغل بأجور يومية، موضحةً أن انهيار القدرة الشرائية دفع الجزائريين إلى التخلي عن عادات استهلاكية واستبدال أخرى بها أقل تكلفة.

اقرأ أيضاً: مطاعم الرحمة تغيب عن الجزائر في رمضان.. والمتطوعون يبتكرون البدائل

أصحاب الحرف

أستاذ الاقتصاد والباحث في الحوكمة الاقتصادية عبدالقادر بريش، يعتبر في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، أن أزمة “كورونا” والغلق الاقتصادي وتوقف الكثير من الأنشطة خلال فترة الحجر الصحي، أدت إلى تضرر العديد من الأُسر والأفراد؛ خصوصاً أصحاب المهن والحرف، وكذا أصحاب العمل اليومي الحر الذين يشتغلون في السوق غير الرسمية، وغير مشمولين بأية تغطية وضمان وحماية اجتماعية، قائلاً: “من الطبيعي تراجع القدرات المالية لهذه الفئة من الجزائريين؛ الأمر الذي يدفعهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم الاستهلاكية”، موضحاً أن المستهلكين قللوا خلال جائحة “كورونا” من الاهتمام بالكماليات والإنفاق على الترفيه. وحتى الميسورون مالياً توجهوا إلى الادخار عوضاً عن الإفراط في الاستهلاك؛ تحسباً لأي طارئ.

عبدالقادر بريش

ويتابع بريش بأن الاقتصاد الجزائري وعلى غرار الاقتصاد العالمي تراجع بنسبة 3,9 في المئة؛ ما يزيد من صعوبة الأوضاع الاجتماعية، مشيراً إلى أن القطاع الزراعي ارتقى بنسبة 2,2 في المئة؛ ما سمح بضمان تموين السوق المحلية بالمواد الزراعية، وإعطاء دفعة لبعض النشاطات الصناعية والتجارية المرتبطة بقطاع الفلاحة والزراعة، مضيفاً أن الرئيس تبون يقر في تصريحاته الإعلامية بالأزمة، وكذلك الوزير الأول جراد، وعلى هذا الأساس تتم إعادة ترتيب أولويات السياسات العمومية؛ خصوصاً في الجانب الاقتصادي، من خلال إطلاقه برنامج الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي الذي يتم بالشراكة والتشاور مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.

اقرأ أيضاً: مخاوف من تنامي العنف ضد النساء والأطفال في الجزائر بسبب الحجر

وفي السياق ذاته، شددت فيدرالية حماية المستهلك على أن أكثر من نصف الجزائريين لم تسمح لهم إمكانياتهم المادية باقتناء أضحية العيد، في حين أن جزءاً من النصف المتبقي اقتنوا الأضحية بالقرض والتقسيط، موضحةً أن الحجر الصحي الذي فرض على العمال اليوميين بطالة مفاجئة، وكذا التجار والحرفيين وأصحاب المهن، أثَّر على شريحة واسعة من الجزائريين الذين يعانون تراجع قدرتهم الشرائية بنحو 30 في المئة؛ وهو ما لا يسمح لهم بتغطية تكاليف إضافية، خصوصاً مع اقتراب موعد العودة إلى المدارس.

انكماش اقتصادي

من جهة أخرى، توقع صندوق النقد العربي أن يتأثر النشاط الاقتصادي في الجزائر خلال سنتَي 2020- 2021، بجملة من العوامل؛ أهمها الانكماش في القطاع النفطي وانخفاض الإنفاق العمومي، حيث تحدث عن تراجع النمو إلى -6,1 في المئة في 2020، ثم تعافيه إلى 2,3 في المئة في 2021، مضيفاً أنه من أجل دعم التعافي التدريجي للنشاط الاقتصادي، اتخذت الحكومة عدداً من التدابير، تشمل إقرار قانون مالية تكميلي للموازنة، يهدف إلى تعزيز مواجهة الجائحة بما يشمل مخصصات للتخفيف من الآثار الصحية والاقتصادية لأزمة “كوفيد-19″، ودعم الإنفاق على قطاع الصحة، وتخصيص إعانات للعاطلين عن العمل بسبب الجائحة، وتحويلات إلى الأسر الفقيرة.

صندوق النقد العربي يتوقع تأثر النشاط الاقتصادي في الجزائر

وذكَّر التقرير بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية؛ بهدف محاولة التخفيف من حجم العجز المتوقع في الموازنة العامة للدولة؛ ومنها خفض الإنفاق الجاري بنسبة 30 في المئة، ما يعادل 12 مليار دولار، مع الحفاظ على ثبات مستوى الأجور وحماية الإنفاق على الصحة والتعليم، يضاف إليها إعلان تأجيل ضرائب الدخل للأفراد والمؤسسات؛ باستثناء المؤسسات الكبيرة، بالإضافة إلى تخفيض فاتورة الاستيراد من 41 إلى 31 مليار دولار، ووقف إبرام عقود الدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية؛ لتوفير ما يقرب من 7 مليارات دولار سنوياً، وتأجيل إطلاق المشروعات المسجلة أو قيد التسجيل، التي لم يُشرع في إنجازها باستثناء تلك المنفذة في بعض المناطق.

اقرأ أيضاً: الانتحار.. ظاهرة تنتشر في الجزائر وتهدد المجتمع بالتفكك

ويقول المحلل الاقتصادي مراد ملاح، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”: “إن الغلق المصاحب للوقاية من فيروس كورونا، أثَّر بشكل كبير جداً على الحياة العامة؛ فقد انكشف ربما للمرة الأولى العدد الكبير للجزائريين الذين يعملون بالأجرة اليومية، خلاف التقارير الرسمية التي لا تعطي صورة حقيقية للأسف عن مستويات البطالة، وتركيبة الفئات النشطة في المجتمع”، مضيفاً: فجأة أصبح الملايين دون مصدر رزق؛ لذلك لم يتقبل الكثيرون قرارات الغلق لحاجتهم الماسة إلى العمل لإعالة أسرهم، بينما كانت المعالجة الحكومية بعيدة جداً عن المأمول، من حيث تخصيص مبالغ زهيدة سُلمت إلى البعض دون الآخرين، موضحاً أن الاقتصاد الجزائري يئن تحت وطأة انخفاض أسعار النفط، وارتفاع التضخم، واستمرار النمو السلبي.

مراد ملاح

ودعا ملاح إلى ضرورة تجاوز المعالجة القاصرة للمشكلات الاقتصادية، ودعم الإدارة والحكومة بكفاءات علمية تتحدث لغة عصرية، قادرة على إعداد عروض وتصورات لمشروعات جاذبة وشراكات متكافئة، وليس لنصوص صماء باللغة الفرنسية تظهر البلد في زاوية مظلمة.

وختم المحلل الاقتصادي بأن الاقتصاد الجزائري لن يتعافى قبل أن ترتقي السياسة المالية للجهاز الحكومي لمستويات أرقى من السياسة الحالية النقدية للبنك المركزي المتفرج على انهيار العملة، والذي وصل إلى مستوى قياسي بعد أن فقد الدينار الجزائري 30 في المئة من قيمته في سبعة أشهر.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

علي ياحي

كاتب صحفي جزائري

مقالات ذات صلة