الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
أي مستقبل للمعارضة في الجزائر؟

الجزائر – علي ياحي
تعيش المعارضة السياسية الجزائرية على وقع الانقسامات والتشتت بعد أن جمعها الحراك الشعبي في وقت سابق. وكشفت استجابة بعض أحزابها لدعوات الرئيس تبون إلى لقاءات استشارية انفرادية، وتمسُّك أخرى بـ”رفض نتائج انتخابات 12 ديسمبر 2019، وضرورة اعتماد مرحلة انتقالية” عن شرخ عميق يصعب التئامه.
ويمد الرئيس عبدالمجيد تبون يده إلى الجميع ويعقد عديدًا من اللقاءات الثنائية مع شخصيات سياسية وحزبية محسوبة على المعارضة أو كانت على خلاف مع النظام السابق أو عانت التهميش بسبب مواقفها؛ حيث تناولت المقابلات تقديم وجهات نظر ومقترحات في مختلف المجالات والقضايا. وفي حين عبَّرت أحزاب وشخصيات معارضة عن ارتياحها إلى الخطوة وما قدمه الرئيس من وعود وتعهدات، رفضت أخرى، ممثلةً في قوى البديل الديمقراطي، السير في نفس النهج واختارت التمسك بمواقفها السابقة المتمثلة في رفض رئاسيات 12 ديسمبر الماضي والاعتراف بالرئيس تبون، كما تطالب بمرحلة انتقالية ومجلس تأسيسي للخروج من الأزمة.
اقرأ أيضًا: بين دفعها إلى الحوار والرفع من قدرات جيشها على الحدود.. الجزائر تستعد للحرب والسلم في ليبيا
وكانت المعارضة على اختلاف توجهاتها وأيديولوجياتها “مجتمعةً” مع بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019 تحت سقف “قوى التغيير”، وعقدت عديدًا من الاجتماعات واللقاءات وأصدرت البيانات وقدمت المقترحات؛ للخروج من الأزمة التي أعقبت إعلان الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الترشح لعهدة رئاسية خامسة، واستمر اتحاد أحزاب المعارضة إزاء رفض الانتخابات الرئاسية وعدم الاعتراف بفوز الرئيس تبون؛ لكن مع إعلان الأخير استعداده للاستماع إلى كل الجزائريين بدأت التصدعات لتكشف عن “توافق مغشوش”.

وأدى انقسام المعارضة إلى “صمت” يطبع الوضع السياسي في البلاد؛ ما دفع البعض إلى تفسير ما يحدث بـ”فترة ترقب” قبل التخندق بين دعم الرئيس مقابل المناصب والمعارضة من أجل المعارضة، بينما قرأ آخرون الوضع بأنه “اتجاه نحو تغيير المشهد السياسي بدخول أطراف جديدة وبروز شخصيات شبابية”.
وحسب الإعلامي المهتم بالشأن السياسي عبدالرؤوف حرشاوي، فإن مطالب قوى البديل الديمقراطي المتمثلة بشكل أساسي في “المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي” باتت مرفوضة تمامًا وقد تجاوزها الزمن، ولا يمكن تجسيدها في المرحلة الحالية؛ كون الجزائر انتخبت رئيسًا وتسير في إصلاحاتها.
اقرأ أيضًا: الجزائر تتخلَّى عن حيادها في الأزمة الليبية وتشكل حلفًا لدعم موقفها
وقال حرشاوي، خلال حديثه إلى “كيوبوست”: “إن اتفاقية قوى البديل الديمقراطي من أجل العقد السياسي للانتقال الديمقراطي والمسار التأسيسي، والتي توَّجت اجتماعًا لمكونات هذا التحالف منذ أسابيع، لم تلقَ صدًى ولا تجاوبًا”، وهو ما ينطبق على مختلف اللقاءات والاجتماعات على اعتبار أنها قائمة على فكرة عدم شرعية السلطة.

وفي ما يتعلق بالأحزاب الإسلامية المعارضة، أوضح حرشاوي أنها تقوم على مغازلة السلطة؛ حيث إن التشكيلات المحسوبة على الإخوان، ممثلةً في “حركة مجتمع السلم” و”العدالة والتنمية” و”الإصلاح” و”حركة البناء” و”النهضة”، أبدت استعدادها للمشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس تبون، مشيرًا في ردّه على سؤال “كيوبوست” حول مستقبل المعارضة في الجزائر، إلى أن الرئاسيات ونتائجها قلبت الساحة السياسية رأسًا على عقب؛ حيث شهدت تدحرج عديد من الأحزاب وتقدم أخرى إلى الصفوف الأولى، ومعرفة مستقبل المعارضة مرتبط بنتائج التشريعيات المقبلة والتي سترسم خارطة سياسية جديدة.
اقرأ أيضًا: الجزائر.. ما مصير الحراك الشعبي بعد انتخاب خليفة بوتفليقة؟
وبينما اختارت أحزاب وشخصيات من المعارضة المشاركة مع الرئيس تبون في إيجاد الحلول لمختلف الأزمات من أجل جزائر جديدة؛ حيث قالت الرئاسة إن الهدف الأساسي من المشاورات هو بناء جمهورية جديدة تستجيب لتطلعات الشعب، وإجراء إصلاح شامل للدولة يسمح بتكريس الديمقراطية في ظل دولة القانون التي تحمي حقوق وحريات المواطن، راحت أحزاب البديل الديمقراطي المعارضة، وعددها 14 حزبًا، تجدد الدعوة إلى مرحلة انتقالية ومجلس تأسيسي، وتطالب باستكمال إطلاق كل المساجين السياسيين وتحرير منظومة الحريات.

وأكد محسن بلعباس، أحد قيادات قوى البديل الديمقراطي، أن الجزائر باتت بحاجة إلى ما سمَّاه إعادة التجديد، رافضًا اختزال النظام الجديد في تداول بسيط لمسؤولين أحكموا قبضتهم على البلاد منذ الاستقلال، مشددًا على ضرورة إبرام عقد اجتماعي جديد يضمن انطلاقة جديدة للبلاد؛ ما يحتم على النخب والهياكل المنظَّمة أن تجلس إلى طاولة حوار حول الملفات الكبرى، وبشكل ينتج حيوية المسار التأسيسي.
في السياق ذاته، توضح أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر عائشة عباش، في تصريح أدلت به إلى “كيوبوست”، أن اجتماعات البديل الديمقراطي مبادرة ممتازة كآلية لصياغة مطالب محددة وواضحة يمكن أن تحاور من خلالها السلطة القائمة؛ لكن الإشكال يكمن في بعض الأطراف المعارضة المشككة في شرعية السلطة القائمة، مضيفةً أن التوصل إلى اتفاق من قِبَل أطراف هذا التكتل هو الرهان الأساسي الذي يجب أن يتحقق؛ لأنه من شأنه أن يبني معارضة سياسية رصينة واضحة المعالم والمطالب.
اقرأ أيضًا: رفع الراية الأمازيغية وتصاعد خطاب الكراهية.. هل تعاني الجزائر أزمة هوية؟
وتعتقد عباش أنه على المعارضة السياسية أن تبني أرضية لأطروحاتها السياسية وَفق ما تتطلبه تعقيدات المرحلة الراهنة من جهة، والتأسيس لعقيدة ديمقراطية قائمة على النقد، مع طرح البديل؛ أي حكومة ظل تنتظر دورها لتولِّي السلطة وَفق ما ينص عليه الدستور من جهة أخرى، والابتعاد عن سلوك التشكيك في شرعية السلطة القائمة، موضحةً أن إشكالية المعارضة حاليًّا مرتبطة أساسًا بمواقفها أكثر منها بالوجوه الممثلة للمعارضة؛ حيث إن المواقف غير واضحة، خصوصًا في ما يتعلق بالتيار الإسلامي. وختمت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر بأن “هذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضبابية في بناء عقيدة حزبية؛ ما يؤدي إلى عدم وضوح رؤية مستقبلية للحزب”.

من جانبه، يعتبر الكاتب الصحفي إسماعيل يبرير، خلال حديثه إلى “كيوبوست”، أن المعارضة لوحة تشكيلية غير منسجمة في الجزائر؛ حيث تيارات تتصادم ولا تختلف، بينما السلطة أكثر انسجامًا، قائلًا إن السلطة لا تزال قادرةً على ضبط حدة ونوعية معارضتها، موضحًا أن هذا الوضع يرجع إلى أن الممارسة السياسية متوقفة منذ عشريتَين على الأقل، والذي حصل هو مشاركة سياسية مشروطة وليس ممارسة سياسية مضادة.
اقرأ أيضًا: الجزائريون يدفعون ثمن “فساد” نظام بوتفليقة
ويتابع يبرير بأن المعارضة في الجزائر ترتدي ثوب الإسلاميين الذين يرفعون شعار أن الله غفور رحيم، وأحيانًا خلايا شبه يسارية مغلقة، وليس هناك مشروع واضح.
ونوه الكاتب الصحفي بأن المعارضة مثل السلطة غير مسنودة شعبيًّا ولا تهتم بالبنية التحتية ولا الفوقية؛ فرهانها المكاسب وتمديد عمر الوضع الراهن.