الواجهة الرئيسيةصحةمقالات
أين الإعجاز العلمي من “كورونا”؟

- عبدالله بن بخيت
مع تفشِّي فيروس كورونا في العالم يطل علينا سؤالٌ يثير تحديات أمام الشعوب الإسلامية: مَن هو العَالِم؟ اعتاد المسلمون إطلاق لقب عالِم على الرجال المشتغلين بالعلوم الدينية، وبسبب ندرة العلماء الطبيعيين في بيئاتهم وتدنِّي المكتشفات وندرة مراكز البحث العلمي الطبيعي في بلدانهم تنصرف كلمة عالم على الفور عند سماعها إلى الرجال المشتغلين في علوم الدين. حتى أصبحت كلمة عالم (في العلوم الطبيعية) تستدعي للذاكرة البلاد غير المسلمة. مع تفشِّي وباء كورونا تسمَّرت الشعوب الإسلامية تنتظر باستسلام تام ما سوف تتمخض عنه أعمال العلماء في البلاد الغربية.
اقرأ أيضًا: العالم بعد “كورونا”
ميَّزت الثقافة الغربية، حتى في ذهن الرجل العادي، بين المشتغلين في المسائل الدينية والمشتغلين في العلوم الطبيعية والاجتماعية والسياسية.. المشتغل في علم اللاهوت يُطلق عليه في اللغة الإنجليزيةclergyman) )، بينما يطلق على رجل العلوم الطبيعية (SCINTEST). الفرق بين الرجلَين جَلِي؛ عالم الدين ينطلق من اليقين بينما عالم الطبيعة ينطلق من الشك. العلوم الدينية لا تنفصل في عقل عالم الدين عن وجدانه وإيمانه الموروث، بينما رجل العلم الطبيعي لا صلة عاطفية بينه وبين العلم الذي يشتغل عليه؛ انحيازه إذا كان هناك ثمة انحياز ينصرف إلى مجهوده الشخصي لا إلى طبيعة العلم الذي يتصدى له. يدافع عن ورقته العلمية حتى يتبين له خطؤها، وهذا الخطأ لا يُدينه ولا يخرجه من أية ملة يعتنقها. عالم الدين يرسِّخ الحقيقة التي تعلمها في كتبه ومن أبوَيه، بينما عالم العلم الطبيعي يطور هذه الحقيقة وسيسعد وتسعد معه البشرية إذا تسنَّى له اختراقها أو التشكيك في صحتها. أينشتاين تجاوز بأبحاثه ما قدمه نيوتن دون أن يفقد نيوتن احترامه العلمي. في الوقت الذي لا يملك فيه عالم دين مسلم معاصر أن يمس بالتشكيك ما قاله ابن تيمية قبل ثمانية قرون.

نحن أمام رجلَين مختلفَين تمامًا في الهدف وفي طرائق البحث؛ لا يربط بينهما شيء يستحق الإشارة إليه. دمج الرجلَين في مصطلح واحد هو سبب الانحطاط العلمي الذي تعيشه الشعوب الإسلامية. ربما جاء هذا الخلط من الترجمة. كان يمكن إطلاق رجل علم على العامل في حقل العلوم الطبيعية، وأن نكتفي بلقب فقيه لوصف الرجال المشتغلين في الموروث الديني. كلمة فقيه جليلة ومقدرة وموروثة. بروز رجال الدين في حياتنا الاجتماعية محمولين على هذا اللقب قلَّل من قيمة المشتغلين في العلم الطبيعي في المجتمعات الإسلامية وهمَّشهم.
في كل الحوارات التي شاهدتها مع المتخصصين العرب في علوم الأوبئة في العالم العربي لم يجرؤ أي مذيع أن يطلق على أيٍّ من هؤلاء العرب لقب عالم. فالعلماء في ذهن الإنسان العربي إما علماء الدين الإسلامي وإما العلماء الطبيعيون في الغرب.
اقرأ أيضًا: جائحة فيروس كورونا ستغيِّر النظام العالمي إلى الأبد
أسهم الهجوم المريع ضد الحضارة الغربية في رفض الحضارة الحديثة برمتها. للحفاظ على مركزهم وتلطيف الشعور بالدونية نشأ في أوساط رجال الدين علم وهمي أطلق عليه محترفوه الإعجاز العلمي.
- كاتب سعودي