الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
أوروبا تعترف للمغرب بمحاصرة الظاهرة الإرهابية
تصريحات مسؤول إسباني رفيع تشيد بالتنسيق المغربي الأوروبي لضرب جذور الإرهاب وتجفيف منابعه

كيوبوست – حسن الأشرف
اعترفت إسبانيا بالدور المحوري الذي يضطلع به المغرب في محاربة الظاهرة الإرهابية في المملكة الإيبيرية وفي سائر أوروبا أيضاً، مشيدة بما تقوم به الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، من أجل اجتثاث الخلايا الإرهابية النائمة والمتحركة في إسبانيا والقارة الأوروبية.
ويرى محللون أن الاعتراف الإسباني الرسمي بمجهودات المغرب في مواجهة الظاهرة الأوروبية في أوروبا يشكِّل رسالة واضحة إلى أطرافٍ أوروبية تسعى إلى “ابتزاز الرباط سياسياً في ملفات حقوق الإنسان”، معتبرين أن الأوروبيين مقتنعون بأهمية إرساء شراكة استراتيجية مع المملكة لضمان الاستقرار والأمن في أوروبا والمنطقة المتوسطية على وجه الخصوص.
اقرأ أيضاً: 84 دولة تتوعد من المغرب بتفكيك شبكات تنظيم “داعش” الإرهابي
عمليات أمنية
وصرح خوسي مانويل ألباريس، وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، مؤخراً أن المغرب جار شريك واستراتيجي لبلاده وللدول الأوروبية، وبالتالي فلا يمكن لمدريد أو أوروبا أن تواجها مخاطر الإرهاب دون إرساء تعاون وثيق ووطيد مع الرباط.
وقال رئيس الدبلوماسية الإسبانية إن مدريد تتشارك مع الرباط تدبير عدة ملفات رئيسية، منها مواجهة الهجرة غير النظامية، ومحاربة الخلايا الإرهابية والمتطرفة، فضلاً على الاهتمام بتنمية القار الإفريقية، مبدياً أمله في أن تدخل العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة أكثر تنسيقاً في هذا الصدد بمناسبة انعقاد الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في فبراير المقبل.

وشهد شهر يناير الجاري تنفيذ عملية أمنية بين المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بالمغرب (جهاز المخابرات)، وبين الأجهزة الإسبانية المختصة، أفرزت تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم داعش، تتشكل من ثلاثة عناصر ينشطون في كلٍّ من إسبانيا والمغرب.
وأفاد بلاغ أمني بأن الأشخاص الموقوفين في إطار هذه القضية، الذين بايعوا تنظيم داعش، كانوا ينشطون في نشر وترويج الفكر المتطرف بغرض التجنيد والاستقطاب، كما أبدوا استعدادهم للانخراط في عملياتٍ إرهابية بعد تعذر التحاقهم بمعاقل هذا التنظيم الإرهابي بمنطقة الساحل، حيث تربطهم علاقات مع مقاتلين مكلفين بتجنيد وتسهيل دخول المتطوعين للقتال في هذه المنطقة.
اقرأ أيضاً: على ماذا تقوم الاستراتيجية المغربية لمحاربة التطرف والإرهاب؟
وسجل المصدر الأمني ذاته أن “هذه العملية الأمنية المشتركة تندرج في إطار التنسيق الأمني المتواصل والمتميز بين المصالح الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، حرصاً على تحييد جميع المخاطر والتهديدات الإرهابية المحدقة بالبلدين، وسعياً كذلك لتعزيز التعاون الثنائي لفك الارتباطات القائمة بين الخلايا الإرهابية التي تنشط بين البلدين”.
وفي شهر أكتوبر من العام الماضي فكَّكت السلطات الأمنية المغربية بالتنسيق مع نظيرتها الإسبانية خلية إرهابية مكونة من 12 عنصراً، كانت تنشط في مدينتي الناظور ومليلية، فأشاد وزير الخارجية الإسباني حينها بتعاون المغرب في مكافحة الإرهاب، مشدداً على أن “التعاون بين المغرب وإسبانيا مكَّن من تفكيك شبكات جهادية خطيرة”، على حد قوله.

نفس الشيء سبق أن حصل في أبريل من سنة 2021 عندما أعلن المغرب أنه بالتنسيق مع الأجهزة الفرنسية، تم إجهاض وتفكيك خلية إرهابية، كانت ستنفذها مواطنة فرنسية من أصل مغربي، تستهدف كنيسة في فرنسا، حيث قدمت الأجهزة المغربية معلوماتٍ ثمينة حول هوية المشتبه فيها الرئيسية، والمعطيات التعريفية الإلكترونية، فضلاً على المشروع الإرهابي الذي كانت بصدد التحضير لتنفيذه بتنسيق مع عناصر في تنظيم داعش.
رسالة تحذير
ويعلِّق الدكتور إحسان الحافظي، خبير في السياسات الأمنية، على هذا الموضوع بالقول ضمن حديث مع موقع “كيوبوست”، إن تصريح الخارجية الإسبانية يأتي في سياق الرد على الهجمات التي تتعرض لها الشراكة المغربية مع الاتحاد الأوروبي، على خلفية القرار الأخير للبرلمان الأوروبي حول المغرب.

وأوضح الحافظي بأن تأكيد وزير الخارجية الإسباني بأنه لا يمكن لبلده، ولا لأوروبا، ملاحقة وتفكيك الخلايا الإرهابية دون مساعدة من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، يبعث برسائل واضحة إلى بعض الأطراف الأوروبية التي تسعى إلى ابتزاز المغرب سياسياً، من خلال إثارة قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، ونشر ادعاءات كاذبة داخل البرلمان الأوروبي، وبالمقابل يريد المغرب أن يحمي أمنه أمام المخاطر الإرهابية والتهديدات الأمنية الناشئة عن الجريمة المنظمة والهجرة، والجرائم العابرة للحدود عموماً.
وأفاد المحلل ذاته بأن “المغرب شريك استراتيجي لإسبانيا والاتحاد الأوربي، وهذه الشراكة تتعرض لهجوم من قبل سياسيين أوروبيين، بهدف إثارة قضايا سياسية وقضائية، بحثاً عن مكاسب اقتصادية ودبلوماسية، لكنها بهذه الممارسات تضرب في عمق الشراكة الأمنية باعتبارها تقع في أولوية مطالب الضفة الشمالية من حوض البحر المتوسط”.
اقرأ أيضاً: المغرب والإرهاب في الساحل الإفريقي… مخاطر وأدوار أمنية واستراتيجية
ويشرح الحافظي بأن هذه المطالب تتعلق أساساً بتعزيز الأمن، ومراقبة الحدود، والتعاون الاستخباري في مجال مكافحة الإرهاب، وتبادل البيانات الجنائية حول الأشخاص موضوع مذكرات بحث أمنية، وهي أمور تخضع لمقياس احترام الشراكة من الجانب الأوربي”، مردفاً أنه “حينما تتحدث إسبانيا في هذا التوقيت المتزامن مع صدور قرار البرلمان الأوروبي عن كون أوروبا وحدها لن تأمن التهديدات الإرهابية دون مساهمة المصالح الأمنية المغربية، فتلك رسالة تحذير من مغبة تلاعب السياسيين الأوروبيين بأمن المواطن الأوروبي”.
شريك استراتيجي
من جانبه يقول الدكتور زهير لعميم، الأستاذ في جامعة القاضي عياض بمراكش، إن الاعتراف الإسباني يشكل إشادة بالتجربة المغربية الرائدة على المستوى الإقليمي في محاربة الظاهرة الإرهابية واحتواء الهجرة السرية، وتأكيد الدور المحوري الذي يلعبه المغرب في إرساء الأمن والسلم الدوليين، الشيء الذي يقتضي إقرار معاملة فضلى للمغرب كبلدٍ أساسي في ملاحقة واجتثاث الخلايا الإرهابية، وحماية الأمن القومي الأوروبي.

وشدَّد لعميم، في تصريحاتٍ لموقع “كيوبوست”، على أن تصريحات المسؤول الإسباني تبين أن المغرب ارتقى بالنسبة لإسبانيا إلى مستوى الشريك والحليف الإستراتيجي والموثوق به الذي يقتضي علاقة مبنية على الاحترام المتبادل والطموح القوي والمشترك لخدمة الأمن والاستقرار الإقليميين.
وتابع المحلِّل “تؤكد التصريحات اقتناع الإسبان، ومن خلالهم الجانب الأوروبي، بالشراكة الإستراتيجية التي تستوجب وضوح الرؤية من أجل ضمان استقرار وسيادة وأمن وازدهار المنطقة المتوسطية، شمالها وجنوبها، بما يشكِّل آلية أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة”.
ويرى لعميم أن هذا الموقف الإسباني مؤشر قوي من طرف الإسبان لتعبيد الطريق أمام إعادة النظر في العلاقات المغربية الإسبانية، ومن خلالها العلاقات المغربية الأوروبية التي تمتح من تاريخ قوي جداً، بينما الراهن يقتضي منح دفعة قوية لهذه العلاقات، من خلال التركيز على القضايا والتحديات المشتركة.
اقرأ أيضاً: “تحالف شيطاني” يجمع الإرهاب والانفصال في القارة السمراء
ووفق المتكلم نفسه “تدرك إسبانيا وأوروبا أهمية المغرب كبلد يشكِّل عمقاً استراتيجيا بالنسبة لهما، وبالتالي يتعين على أوروبا أن تعيد النظر في طبيعة علاقاتها مع المغرب، لأنه لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة دون شراكة واعدة وطموحة مع المملكة، وهذا ما تؤكد عليه طبيعة العلاقات التي أصبحت تربط البلدين، بعد إذابة الجليد بينهما، خصوصاً بعد اعتراف مدريد بالسيادة المغربية على الصحراء.