الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
أنقرة تستنفر قواتها في “المتوسط” بعد اتفاق الترسيم المصري- اليوناني
يسعى أردوغان إلى تشكيل كتلة تجمعه مع السراج ودولة مالطا في "المتوسط".. .. واليونان تطلب اجتماعاً عاجلاً للاتحاد الأوروبي

كيوبوست
أثارت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مصر واليونان، الأسبوع الماضي، غضباً تركياً واسعاً؛ خصوصاً أن الاتفاقية التي تأتي متسقة مع القانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة المرتبطة بتنظيم الحقوق في أعالي البحار، ألغت بشكلٍ كامل جميع الحدود التي وضعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اتفاقه مع فايز السراج، العام الماضي.

على الرغم من أن المحادثات بين القاهرة وأثينا بدأت منذ 15 عاماً؛ فإن الاتفاقية التي وقعتها تركيا مع الحكومة الليبية في العام الماضي، دفعت مصر واليونان إلى الإسراع في الخطوات؛ خصوصاً أن اليونان تسعى لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع جميع جيرانها، حسب الصحفي الإيطالي المتخصص في ملف الطاقة؛ ماركو أجوزو، الذي أكد لـ”كيوبوست” أن الاتفاقية الجديدة أعادت إشعال التوتر بين اليونان وتركيا عقب فترة من الهدوء.
اقرأ أيضًا: تركيا تعبث بالقانون الدولي في غاز المتوسط
تصعيد تركي

وأصدرت البحرية التركية إخطاراً ملاحياً، قالت فيه إن السفينة التركية عروج ريس ستجري عمليات مسح زلزالي في شرق البحر المتوسط خلال الأسبوعين المقبلين، وذلك بعد إعلان الرئيس التركي أن أثينا لم تفِ بوعودها، في وقتٍ وصفت فيه اليونان التحركات التركية بـ”غير القانونية”، مؤكدة أنها تؤدي إلى تصعيدٍ خطير، فيما أعلن مكتب رئيس الوزراء اليوناني دعوته إلى اجتماع طارئ للاتحاد الأوروبي، بعدما أرسلت تركيا سفينة تنقيب في منطقة متنازع عليها.
تفسِّر تركيا الاتفاق في الوقت الحالي بأنه موجه ضدها، حسب الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، الذي أكد، في تعليق لـ”كيوبوست”، أن هذه الاتفاقية جاءت لتغلق أي مجال لمباحثات يمكن أن تتم بين تركيا واليونان حول ترسيم الحدود البحرية في المتوسط.

وتأتي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان في ظل العلاقات المتميزة للبلدين، والساعية لترسيخ أُطر السلام والاستقرار الإقليمي، حسب الكاتب والباحث المصري جمال رائف.
اقرأ أيضًا: أوروبا تحذِّر أردوغان من التنقيب في البحر المتوسط

وفي تعليقٍ لـ”كيوبوست”، قال رائف: “إن هذه الاتفاقية تضمن لشعوب المنطقة الاستفادة القصوى من مقدراتهم وثروتهم الطبيعية في مياه البحر المتوسط، وجاءت بعد جهد تفاوضي بين الجانبين اتسم بالتعاون ووفق القوانين والأعراف الدولية”.
وأضاف الكاتب والباحث المصري أن الاتفاقية تقطع الطريق على أي طامع يريد التسلل لسرقة مقدرات شعوب المتوسط؛ خصوصاً الجانب التركي “الذي يحاول ممارسة العبث الإقليمي، وخلق فوضى في المنطقة”، مشيراً إلى أن نتائج الاتفاقية ليست مقتصرة على الجانب الاقتصادي فقط؛ ولكنها أيضاً مرتبطة بالتنسيقات الأمنية والسياسية بين القاهرة وأثينا.

لكن الخلاف ليس جديداً؛ بل قديم وباقٍ، حسب المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو. وحسب أوغلو أيضاً فإن الاختلاف يكمن في جزئيات مهمة للغاية؛ فتركيا لا تعترف بالاتفاقية الموقعة بين مصر واليونان؛ لأنها مرتبطة بالجزر اليونانية وليس الجرف القاري اليوناني الذي لا يرتبط بالجرف القاري المصري، في ظلِّ النظر إلى المنطقة الاقتصادية بشكل مختلف؛ خصوصاً أن هناك العشرات من الجزر اليونانية هي أقرب إلى الأراضي التركية منها إلى الأراضي اليونانية، ومن ثمَّ يوجد خلاف واضح في الرؤية حول الكثير من التفاصيل القانونية وتفسيراتها.
اقرأ أيضًا: تدخل تركيا المحفوف بالمخاطر في اليونان والشرق الأوسط
وأضاف أوغلو أن “تركيا ترى عدم أحقية للقاهرة وأثينا في توقيع الاتفاقية؛ بسبب عدم وجود جرف قاري يجمع بين الطرفَين”، مشيراً إلى الاعتقاد الشائع بأن هذا الاتفاق سياسي نتائجه ستكون تصعيدية لصالح أطراف أخرى في المنطقة؛ خصوصاً في ظل الخلاف بين القاهرة وأنقرة بشأن ليبيا.

ضوابط للتنمية
لكن الباحث المصري جمال رائف، يؤكد أن هناك رغبة من اليونان ومصر بشكل حقيقي للتخلص من إرث العقود الماضية، ووضع ضوابط تضمن السلام والتنمية، وهو ما يفسر توقيع البلدين اتفاقيات مماثلة مع جيرانهما؛ فاليونان وقعت اتفاقية مماثلة مع إيطاليا قبل أسابيع، ومصر وقعت اتفاقية أخرى مع قبرص، مؤكداً أن هذه الاتفاقيات “تضع خطوطاً حمراء لتركيا لا يمكن تجاوزها حتى مع الاتفاقية التي وقعت بين السراج وأردوغان؛ لأنها اتفاقية ليست ذات قيمة قانونية”.
يؤكد الصحفي الإيطالي المتخصص في ملف الطاقة؛ ماركو أجوزو، أن اليونان تسعى إلى عرقلة التطلعات التركية في المتوسط؛ خصوصاً أن أنقرة لديها خطط كبيرة للمنطقة ليست مرتبطة فقط بملف الطاقة؛ ولكن “بالرغبة التركية في أن تكون أنقرة قوة بحرية؛ حتى إن لم يكن لديها الموارد اللازمة لتحقيق هذا الطموح”، مشيراً إلى أن القاهرة وأثينا تمتلكان من الخبرة ما يجعلهما مراكز إقليمية للغاز.
اقرأ أيضًا: لماذا يعيد أردوغان تصدير أزمة الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط؟
واعتبر الصحفي الإيطالي أن قيام تركيا بالرد على الاتفاقية من خلال الإعلان عن تدريبات عسكرية في “بلوكي 2 و3” بمنطقة شرق المتوسط، وهي المنطقة القبرصية المرخص لشركة “إيني” العمل فيها، أمر يتطلب من إيطاليا سياسة خارجية واضحة واستراتيجية حقيقة للتعامل مع هذا الأمر؛ وهو ما لا يتوافر حتى الآن.

يشير الباحث المصري جمال رائف، إلى سعي أردوغان نحو تشكيل كتلة تجمعه مع السراج ودولة مالطا؛ وهي كتلة ضعيفة مقارنة بالجبهة التي تضم غالبية دول المتوسط، والتي تتعاون من خلال منتدى غاز شرق المتوسط، والذي سيتحول بدوره قريباً إلى منظمة إقليمية، لافتاً إلى أن جميع التصريحات الرسمية الصادرة عن الرئيس التركي لا يمكن التعامل معها على محمل الجد؛ خصوصاً أنها تفتقد المعايير القانونية.
يتوقع الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، استمرار التحركات التركية سريعاً للرد على الاتفاقية التي وصفها الرئيس التركي بـ”الباطلة” بالتزامن مع الاستمرار في عملية التنقيب عن النفط في ظل تصاعد الخلاف بين القاهرة وأنقرة بشأن الملف الليبي، مؤكداً أن الأمور تتجه إلى المزيد من التصعيد بين الأطراف المختلفة؛ خصوصاً على الساحة الليبية، لكن في الوقت نفسه استبعد الوصول إلى مرحلة المواجهة العسكرية التركية، سواء لمصر أو اليونان في ظل رفض أوروبي- أمريكي لحدوث هذا الأمر؛ وهو ما سينتج مزيداً من التوتر في المنطقة خلال الأسابيع المقبلة.