الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
أندريه ساخاروف.. الفيزيائي السوفييتي الذي انحاز لمبادئه

كيوبوست
في ظلِّ حالة التوتر القائمة بين روسيا والغرب، منح البرلمان الأوروبي جائزة “ساخاروف للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التفكير” لعام 2021، للمعارض الروسي السجين “أليكسي نافالني”.
جاء ذلك وفقاً لما أعلنه رئيس البرلمان “ديفيد ساسولي”، على تويتر مغردًا: “لقد حارب بلا هوادة فساد نظام فلاديمير بوتين. لقد كلفه ذلك حريته وكاد يكلفه حياته”، مجددًا دعوة البرلمان للإفراج الفوري عن نافالني، المعتقل في روسيا بتهمة الاحتيال.
اقرأ أيضًا: أدلة تؤكد بدء سباق التسلح من جديد بين الولايات المتحدة وروسيا
وتُمنح جائزة ساخاروف السنوية، التي أسسها البرلمان الأوروبي عام 1988م، للأشخاص والمنظمات الذين بذلوا جهودًا في سبيل الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، وسُميت الجائزة بهذا الاسم نسبة للعالم النووي الروسي “أندريه ساخاروف” وتكريمًا له، فمن هو ساخاروف؟
بيت العلوم والأدب
في كنف بيتٍ عُني بالعلوم والفنون والأدب، ولد الفيزيائي الروسي والعالم النووي أندريه ساخاروف المدافع عن حقوق الإنسان والحريات، عام 1921م في موسكو-روسيا، متأثرا بوالده “ديمتري ساخاروف”، مدرس الفيزياء، الذي ألف كتباً علمية ومناهج مدرسية، وكان عازف بيانو محترفاً. كما تأثر أندريه بجدته، “ماريا بتروفنا”، التي كانت بحسب وصفه “الروح الطيبة للعائلة”، والتي اعتادت قبل رحيلها قراءة المؤلفات والروايات والإنجيل، لأحفادها بصوت عالٍ.

بناء عليه ترك منزل العائلة أثراً كبيراً في نفس ساخاروف الذي وصفه قائلاً: “كان المنزل تسوده روح عائلية تقليدية قوية- حماسة وحيوية للعمل واحترام للكفاءة المهنية”، وتضاعف هذا التأثير؛ لأن ساخاروف لم يلتحق بالمدرسة إلّا لغاية عام 1933م، وتلقى دروسه في المنزل لعدة سنوات.
وفي عام 1938م التحق بقسم الفيزياء بجامعة موسكو الحكومية، لكن تم إجلاؤه وزملاؤه إلى عشق أباد (تركمانستان الآن) بسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية، وهناك استأنف دراسته وتخرج عام 1942م.
شاهد: فيديوغراف…كيف عاشت وريثات الاتحاد السوفيتي؟
مجهود حربي نووي
لم يفلح ساخاروف باجتياز الفحص الطبي للخدمة العسكرية، فمُنع من تأديتها، لكنه ساهم بالمجهود الحربي بطريقته، فقد كانت أولى خطواته العملية في سبتمبر عام 1942م، إذ تم إرساله للعمل كمهندس ومخترع بمصنع ذخيرة في منطقة نهر “الفولغا” وبقي هناك حتى عام 1945م عندما عاد إلى موسكو، وباشر الدراسة للحصول على درجة الدكتوراه من معهد “ليبيديف” في غضون عامين.
في ذلك الوقت، كان ساخاروف على قناعةٍ بأن العمل في سبيل تطوير قنبلة نووية، كان ذا أهمية حيوية لتوازن القوى في العالم، لذا انضم في عام 1948م، إلى الفريق البحثي الخاص للتحقيق في إمكانية صنع قنبلة نووية حرارية، برئاسة أستاذه الفيزيائي “إيغور إفجينيفيتش تام”. وعلى مدار العشرين عامًا التالية، عمل هو وزملاؤه على تطوير الأسلحة النووية، والتحضير للتجارب النووية وتنفيذها.

وفي البداية، اقترح ساخاروف تصميم قنبلة بطبقاتٍ متناوبة من الديوتريوم واليورانيوم، تحت اسم “سلويكا”؛ أي “كعكة الطبقات” لضمان زيادة قدرتها التفجيرية، وفي عام 1950م انتقل ساخاروف إلى مدينة “ساروف” السرية، وهناك لعب دوراً رئيسياً إلى جانب زميله وأستاذه تام في تطوير أول قنبلة هيدروجينية سوفييتية، كما توصل ساخاروف خلال عمله وبحثه الدؤوب لمبدأ الـ”انضغاط الإشعاعي”، الذي يعتمد استخدام مرآة لعكس اتجاه الإشعاع النووي.
إدراك الخطر
بين عامي 1953- 1962، أصبح ساخاروف أكثر وعياً بالمشاكل الأخلاقية المتعلقة بمجال عمله، كما أصبح قلقاً بشأن تأثيرات الاختبارات النووية على الغلاف الجوي، لذلك بدأ ساخاروف بتبني مواقف أخلاقية حول المسؤوليات الاجتماعية للعلماء؛ واعترض في عام 1961م على خطة رئيس الوزراء السوفيتي “نيكيتا خروتشوف” الرامية لاختبار قنبلة نووية حرارية بقوة 100 ميغا طن، خوفًا من مخاطر التداعيات الإشعاعية، ليتم اختبار القنبلة بنصف القوة (50 ميغا طن) فقط.

في مايو 1968م، أنهى ساخاروف مقالته التي كشفت مدى التغير في توجهاته؛ “تأملات في التقدم والتعايش السلمي والحرية الفكرية”، فمن خلالها حذّر من المخاطر الجسيمة المترتبة على التجارب والأسلحة النووية، ودعا إلى خفض تصنيعها، معلنًا تأييده إلى التقارب بين الأنظمة الشيوعية والرأسمالية في شكلٍ من أشكال الاشتراكية الديمقراطية، منتقدًا الاعتقالات السياسية، والقمع المتزايد للمعارضين السوفييت.
وأثارت مقالة ساخاروف التي بدأت بالانتشار بصحفٍ غربية مثل “نيويورك تايمز”، غضب الحكومة السوفييتية، ومما فاقم الأمور مع السلطات، قيامه عام 1970م بتأسيس لجنة حقوق الإنسان. ونتيجة لنشاطه السياسي والاجتماعي، مُنع من متابعة عمله العسكري، ومن مغادرة البلاد لاستلام جائزة نوبل للفيزياء عام 1975م.

كما جردته الحكومة السوفيتية عام 1980م من تكريماته، ونفته إلى مدينة غوركي (نيجني نوفغورود الآن) بعد انتقاده العلني للغزو السوفييتي لأفغانستان، ودعوته دول العالم إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية المقرر إجراؤها في موسكو عام 1980، كما تم نفي زوجته “يلينا ج. بونر”، الناشطة في مجال حقوق الإنسان إلى مدينة غوركي هي الأخرى، بتهمة القيام بأنشطةٍ معادية للسوفييت، وبعد وصول ميخائيل جورباتشوف أُطلق سراح الزوجان، وسمح لهما بالعودة إلى موسكو في ديسمبر 1986م.
اقرأ أيضًا: لماذا أرسل ستالين الجيش الأحمر لغزو أفغانستان؟
خلال سنواته الأخيرة، استعاد ساخاروف تكريماته التي جُرِّد منها، وحصل على جوائز جديدة، والتقى بالعديد من قادة العالم، وأجرى المقابلات الصحفية، وتواصل مع زملائه، وقضى أوقاتاً في كتابة مذكراته. وفي مارس 1989 انتخب عضوا في المؤتمر الأول لنواب الشعب، ولم يتوقف ساخاروف عن انتقاد سياسة جورباتشوف، مطالباً بسياساتٍ إصلاحية أوسع، إلى أن وافته المنية عام 1989م في مسقط رأسه موسكو.