الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

أنتوني كوردسمان: نحتاج إلى حلف ناتو خليجي لتعزيز الدفاع المشترك

رئيس الاستراتيجيات في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنتوني كوردسمان يتحدث إلى "كيوبوست" عن رهانات الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن واستراتيجيتها الأمنية لا سيما في منطقة الخليج والشرق الأوسط

كيوبوست- خاص

حاوره د.دينيس ساموت♦

لا يمكنك حتى لو كنت تمتلك أفضل القوات المسلحة أن تحصل على دفاعات فعالة في دول صغيرة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة.. لأنك ببساطة ستكون معرضاً للضربات التي يمكن أن تكون مركزة جداً في منطقة صغيرة نسبياً

وأنا لا أعتقد أن الناس في الخليج قد بحثوا في هذا الأمر بشكل كافٍ.. وأنا كثيراً ما أشعر بالحيرة لكونهم ينشغلون بالقلق مما قد نفعله بدلاً من إصلاح المشكلات التي صنعوها هم أنفسهم

يسرني أن أرحب بالسيد أنتوني كوردسمان رئيس الاستراتيجيات في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. الدكتور كوردسمان يتمتع بتاريخ مهني طويل ومتميز في العديد من فروع الحكومة الأمريكية بفرعَيها التشريعي والتنفيذي، وكذلك بتاريخ أكاديمي وبحثي نشط مع العديد من مراكز الأبحاث؛ حيث تعمَّق في العديد من قضايا العلاقات الدوية وقضايا الحرب والسلام والقضايا الاستراتيجية وسياسات الطاقة. كتب الدكتور كوردسمان أكثر من 50 كتاباً، وهو مهتم بشكل خاص بمنطقة الخليج العربي.

اقرأ أيضًا: التعامل مع الفراغ الأمني الجديد في الخليج

  • دكتور كوردسمان، دعني أبدأ بحدث الشهر، والنقاشات الدائرة حول التغير الاستراتيجي في تركيز الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهادئ وآسيا. هذا ليس بالأمر الجديد، وقد سمعنا الكثير حوله منذ عدة سنوات؛ ولكن من المؤكد أن أفغانستان قد سلطت الضوء على هذا الأمر بشكل أكبر. وهنالك الكثير من النقاشات في العديد من الدول حول ما يعنيه هذا التغير بالنسبة إلى هذه الدول. أنت شخص لديه اثنتان من نقاط القوة، فأنت لديك معرفة واسعة بالقضايا الاستراتيجية للمنطقة؛ خصوصاً الخليج والشرق الأوسط، إلى جانب كونك باحثاً استراتيجياً ينظر إلى الأمور من منظور أوسع بكثير. ومؤخراً قُمت بإعداد دراسة حول قضايا الصين وآسيا والأهمية الاستراتيجية المتغيرة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي هذه الدراسة قُلت إن أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج بشكل خاص بالنسبة إلى الولايات المتحدة والدول الغربية لم تتراجع مؤخراً، بل تغيرت. كيف ترى مستقبل منطقة الخليج في سياق الخصومة بين الولايات المتحدة والصين؟

أعتقد أننا يجب أن نكون حذرين قليلاً؛ لأننا في خصومة مع الصين، وفي الوقت نفسه لا تزال لدينا علاقات اقتصادية مهمة ونتعاون معها في قضايا مثل البيئة. ولذلك فالعلاقة ليست خصومة خالصة. هنالك نقطة توتر محددة وهي قضية تايوان وجنوب بحر الصين، وهي ما أدت إلى العديد من أشكال التدريبات والأنشطة الاستعراضية؛ ولكنّ كثيراً من الناس لا ينظرون بالشكل الصحيح إلى كيفية تنظيم القوات المسلحة الأمريكية، تم نقل بعض القوات البحرية؛ خصوصاً من قوات مشاة البحرين إلى المحيط الهادئ، وأُعيدت بعض القوات التي كانت منتشرة في أوروبا؛ ولكن ما يهم حقاً هو قدرة الولايات المتحدة على نشر قواتها، وليس عدد القوات التي تدفع بها في أي وقت من الأوقات. وإذا نظرت إلى الانتشار العسكري الأمريكي في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم، فحتى بعد نقل معظم القوات التي كانت في العراق، والقوات الأمريكية التي كانت في المنطقة لدعم العمليات العسكرية في أفغانستان، فسترى أننا قد عُدنا إلى ما كان عليه الوضع بعد حرب الخليج الأولى عام 1991. نحن لا نتحدث عن انسحاب أمريكي من أوروبا، أو من الخليج وبقية مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب التحول نحو الصين. وأحد التأثيرات الجانبية للتركيز الأمريكي على الصين الأكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية والقدرات القتالية من دول مثل إيران أو سوريا أو العراق أو اليمن، هو زيادة القدرة الأمريكية على نشر قواتها عالمياً، إلا في حالة وقوع حرب واسعة النطاق تشمل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج. النقطة الثانية هنا هي أن ما نتحدث عنه هو ليس القتال بالمعنى الكلاسيكي، بل مَن يملك الأفضلية الاستراتيجية والنفوذ الأكبر. الصين تنظر إلى قدراتنا على نشر قواتنا على المستوى الدولي كما ننظر نحن إلى قدراتها. وما يهم هو أين ننشر قواتنا وأين نحظى بالنفوذ. أعتقد أنه من الواضح الآن أن الصين تهيمن على البر الآسيوي، حيث تقع الصين. والولايات المتحدة من خلال شراكاتها الاستراتيجية في الخليج تهيمن على منطقة تصدر النفط والغاز إلى الصين. والدراسات التي أجرتها مؤسساتنا الدولية المتخصصة في معلومات الطاقة أظهرت أن اعتماد الصين على الخليج سوف يزداد بشكل ثابت بمرور الوقت. والحضور الأمريكي لدعم شركائنا الاستراتيجيين في الخليج في التعاطي مع تهديدات مثل إيران يحظى بأهمية في استراتيجيتنا الوطنية مماثلة لتلك التي تحظى بها الصين. وهذا بالتأكيد يعطينا القدرة على إغلاق ممرات واردات الصين من النفط التي تأتي عبر المحيط الهندي ومضيق ملقا. وعندما تنظر إلى القوة العالمية، وهذا ما يجب أن ننظر إليه، لأنه بالتأكيد إذا كنت بلداً خليجياً فأنت تدافع عن نفسك في منطقة ضيقة للغاية؛ ولكن إذا كنتَ الولايات المتحدة، فأنت قوة عالمية وأنت تدافع عن نفسك على المستوى العالمي.

أمريكا والصين والطريق إلى حرب تجارية شاملة- “فاينانشال تايمز”
  • جاءت الولايات المتحدة إلى الخليج قبل نحو خمسين عاماً، وقررت بريطانيا وهي القوة الكبرى في المنطقة أن تغادرها. وفي ذلك الوقت كانت هنالك الكثير من المخاوف بشأن الفراغ الذي سيخلقه انسحابها. والولايات المتحدة تقدمت لتملأ ذلك الفراغ. وما تقوله الآن هو أن الوضع مختلف حالياً، ولن يكون هنالك فراغ من هذا النوع. ولكن أنت شخصياً وعلى مدى الأعوام الخمسين الماضية أو على الأقل على مدى جزء كبير منها كانت لك علاقات مع منطقة الخليج. هل يمكنك أن تخبرنا عن رؤيتك لتطور العلاقة الأمريكية بمنطقة الخليج خلال هذه السنوات باعتبارك شاهداً على التطورات التي حصلت؟

في البداية كان الحضور الأمريكي محدوداً للغاية في الخليج، وقد عملت على دراسات في وزارة الدفاع الأمريكية ساعدت على تشكيل الوجود الأمريكي بعد انسحاب بريطانيا من شرقَي السويس. ولطالما تغير مستوى الوجود الأمريكي وفقاً لمدى خطورة التهديدات. وقد ركزت الولايات المتحدة لفترة طويلة على إيران، وبالتأكيد كانت ناشطة جداً في تقديم الأسلحة والتدريب للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عندما بدأتا بالظهور كقوة عسكرية وكذلك لدول الخليج العربية الأخرى. وقد كان هذا الدعم محدوداً إلى حد ما بسبب علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل في ذلك الوقت، حيث كان من الصعب تقديم السلاح لدول عربية وإسرائيل في الوقت نفسه. ولكن العامل الرئيسي كان قرب إيران من روسيا، كنا نتعامل مع الاتحاد السوفييتي السابق وكان التهديد الاستراتيجي الرئيسي في الخليج هو أن تتقدم روسيا جنوباً بهدف الوصول إلى المحيط الهندي، ولفرض نفوذها على المنطقة التي كانت مصدراً رئيسياً للطاقة. وهذا التهديد لم يحدث، ولكن تهديدات أخرى حدثت. وأحدها كان ما حدث عند الإطاحة بشاه إيران، حيث حل محله فجأة نظام متطرف عدواني، والتهديد الآخر الذي حدث بعد ذلك بقليل كان شبيهاً بغزو الكويت، وهو الحرب التي شنها العراق على إيران؛ حيث اعتقد العراقيون أنهم قادرون على غزو إيران. وبفضل زياراتي المتكررة للعراق أثناء تلك الحرب اطلعت على بعض الوثائق التي لم تنشر والتي كانت تشير إلى مطالبة العراق ببعض حقول النفط في جنوب غرب إيران قرب الساحل. وقد نجحوا في غزوهم لمدة عام ونصف العام فقط قبل أن تنجح إيران في بناء مقاومة جدية، وهذه المقاومة لم تهدد العراق فقط؛ بل جميع دول الخليج الأخرى. وعند تلك النقطة، زادت الولايات المتحدة من حضورها وزادت من توريدات الأسلحة، وأيضاً كانت هنالك طريقة أخرى فعالة في إنهاء الحرب العراقية- الإيرانية؛ وهي ما عُرفت بحرب الناقلات التي خاضتها الولايات المتحدة مع إيران. كانت البحرية الأمريكية منتشرة بكثافة في الخليج واشتركت في احتكاكات واشتباكات مع البحرية الإيرانية من أجل حماية تدفق ناقلات النفط؛ خصوصاً تلك القادمة من الكويت. وهذه الحرب لم تنتهِ بشكل رسمي بعد. وهي تقنياً لا تزال مجرد وقف لإطلاق النار بين إيران والعراق؛ ولكن الخطوة الثانية التي يتذكرها الجميع هي غزو العراق للكويت ومحاولة ضمها. وهذا ما أدى إلى ظهور تركيبة جديدة تماماً؛ إذ تشاركت الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بهدف تحرير الكويت وبدعم من عدد من القوى الأوروبية؛ منها فرنسا وبريطانيا. وبعد عام 1991 نشأت علاقة مختلة تماماً. فالولايات المتحدة كانت شريكاً استراتيجياً حاضراً ودعمت بشكل فعال تطور القوات الخليجية؛ خصوصاً القوات السعودية والإماراتية، ولكنها شملت أيضاً عمان والبحرين ودول الخليج الأخرى أيضاً. وهذا أدى خطوة بعد أخرى إلى جهود نزع أسلحة الدمار الشامل من العراق وإلى غزو اعتمد على معلومات استخباراتية خاطئة إلى حد كبير تفيد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. ولا يزال هذا الإرث يتفاعل إلى الآن في العراق. فالمواجهة مع إيران كانت بمثابة تغير كبير من ناحية قدرة الولايات المتحدة على دعم شركائها الاستراتيجيين الخليجيين بحرية ودون أي من القيود السياسية السابقة التي فرضها الصراع العربي- الإسرائيلي. وهذا ما سهَّل نشر القوات الأمريكية أيضاً، والآن لدينا عدد من القواعد البحرية والجوية الرئيسية في الخليج، وهذه القواعد لن تتم إزالتها أو تقليصها. وقد تم نقل بعض القوات من هذه القواعد إلى الأردن؛ ولكن ذلك كان بسبب التهديد من سوريا والمشكلات التي سببتها الحرب الأهلية هناك، ولذلك لا يعتبر تحريك هذه القوات بمثابة انسحاب من الخليج؛ لأننا نتحدث بشكل رئيسي عن القوات الجوية والبحرية. وهذا أمر يجد الناس في بعض الأحيان صعوبة في تذكره؛ فنحن لن نذهب لغزو إيران، ولكن إذا وقع صراع فسوف ندعم شركاءنا الخليجيين بشكل رئيسي بالقوات الجوية والصاروخية والبحرية. وهذا النوع من القوات يمكن نشره بسرعة كبيرة نسبياً حتى عندما يتطلب ذلك شحن هذا الدعم. لا تزال الشراكة مستمرة في المنطقة، وهنالك شحنات أسلحة كبيرة تتدفق، وهذه الشحنات مدعومة بمجموعة من العقود لتقديم الخدمات والدعم الفني ومساعدة دول الخليج على تطوير قدراتها الخاصة في صيانة هذه المعدات وفي بعض الحالات على إنتاجها؛ الأمر الذي لم نقرر بعد كيفية المضي فيه -وعندما أقول نحن فأنا لا أقصد فقط الولايات المتحدة؛ بل الولايات المتحدة وشركاءها الخليجيين- هو ماذا نفعل بشأن قضايا الدفاع الصاروخي والدفاع الجوي متعدد الطبقات وتحديث أساليب دمج القوات الجوية والبحرية والصاروخية في ما تدعوه الولايات المتحدة الحرب المشتركة؟ فنحن نشهد تغيرات كبيرة في القدرات العسكرية التسليحية وفي كيفية تدريب القوات العسكرية وفي القدرة على الضرب في عمق أراضي الدول الأخرى. وهذه تغيرات أعتقد أننا جميعاً لا نزال في طور إعادة تشكيل خطط قواتنا. وإحدى المشكلات الكبيرة التي واجهتها الولايات المتحدة ولا تزال تواجهها، وهي مشكلة أكثر أهمية بالنسبة إلى دول الخليج، هي أنه إذا كانت تريد أن تمتلك قوات عسكرية خليجية فعالة يجب عليها أن تتعاون في ما بينها وتتشارك في القيادة والسيطرة وفي أنظمة الاستشعار؛ كالرادارات وأنظمة الصواريخ. وإذا ما نظرنا إلى مجلس التعاون الخليجي في ظل الخلافات التى كانت بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات، وفي الاختلافات التي لا تزال موجودة في أنظمة الدفاع الجوي والبحري والفصل بين القوات بمختلف الأشكال بين دول الخليج، يمكننا أن نقول إنه للحصول على الفعالية وأفضل استخدام للأموال ولتأمين قوة الردع الكافية لمنع وقوع الحرب، هنالك حاجة ماسة إلى خليج أكثر اندماجاً ليكون نواة للدفاع المتقدم.

اقرأ أيضًا: كيف ستؤثر قوة الصين المتزايدة على العلاقات الخليجية- الصينية؟

  • إذن وباختصار، أنت تقول إننا نحتاج إلى حلف ناتو خليجي.

أعتقد أن هنالك حاجة إلى حلف ناتو خليجي. حلف الناتو ليس مثالياً، ويمكن للمرء أن يأمل -ربما في عالم مثالي- في أن يتمكن مجلس التعاون من أن يعلم الناتو ماذا يجب عليه أن يفعل؛ ولكننا لا نزال بعيدين قليلاً عن ذلك.

  • هل يمكنني أن أتوقف للحظة هنا، لقد تحدثت بالتفصيل عن كيفية تطور استجابة الولايات المتحدة للأحداث على الأرض؛ ولكن من الواضح أن تغيرات كبيرة حدثت في دول الخليج خلال الأعوام الخمسين الماضية -إذا أخذنا خروج بريطانيا من المنطقة وحلول الولايات المتحدة محلها كنقطة بداية- ورأينا أن دولاً خليجية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر قد أصبحت أكثر حزماً بشأن سياساتها الخارجية، أو بالأحرى في طموحات سياساتها الخارجية، وتحاول أيضاً بناء قدراتها العسكرية. كيف ترى ذلك بالنظر إلى الصورة الأكبر لواقع منطقة الخليج اليوم والشرق الأوسط بشكل عام؟ يبدو أن كل شيء يتغير. لدينا وضع غريب نوعاً ما يتوق الناس للاستقرار، ولكن من ناحية أخرى هم يتوقون للتغيير في الوقت نفسه. هل لك أن تعلق على هذه المسألة؟

لقد طرحت سؤالاً جيداً، لقد رأينا بعض هذه التغيرات بالفعل؛ منها توسيع إيران نفوذها وعلاقاتها مع سوريا. وعلينا أن نتذكر أن سوريا كانت من الدول القليلة التي دعمت إيران أثناء حربها مع العراق. التوتر بين سوريا والعراق كان يعني وجود صراع بين قوتَين عربيتَين رئيسيتَين. يمكنك أن ترى أن هنالك حرباً أهلية طويلة تجري في اليمن؛ وهي ليست الأولى فيها. أول رحلة لي إلى منطقة الخليج كانت عام 1962؛ حيث لا يمكن لأحد من سكان الخليج باستثناء من هم في مثل سني أن يتذكر كيف كانت الحياة حينها، وكيف كان كل شيء صغيراً بالمقارنة مع ما هو عليه الآن. الآن لدينا دول عصرية متطورة تحولت من قوى عسكرية في غاية الصغر لا تمتلك أسلحة فعالة إلى بعض أفضل القوات المسلحة في العالم النامي. وقد رأينا أيضاً تحولات في طبيعة القوات. وأهم هذه التحولات في ما أعتقد كان خلق القدرة على خوض حروب غير تقليدية في الخليج وفي المحيط الهندي بوجود إيران التي أجبرت دول الخليج على التفكير بامتلاك قوات بحرية أكثر تطوراً ومستويات أعلى من التدريب. ورأينا تحولاً رئيسياً من الاعتماد ببساطة على القوة الجوية والطيران، الآن نتحدث عن القوة الصاروخية، وهذه القوة الصاروخية تتراوح بين الصواريخ البالستية التي يمكنها أن تضرب في أي مكان في جنوب الخليج -أعني القوة الإيرانية بالتحديد- إلى المنصات الصاروخية الصغيرة الموجهة التي يمكن التحكم بها يدوياً على ارتفاعات منخفضة نسبياً والقادرة على تنفيذ ضربات دقيقة. نتحدث عن دقة تم التوصل إليها ليس بالضرورة من خلال الذكاء الاصطناعي؛ ولكن من خلال الحدود الزمنية وأنظمة استشعار وزمن الاستجابة، والتي في حالة الصواريخ بالتحديد لا تتيح لك أكثر من دقائق قليلة للتعامل مع الضربات التي يمكنها إعاقة جزء أساسي من مصادر النفط وأنظمة الطاقة ومصادر المياه في جنوب الخليج. وهذه تحديات لم تكن موجودة حتى قبل خمس سنوات، والآن أصبحت في غاية الخطورة، ومن المؤكد أن خطورتها سوف تزداد بمرور الوقت. هنالك ما نسميه حروب المنطقة الرمادية، يمكن لدول من خارج الخليج وبالتحديد في هذه الحالة سوريا وروسيا أن تقدم الدعم للحركات السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة أو عنيفة على الأقل، وأنا أتحدث هنا عما ندعوه أحياناً الحروب بالوكالة التي تقوم بها المنظمات وليس الدول. كل هذه التحولات تحدث متزامنة بعضها مع بعض؛ وهي مدفوعة بطريقة أو بأخرى بالمنافسة بين قوى خارجية. فهنالك روسيا وحلف شمال الأطلسي يتسابقان على تطوير أسلحة جديدة بحرية وجوية أكثر فتكاً، ونرى الشيء نفسه في المنافسة مع الصين. وهذه القضية لا تتعلق ببساطة بالتطورات الخليجية؛ بل هي مسألة عالمية. ولهذا السبب فإن أحد أهم العوامل -خصوصاً إذا أرادت الولايات المتحدة أن تقدم للخليج الدعم الذي يحتاج إليه- هو أن تطور دول الخليج قوات موحدة بشكل أفضل بكثير. وهذا أمر إذا ما عدنا قليلاً إلى الوراء، فإن المملكة العربية السعودية في عهد الملك السابق حاولت فعلاً الدفع نحو تحقيقه. ولكن لسوء الحظ فإن التوترات بين دول الخليج وبشكل خاص تلك المتعلقة ببعض الأحزاب الإسلامية قد أعاقت التقدم بذلك المشروع. الأمر لا يتعلق بالحصول على المزيد من الأسلحة أو على أسلحة أكثر تطوراً، بل بأن هذه الأسلحة -بما فيها الطائرات والسفن التي تمتلكها دول الخليج- يمكن أن تستخدم بشكل فعال فقط إذا ما تم دمجها مع بعضها وإذا ما عملت دول الخليج بعضها مع بعض. إنه في غاية الصعوبة بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تقدم معلومات استخباراتية منسقة وإدارة المعارك والدعم العسكري الخارجي الذي تحتاج إليه دول الخليج إذا لم تتعاون هذه الدول في تقديم صورة موحدة عن احتياجاتها وعما يتطلبه الدفاع عن المنطقة. أنت ذكرت الإمارات العربية المتحدة، وهي تتمتع بقوات في غاية الفعالية، وقطر تعمل على تطوير قواتها، ولكنها دول صغيرة جداً من ناحية المساحة وحجم القوة العسكرية بالمقارنة مع دول مثل إيران. لا يمكنك حتى لو كنت تمتلك أفضل القوات المسلحة أن تحصل على دفاعات فعالة في دول صغيرة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة؛ لأنك ببساطة ستكون معرضاً للضربات التي يمكن أن تكون مركزة جداً في منطقة صغيرة نسبياً. وأنا لا أعتقد أن الناس في الخليج قد بحثوا في هذا الأمر بشكل كافٍ. وأنا كثيراً ما أشعر بالحيرة لكونهم ينشغلون بالقلق مما قد نفعله بدلاً من إصلاح المشكلات التي صنعوها هم أنفسهم.

  • • تحدثت عن زيارتك الأولى لليمن عام 1962…

لا، لم أصل إلى اليمن. ذهبت إلى الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية وعمان وإلى ما أصبحت الآن الإمارات العربية المتحدة.

  • هل ذهبت إلى عدن أيضاً؟

وصلت إلى مياه عدن حيث توقفت سفينتي؛ ولكني لم أنزل منها.

  • أود أن أختم حوارنا بسؤالك عن دولتَين ذكرتهما عدداً من المرات، المملكة العربية السعودية، وهي بالمقارنة مع دول الخليج الأخرى دولة عملاقة وقوة كبرى؛ ولكنها تحتوي على بعض الخواص التي تُسهم في قوتها ولكنها تجعلها معرضة إلى الخطر من ناحية أخرى. والدولة الثانية هي الإمارات العربية المتحدة التي تحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لتأسيسها. هل يمكن أن تراجع معنا مساهماتك في هاتين الدولتين، وأن تذكر لنا أمراً أو اثنين ترى أنه من المهم بالنسبة إلينا أن نتذكرهما كأجانب عندما نتحدث عن السعودية والإمارات وأيضاً بالنسبة إلى مواطني هاتين الدولتين عندما يتحدثون عن مستقبلهم وعن مستقبل المنطقة؟

أعتقد أننا ننسى أحياناً أن جوهر القوة العسكرية هو تحقيق وضمان الأمن. وعندما أعود بذاكرتي إلى السنوات التي كنت أتردد فيها على دول الخليج وأشاهد هاتين الدولتين تبرزان بكل المقاييس كقوتين متطورتين تتمتعان بمستويات تعليمية رفيعة وبالقدرة على تشغيل وإدارة معدات حساسة للغاية، إنها تحولات مهمة وكبيرة. كما أن تطور الموارد البشرية فيهما كان على الأقل في مثل أهمية استيراد الأسلحة وتعزيز القدرات العسكرية. وفي ما يتعلق بمستوى التطوير والتدريب، فهذا أمر عندما تتحدث عن الخليج عندما زرته للمرة الأولى، كان الضباط يتلقون العلوم العسكرية في مؤسسات عصرية في بريطانيا، وكانت ساندهيرست هي المعيار، أما الآن فأنا أعتقد أنهم يملكون مؤسسات تدريبية ممتازة في كل من السعودية والإمارات، ولم تعدا تعتمدان على العوامل العشائرية. وفي بلد مثل عمان التي حاربت المشكلات التي ظهرت أثناء الثورة، أصبحت الآن دولة متطورة وقوة عسكرية واقتصادية. والمشكلة التي تعانيها دول الخليج إلى حد ما ومنها السعودية هي أن الاقتصاد العصري خلق نوعاً من الضعف. وهذا أمر أعتقد أن مواطني الخليج لا يفكرون فيه بالشكل الكافي، وهو نقاط الضعف لديهم. فإذا نظرت إلى محطات تحلية المياه، ومدى جاذبيتها كأهداف عسكرية، فإنك ستدرك أن المملكة العربية السعودية الكبيرة على الرغم من مساحتها الكبيرة وعمقها الاستراتيجي، فهي دولة معرضة إلى الخطر، وكذلك الإمارات العربية المتحدة. والأمر نفسه ينطبق على الاعتماد على الطاقة الكهربائية، وبالطبع على منشآت النفط والغاز، والتي يمكن تعطيلها وليس بالضرورة تدميرها من خلال ضربة دقيقة واحدة بصاروخ يحمل رأساً تقليدياً تطلقه إيران. وهذه تحولات أعتقد أن الناس بدؤوا بالتأقلم معها؛ ولكني أعتقد أنه هنالك حاجة حقيقية -كما هي الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة- للبدء بالنظر إلى ما هو أبعد من التهديدات يمكن أن تنتج عن الإرهاب والتطرف والبحث في المجالات الأمنية كافة التي تحتاج إليها. ما المطلوب للردع والحماية في كل مستوى من مستويات الصراعات المحتملة؟ كيف يكن التواصل مع الولايات المتحدة؛ ولكن أيضاً مع الجيران بطريقة تخلق أكثر عوامل الردع الفعالة والحواجز في وجه الحرب؟ أعتقد أن هذه هي القضايا التي تخطر ببالي بشأن ما يجب على الخليج أن يهتم به.

بهذين السؤالَين نصل إلى نهاية حوارنا. شكراً جزيلاً دكتور أنتوني كوردسمان على انضمامك إلينا.

لقراءة الأصل الإنكليزي: Interview with Anthony Cordesman

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة